قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون .
nindex.php?page=treesubj&link=29001قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله فيه أربع مسائل :
الأولى : لما ذكر ما يراد به وجهه ويثيب عليه ذكر غير ذلك من الصفة وما يراد به أيضا وجهه . وقرأ الجمهور : آتيتم بالمد بمعنى أعطيتم . وقرأ
ابن كثير ومجاهد وحميد بغير مد ; بمعنى ما فعلتم من ربا ليربو ; كما تقول : أتيت صوابا وأتيت خطأ . وأجمعوا على المد في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وما آتيتم من زكاة . والربا الزيادة ، وقد مضى في ( البقرة ) معناه ، وهو هناك محرم وهاهنا حلال . وثبت بهذا أنه قسمان : منه حلال ومنه حرام . قال
عكرمة في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس قال : الربا ربوان ، ربا حلال وربا حرام ; فأما الربا الحلال فهو الذي يهدى ، يلتمس ما هو أفضل منه . وعن
الضحاك في هذه الآية : هو الربا الحلال الذي يهدى ليثاب ما هو أفضل منه ، لا له ولا عليه ، ليس له فيه أجر وليس عليه فيه إثم . وكذلك قال
ابن عباس :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وما آتيتم من ربا يريد
nindex.php?page=treesubj&link=7288هدية الرجل الشيء يرجو أن يثاب أفضل منه ; فذلك الذي لا يربو عند الله ولا يؤجر صاحبه ولكن لا إثم عليه ، وفي هذا المعنى نزلت الآية . قال
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ومجاهد : هذه آية نزلت في هبة الثواب . قال
ابن عطية : وما جرى مجراها مما يصنعه الإنسان ليجازى عليه ؛ كالسلام وغيره ; فهو وإن كان لا إثم فيه فلا أجر فيه ولا زيادة عند الله تعالى . وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=12815القاضي أبو بكر ابن العربي . وفي كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
عبد الرحمن بن علقمة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832294قدم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم هدية فقال : أهدية أم صدقة . فإن كانت هدية فإنما يبتغى بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاء الحاجة ، وإن كانت صدقة فإنما يبتغى بها وجه الله عز وجل قالوا : لا بل هدية ; فقبلها منهم وقعد معهم يسائلهم [ ص: 35 ] ويسألونه . وقال
ابن عباس أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي : نزلت في قوم يعطون قراباتهم وإخوانهم على معنى نفعهم وتمويلهم والتفضل عليهم ، وليزيدوا في أموالهم على وجه النفع لهم . وقال
الشعبي : معنى الآية أن ما خدم الإنسان به أحدا وخف له لينتفع به في دنياه فإن ذلك النفع الذي يجزي به الخدمة لا يربو عند الله . وقيل : كان هذا حراما على النبي صلى الله عليه وسلم على الخصوص ; قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=6ولا تمنن تستكثر فنهى أن يعطي شيئا فيأخذ أكثر منه عوضا . وقيل : إنه الربا المحرم ; فمعنى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39فلا يربو عند الله على هذا القول لا يحكم به لآخذه ، بل هو للمأخوذ منه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : نزلت هذه الآية في ربا
ثقيف ; لأنهم كانوا يعملون بالربا وتعمله فيهم
قريش .
الثانية : قال القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=12815أبو بكر ابن العربي : صريح الآية فيمن يهب يطلب الزيادة من أموال الناس في المكافأة . قال
المهلب :
nindex.php?page=treesubj&link=7289اختلف العلماء فيمن وهب هبة يطلب ثوابها ، وقال : إنما أردت الثواب ; فقال
مالك : ينظر فيه ; فإن كان مثله ممن يطلب الثواب من الموهوب له فله ذلك ; مثل هبة الفقير للغني ، وهبة الخادم لصاحبه ، وهبة الرجل لأميره ومن فوقه ; وهو أحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وقال
أبو حنيفة : لا يكون له ثواب إذا لم يشترط ; وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي الآخر . قال : والهبة للثواب باطلة لا تنفعه ; لأنها بيع بثمن مجهول . واحتج
الكوفي بأن موضوع الهبة التبرع ، فلو أوجبنا فيها العوض لبطل معنى التبرع وصارت في معنى المعاوضات ، والعرب قد فرقت بين لفظ البيع ولفظ الهبة ، فجعلت لفظ البيع على ما يستحق فيه العوض ، والهبة بخلاف ذلك . ودليلنا ما رواه
مالك في موطئه عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : أيما رجل وهب هبة يرى أنها للثواب فهو على هبته حتى يرضى منها . ونحوه عن
علي رضي الله عنه قال : المواهب ثلاثة : موهبة يراد بها وجه الله ، وموهبة يراد بها وجوه الناس ، وموهبة يراد بها الثواب ; فموهبة الثواب يرجع فيها صاحبها إذا لم يثب منها . وترجم
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري رحمه الله ( باب المكافأة في الهبة ) وساق حديث
عائشة قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832295كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب [ ص: 36 ] عليها . وأثاب على لقحة ولم ينكر على صاحبها حين طلب الثواب ؛ وإنما أنكر سخطه للثواب وكان زائدا على القيمة . خرجه
الترمذي .
الثالثة : ما ذكره
علي رضي الله عنه وفصله من الهبة صحيح ; وذلك أن الواهب لا يخلو في هبته من ثلاثة أحوال : أحدها : أن يريد بها وجه الله تعالى ويبتغي عليها الثواب منه . والثاني : أن يريد بها وجوه الناس رياء ليحمدوه عليها ويثنوا عليه من أجلها . والثالث : أن يريد بها الثواب من الموهوب له ; وقد مضى الكلام فيه . وقال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832296الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى . فأما إذا
nindex.php?page=treesubj&link=23804_33293أراد بهبته وجه الله تعالى وابتغى عليه الثواب من عنده فله ذلك عند الله بفضله ورحمته ; قال الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون .
وكذلك من يصل قرابته ليكون غنيا حتى لا يكون كلا ، فالنية في ذلك متبوعة ; فإن كان ليتظاهر بذلك دنيا فليس لوجه الله ، وإن كان لما له عليه من حق القرابة وبينهما من وشيجة الرحم فإنه لوجه الله .
وأما من
nindex.php?page=treesubj&link=18697أراد بهبته وجوه الناس رياء ليحمدوه عليها ويثنوا عليه من أجلها فلا منفعة له في هبته ; لا ثواب في الدنيا ولا أجر في الآخرة ; قال الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس الآية .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=7289من أراد بهبته الثواب من الموهوب له فله ما أراد بهبته ، وله أن يرجع فيها ما لم يثب بقيمتها ، على مذهب
ابن القاسم ، أو ما لم يرض منها بأزيد من قيمتها ، على ظاهر قول
عمر وعلي ، وهو قول
مطرف في الواضحة : أن الهبة ما كانت قائمة العين ، وإن زادت أو نقصت فللواهب الرجوع فيها وإن أثابه الموهوب فيها أكثر منها . وقد قيل : إنها إذا كانت قائمة العين لم تتغير فإنه يأخذ ما شاء . وقيل : تلزمه القيمة كنكاح التفويض ، وأما إذا كان بعد فوت الهبة فليس له إلا القيمة اتفاقا ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي .
[ ص: 37 ] الرابعة : قوله تعالى : ( ليربو ) ، قرأ جمهور القراء السبعة : ليربو بالياء وإسناد الفعل إلى الربا . وقرأ
نافع وحده : بضم التاء والواو ساكنة على المخاطبة ; بمعنى تكونوا ذوي زيادات ، وهذه قراءة
ابن عباس والحسن وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي . قال
أبو حاتم : هي قراءتنا . وقرأ
أبو مالك : ( لتربوها ) بضمير مؤنث .
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39فلا يربو عند الله أي لا يزكو ولا يثيب عليه ; لأنه لا يقبل إلا ما أريد به وجهه وكان خالصا له ; وقد تقدم في ( النساء ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وما آتيتم من زكاة قال
ابن عباس : أي من صدقة . و
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون أي ذلك الذي يقبله ويضاعفه له عشرة أضعافه أو أكثر ; كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=245من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=265ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39فأولئك هم المضعفون ولم يقل فأنتم المضعفون ؛ لأنه رجع من المخاطبة إلى الغيبة ; مثل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم . وفي معنى المضعفين قولان : أحدهما : أنه تضاعف لهم الحسنات كما ذكرنا . والآخر : أنهم قد أضعف لهم الخير والنعيم ; أي هم أصحاب أضعاف ، كما يقال : فلان مقو إذا كانت إبله قوية ، أو له أصحاب أقوياء . ومسمن إذا كانت إبله سمانا . ومعطش إذا كانت إبله عطاشا . ومضعف إذا كان إبله ضعيفة ; ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم :
اللهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث الشيطان الرجيم . فالمخبث : الذي أصابه خبث ، يقال : فلان رديء أي هو رديء في نفسه . ومردئ : أصحابه أردئاء .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ .
nindex.php?page=treesubj&link=29001قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ :
الْأُولَى : لَمَّا ذَكَرَ مَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُهُ وَيُثِيبُ عَلَيْهِ ذَكَرَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَةِ وَمَا يُرَادُ بِهِ أَيْضًا وَجْهُهُ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : آتَيْتُمْ بِالْمَدِّ بِمَعْنَى أَعْطَيْتُمْ . وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَمُجَاهِدٌ وَحُمَيْدٌ بِغَيْرِ مَدٍّ ; بِمَعْنَى مَا فَعَلْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ ; كَمَا تَقُولُ : أَتَيْتُ صَوَابًا وَأَتَيْتُ خَطَأً . وَأَجْمَعُوا عَلَى الْمَدِّ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ . وَالرِّبَا الزِّيَادَةُ ، وَقَدْ مَضَى فِي ( الْبَقَرَةِ ) مَعْنَاهُ ، وَهُوَ هُنَاكَ مُحَرَّمٌ وَهَاهُنَا حَلَالٌ . وَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ قِسْمَانِ : مِنْهُ حَلَالٌ وَمِنْهُ حَرَامٌ . قَالَ
عِكْرِمَةُ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ قَالَ : الرِّبَا رِبَوَانِ ، رِبَا حَلَالٌ وَرِبَا حَرَامٌ ; فَأَمَّا الرِّبَا الْحَلَالُ فَهُوَ الَّذِي يُهْدَى ، يُلْتَمَسُ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ . وَعَنِ
الضَّحَّاكِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : هُوَ الرِّبَا الْحَلَالُ الَّذِي يُهْدَى لِيُثَابَ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ ، لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ ، لَيْسَ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ إِثْمٌ . وَكَذَلِكَ قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا يُرِيدُ
nindex.php?page=treesubj&link=7288هَدِيَّةَ الرَّجُلِ الشَّيْءَ يَرْجُو أَنْ يُثَابَ أَفْضَلَ مِنْهُ ; فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَلَا يُؤْجَرُ صَاحِبُهُ وَلَكِنْ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى نَزَلَتِ الْآيَةُ . قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=13033وَابْنُ جُبَيْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=16248وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ : هَذِهِ آيَةٌ نَزَلَتْ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا مِمَّا يَصْنَعُهُ الْإِنْسَانُ لِيُجَازَى عَلَيْهِ ؛ كَالسَّلَامِ وَغَيْرِهِ ; فَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا إِثْمَ فِيهِ فَلَا أَجْرَ فِيهِ وَلَا زِيَادَةَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى . وَقَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12815الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ ابْنُ الْعَرَبِيِّ . وَفِي كِتَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيِّ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832294قَدِمَ وَفْدُ ثَقِيفٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُمْ هَدِيَّةٌ فَقَالَ : أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ . فَإِنْ كَانَتْ هَدِيَّةً فَإِنَّمَا يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَضَاءَ الْحَاجَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ صَدَقَةً فَإِنَّمَا يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالُوا : لَا بَلْ هَدِيَّةٌ ; فَقَبِلَهَا مِنْهُمْ وَقَعَدَ مَعَهُمْ يُسَائِلُهُمْ [ ص: 35 ] وَيَسْأَلُونَهُ . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا
nindex.php?page=showalam&ids=12354وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ يُعْطُونَ قَرَابَاتِهِمْ وَإِخْوَانَهُمْ عَلَى مَعْنَى نَفْعِهِمْ وَتَمْوِيلِهِمْ وَالتَّفَضُّلِ عَلَيْهِمْ ، وَلِيَزِيدُوا فِي أَمْوَالِهِمْ عَلَى وَجْهِ النَّفْعِ لَهُمْ . وَقَالَ
الشَّعْبِيُّ : مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ مَا خَدَمَ الْإِنْسَانُ بِهِ أَحَدًا وَخَفَّ لَهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ فِي دُنْيَاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ النَّفْعَ الَّذِي يَجْزِي بِهِ الْخِدْمَةَ لَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ . وَقِيلَ : كَانَ هَذَا حَرَامًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُصُوصِ ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=6وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ فَنَهَى أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا فَيَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْهُ عِوَضًا . وَقِيلَ : إِنَّهُ الرِّبَا الْمُحَرَّمُ ; فَمَعْنَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يُحْكَمُ بِهِ لِآخِذِهِ ، بَلْ هُوَ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رِبَا
ثَقِيفٍ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِالرِّبَا وَتَعْمَلُهُ فِيهِمْ
قُرَيْشٌ .
الثَّانِيَةُ : قَالَ الْقَاضِي
nindex.php?page=showalam&ids=12815أَبُو بَكْرٍ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : صَرِيحُ الْآيَةِ فِيمَنْ يَهَبُ يَطْلُبُ الزِّيَادَةَ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ فِي الْمُكَافَأَةِ . قَالَ
الْمُهَلَّبُ :
nindex.php?page=treesubj&link=7289اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ وَهْبَ هِبَةً يَطْلُبُ ثَوَابَهَا ، وَقَالَ : إِنَّمَا أَرَدْتُ الثَّوَابَ ; فَقَالَ
مَالِكٌ : يُنْظَرُ فِيهِ ; فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ مِمَّنْ يَطْلُبُ الثَّوَابَ مِنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَهُ ذَلِكَ ; مِثْلُ هِبَةِ الْفَقِيرِ لِلْغَنِيِّ ، وَهِبَةِ الْخَادِمِ لِصَاحِبِهِ ، وَهِبَةِ الرَّجُلِ لِأَمِيرِهِ وَمَنْ فَوْقَهُ ; وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَكُونُ لَهُ ثَوَابٌ إِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ ; وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ الْآخَرُ . قَالَ : وَالْهِبَةُ لِلثَّوَابِ بَاطِلَةٌ لَا تَنْفَعُهُ ; لِأَنَّهَا بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ . وَاحْتَجَّ
الْكُوفِيُّ بِأَنَّ مَوْضُوعَ الْهِبَةِ التَّبَرُّعُ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا الْعِوَضَ لَبَطَلَ مَعْنَى التَّبَرُّعِ وَصَارَتْ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَاتِ ، وَالْعَرَبُ قَدْ فَرَّقَتْ بَيْنَ لَفْظِ الْبَيْعِ وَلَفْظِ الْهِبَةِ ، فَجَعَلَتْ لَفْظَ الْبَيْعِ عَلَى مَا يُسْتَحَقُّ فِيهِ الْعِوَضُ ، وَالْهِبَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ . وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ
مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : أَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهَا لِلثَّوَابِ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ حَتَّى يَرْضَى مِنْهَا . وَنَحْوُهُ عَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : الْمَوَاهِبُ ثَلَاثَةٌ : مَوْهِبَةٌ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ ، وَمَوْهِبَةٌ يُرَادُ بِهَا وُجُوهُ النَّاسِ ، وَمَوْهِبَةٌ يُرَادُ بِهَا الثَّوَابُ ; فَمَوْهِبَةُ الثَّوَابِ يَرْجِعُ فِيهَا صَاحِبُهَا إِذَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا . وَتَرْجَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( بَابُ الْمُكَافَأَةِ فِي الْهِبَةِ ) وَسَاقَ حَدِيثَ
عَائِشَةَ قَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832295كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ [ ص: 36 ] عَلَيْهَا . وَأَثَابَ عَلَى لِقْحَةٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى صَاحِبِهَا حِينَ طَلَبَ الثَّوَابَ ؛ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ سَخَطَهُ لِلثَّوَابِ وَكَانَ زَائِدًا عَلَى الْقِيمَةِ . خَرَّجَهُ
التِّرْمِذِيُّ .
الثَّالِثَةُ : مَا ذَكَرَهُ
عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفَصَّلَهُ مِنَ الْهِبَةِ صَحِيحٌ ; وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاهِبَ لَا يَخْلُو فِي هِبَتِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يُرِيدَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَبْتَغِي عَلَيْهَا الثَّوَابَ مِنْهُ . وَالثَّانِي : أَنْ يُرِيدَ بِهَا وُجُوهَ النَّاسِ رِيَاءً لِيَحْمَدُوهُ عَلَيْهَا وَيُثْنُوا عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهَا . وَالثَّالِثُ : أَنْ يُرِيدَ بِهَا الثَّوَابَ مِنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ; وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832296الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِ امْرِئٍ مَا نَوَى . فَأَمَّا إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=23804_33293أَرَادَ بِهِبَتِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَابْتَغَى عَلَيْهِ الثَّوَابَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ ; قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ .
وَكَذَلِكَ مَنْ يَصِلُ قَرَابَتَهُ لِيَكُونَ غَنِيًّا حَتَّى لَا يَكُونَ كَلًّا ، فَالنِّيَّةُ فِي ذَلِكَ مَتْبُوعَةٌ ; فَإِنْ كَانَ لِيَتَظَاهَرَ بِذَلِكَ دُنْيَا فَلَيْسَ لِوَجْهِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ لِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ الْقَرَابَةِ وَبَيْنَهُمَا مِنْ وَشِيجَةِ الرَّحِمِ فَإِنَّهُ لِوَجْهِ اللَّهِ .
وَأَمَّا مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=18697أَرَادَ بِهِبَتِهِ وُجُوهَ النَّاسِ رِيَاءً لِيَحْمَدُوهُ عَلَيْهَا وَيُثْنُوا عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهَا فَلَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي هِبَتِهِ ; لَا ثَوَابَ فِي الدُّنْيَا وَلَا أَجْرَ فِي الْآخِرَةِ ; قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ الْآيَةَ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=7289مَنْ أَرَادَ بِهِبَتِهِ الثَّوَابَ مِنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَهُ مَا أَرَادَ بِهِبَتِهِ ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا مَا لَمْ يُثَبْ بِقِيمَتِهَا ، عَلَى مَذْهَبِ
ابْنِ الْقَاسِمِ ، أَوْ مَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا بِأَزْيَدَ مِنْ قِيمَتِهَا ، عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ
عُمَرَ وَعَلِيٍّ ، وَهُوَ قَوْلُ
مُطَرِّفٍ فِي الْوَاضِحَةِ : أَنَّ الْهِبَةَ مَا كَانَتْ قَائِمَةَ الْعَيْنِ ، وَإِنْ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِيهَا وَإِنْ أَثَابَهُ الْمَوْهُوبُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْهَا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهَا إِذَا كَانَتْ قَائِمَةُ الْعَيْنِ لَمْ تَتَغَيَّرْ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَا شَاءَ . وَقِيلَ : تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ كَنِكَاحِ التَّفْوِيضِ ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ بَعْدَ فَوْتِ الْهِبَةِ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الْقِيمَةُ اتِّفَاقًا ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ .
[ ص: 37 ] الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : ( لِيَرْبُوَ ) ، قَرَأَ جُمْهُورُ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ : لِيَرْبُوَ بِالْيَاءِ وَإِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى الرِّبَا . وَقَرَأَ
نَافِعٌ وَحْدَهُ : بِضَمِّ التَّاءِ وَالْوَاوِ سَاكِنَةً عَلَى الْمُخَاطَبَةِ ; بِمَعْنَى تَكُونُوا ذَوِي زِيَادَاتٍ ، وَهَذِهِ قِرَاءَةُ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيِّ . قَالَ
أَبُو حَاتِمٍ : هِيَ قِرَاءَتُنَا . وَقَرَأَ
أَبُو مَالِكٍ : ( لِتُرَبُّوهَا ) بِضَمِيرٍ مُؤَنَّثٍ .
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ أَيْ لَا يَزْكُو وَلَا يُثِيبُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ وَكَانَ خَالِصًا لَهُ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ( النِّسَاءِ ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : أَيْ مِنْ صَدَقَةٍ . وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ أَيْ ذَلِكَ الَّذِي يَقْبَلُهُ وَيُضَاعِفُهُ لَهُ عَشْرَةَ أَضْعَافِهِ أَوْ أَكْثَرَ ; كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=245مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=265وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ وَلَمْ يَقُلْ فَأَنْتُمُ الْمُضْعِفُونَ ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ مِنَ الْمُخَاطَبَةِ إِلَى الْغَيْبَةِ ; مِثْلُ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ . وَفِي مَعْنَى الْمُضْعِفِينَ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ تُضَاعَفُ لَهُمُ الْحَسَنَاتُ كَمَا ذَكَرْنَا . وَالْآخَرُ : أَنَّهُمْ قَدْ أُضْعِفَ لَهُمُ الْخَيْرُ وَالنَّعِيمُ ; أَيْ هُمْ أَصْحَابُ أَضْعَافٍ ، كَمَا يُقَالُ : فُلَانٌ مُقْوٍ إِذَا كَانَتْ إِبِلُهُ قَوِيَّةً ، أَوْ لَهُ أَصْحَابٌ أَقْوِيَاءُ . وَمُسْمِنٌ إِذَا كَانَتْ إِبِلُهُ سِمَانًا . وَمُعْطِشٌ إِذَا كَانَتْ إِبِلُهُ عِطَاشًا . وَمُضْعِفٌ إِذَا كَانَ إِبِلُهُ ضَعِيفَةً ; وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوَذُ بِكَ مِنَ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . فَالْمُخْبِثُ : الَّذِي أَصَابَهُ خَبَثٌ ، يُقَالُ : فُلَانٌ رَدِيءٌ أَيْ هُوَ رَدِيءٌ فِي نَفْسِهِ . وَمُرْدِئٌ : أَصْحَابُهُ أَرْدِئَاءُ .