قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=28ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون .
[ ص: 22 ] فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=28من أنفسكم ثم قال : من شركاء ; ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33مما ملكت أيمانكم ف ( من ) الأولى للابتداء ; كأنه قال : أخذ مثلا وانتزعه من أقرب شيء منكم وهي أنفسكم . والثانية للتبعيض ، والثالثة زائدة لتأكيد الاستفهام . والآية نزلت في كفار
قريش ، كانوا يقولون في التلبية : لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك ; قاله
سعيد بن جبير . وقال
قتادة : هذا مثل ضربه الله للمشركين ; والمعنى : هل يرضى أحدكم أن يكون مملوكه في ماله ونفسه مثله ، فإذا لم ترضوا بهذا لأنفسكم فكيف جعلتم لله شركاء .
الثانية : قال بعض العلماء : هذه الآية أصل في الشركة بين المخلوقين لافتقار بعضهم إلى بعض ونفيها عن الله سبحانه ، وذلك أنه لما قال جل وعز :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=28ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم الآية ، فيجب أن يقولوا : ليس عبيدنا شركاءنا فيما رزقتنا ، فيقال لهم : فكيف يتصور أن تنزهوا نفوسكم عن مشاركة عبيدكم وتجعلوا عبيدي شركائي في خلقي ; فهذا حكم فاسد وقلة نظر وعمى قلب ، فإذا بطلت الشركة بين العبيد وسادتهم فيما يملكه السادة والخلق كلهم عبيد لله تعالى
فيبطل أن يكون شيء من العالم شريكا لله تعالى في شيء من أفعاله ; فلم يبق إلا أنه واحد يستحيل أن يكون له شريك ، إذ الشركة تقتضي المعاونة ، ونحن مفتقرون إلى معاونة بعضنا بعضا بالمال والعمل ; والقديم الأزلي منزه عن ذلك جل وعز .
وهذه المسألة أفضل للطالب من حفظ ديوان كامل في الفقه ; لأن جميع العبادات البدنية لا تصح إلا بتصحيح هذه المسألة في القلب ، فافهم ذلك .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=28ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ .
[ ص: 22 ] فِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=28مِنْ أَنْفُسِكُمْ ثُمَّ قَالَ : مِنْ شُرَكَاءَ ; ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَ ( مِنْ ) الْأُولَى لِلِابْتِدَاءِ ; كَأَنَّهُ قَالَ : أَخَذَ مَثَلًا وَانْتَزَعَهُ مِنْ أَقْرَبِ شَيْءٍ مِنْكُمْ وَهِيَ أَنْفُسُكُمْ . وَالثَّانِيَةُ لِلتَّبْعِيضِ ، وَالثَّالِثَةُ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ الِاسْتِفْهَامِ . وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي كُفَّارِ
قُرَيْشٍ ، كَانُوا يَقُولُونَ فِي التَّلْبِيَةِ : لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ ; قَالَهُ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُشْرِكِينَ ; وَالْمَعْنَى : هَلْ يَرْضَى أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكُهُ فِي مَالِهِ وَنَفْسِهِ مِثْلَهُ ، فَإِذَا لَمْ تَرْضَوْا بِهَذَا لِأَنْفُسِكُمْ فَكَيْفَ جَعَلْتُمْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ .
الثَّانِيَةُ : قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ بَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ لِافْتِقَارِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ وَنَفْيِهَا عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=28ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ الْآيَةَ ، فَيَجِبُ أَنْ يَقُولُوا : لَيْسَ عَبِيدُنَا شُرَكَاءَنَا فِيمَا رَزَقْتَنَا ، فَيُقَالُ لَهُمْ : فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تُنَزِّهُوا نُفُوسَكُمْ عَنْ مُشَارَكَةِ عَبِيدِكُمْ وَتَجْعَلُوا عَبِيدِي شُرَكَائِي فِي خَلْقِي ; فَهَذَا حُكْمٌ فَاسِدٌ وَقِلَّةُ نَظَرٍ وَعَمَى قَلْبٍ ، فَإِذَا بَطَلَتِ الشَّرِكَةُ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَسَادَتِهِمْ فِيمَا يَمْلِكُهُ السَّادَةُ وَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَبِيدٌ لِلَّهِ تَعَالَى
فَيَبْطُلُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنَ الْعَالَمِ شَرِيكًا لِلَّهِ تَعَالَى فِي شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِهِ ; فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّهُ وَاحِدٌ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ ، إِذِ الشَّرِكَةُ تَقْتَضِي الْمُعَاوَنَةَ ، وَنَحْنُ مُفْتَقِرُونَ إِلَى مُعَاوَنَةِ بَعْضِنَا بَعْضًا بِالْمَالِ وَالْعَمَلِ ; وَالْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ جَلَّ وَعَزَّ .
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَفْضَلُ لِلطَّالِبِ مِنْ حِفْظِ دِيوَانٍ كَامِلٍ فِي الْفِقْهِ ; لِأَنَّ جَمِيعَ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِتَصْحِيحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْقَلْبِ ، فَافْهَمْ ذَلِكَ .