nindex.php?page=treesubj&link=29002قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=18ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور .
[ ص: 65 ] فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قرأ
نافع وأبو عمرو وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وابن محيصن : ( تصاعر ) بالألف بعد الصاد . وقرأ
ابن كثير وعاصم وابن عامر والحسن ومجاهد : ( تصعر ) ، وقرأ
الجحدري : ( تصعر ) بسكون الصاد ; والمعنى متقارب . والصعر : الميل ; ومنه قول الأعرابي : وقد أقام الدهر صعري ، بعد أن أقمت صعره . ومنه قول
عمرو بن حني التغلبي :
وكنا إذا الجبار صعر خده أقمنا له من ميله فتقوم
وأنشده
الطبري : ( فتقوما ) . قال
ابن عطية : وهو خطأ ; لأن قافية الشعر مخفوضة . وفي بيت آخر :
أقمنا له من خده المتصعر
قال
الهروي : ( ولا تصاعر ) أي لا تعرض عنهم تكبرا عليهم ; يقال : أصاب البعير صعر وصيد إذ أصابه داء يلوي منه عنقه . ثم يقال للمتكبر : فيه صعر وصيد ; فمعنى : لا تصعر أي لا تلزم خدك الصعر . وفي الحديث : (
يأتي على الناس زمان ليس فيهم إلا أصعر أو أبتر ) والأصعر : المعرض بوجهه كبرا ; وأراد رذالة الناس الذين لا دين لهم . وفي الحديث : (
كل صعار ملعون ) أي كل ذي أبهة وكبر .
الثانية : معنى الآية : ولا تمل خدك للناس كبرا عليهم وإعجابا واحتقارا لهم . وهذا تأويل
ابن عباس وجماعة . وقيل : هو أن تلوي شدقك إذا ذكر الرجل عندك كأنك تحتقره ; فالمعنى : أقبل عليهم متواضعا مؤنسا مستأنسا ، وإذا حدثك أصغرهم فأصغ إليه حتى يكمل حديثه . وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل .
قلت : ومن هذا المعنى ما رواه
مالك عن
ابن شهاب عن
أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832303لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث . فالتدابر الإعراض وترك الكلام والسلام ونحوه . وإنما قيل للإعراض تدابر لأن من أبغضته أعرضت عنه ووليته دبرك ; وكذلك يصنع هو بك . ومن أحببته أقبلت عليه بوجهك وواجهته لتسره ويسرك ; فمعنى التدابر موجود فيمن صعر خده ،
[ ص: 66 ] وبه فسر
مجاهد الآية . وقال
ابن خويز منداد : قوله : ( ولا تصاعر خدك للناس ) كأنه نهى أن يذل الإنسان نفسه من غير حاجة ; ونحو ذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864509ليس للإنسان أن يذل نفسه .
الثالثة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=18ولا تمش في الأرض مرحا أي متبخترا متكبرا ، مصدر في موضع الحال ، وقد مضى في ( سبحان ) . وهو النشاط والمشي فرحا في غير شغل وفي غير حاجة . وأهل هذا الخلق ملازمون للفخر والخيلاء ; فالمرح مختال في مشيته . روى
يحيى بن جابر الطائي عن
ابن عائذ الأزدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=7009غضيف بن الحارث قال : أتيت
بيت المقدس أنا
nindex.php?page=showalam&ids=12186وعبد الله بن عبيد بن عمير قال : فجلسنا إلى
عبد الله بن عمرو بن العاصي فسمعته يقول : إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه فيقول : يابن
آدم ما غرك بي ؟ ! ألم تعلم أني بيت الوحدة ؟ ! ألم تعلم أني بيت الظلمة ؟ ! ألم تعلم أني بيت الحق ؟ ! يابن
آدم ما غرك بي ؟ ! لقد كنت تمشي حولي فدادا . قال
ابن عائذ : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=7009لغضيف : ما الفداد يا
أبا أسماء ؟ قال : كبعض مشيتك يابن أخي أحيانا . قال
أبو عبيد : والمعنى ذا مال كثير وذا خيلاء . وقال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832304من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة . والفخور : هو الذي يعدد ما أعطي ولا يشكر الله تعالى ; قاله
مجاهد . وفي اللفظة الفخر بالنسب وغير ذلك .
nindex.php?page=treesubj&link=29002قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=18وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ .
[ ص: 65 ] فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
الْأُولَى : قَرَأَ
نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ : ( تُصَاعِرْ ) بِالْأَلِفِ بَعْدَ الصَّادِ . وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ : ( تُصَعِّرْ ) ، وَقَرَأَ
الْجَحْدَرِيُّ : ( تُصْعِرْ ) بِسُكُونِ الصَّادِ ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ . وَالصَّعَرُ : الْمَيَلُ ; وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْرَابِيِّ : وَقَدْ أَقَامَ الدَّهْرُ صَعَرِي ، بَعْدَ أَنْ أَقَمْتُ صَعَرَهُ . وَمِنْهُ قَوْلُ
عَمْرِو بْنِ حُنَيٍّ التَّغْلِبِيِّ :
وَكُنَّا إِذَا الْجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ أَقَمْنَا لَهُ مِنْ مَيْلِهِ فَتَقَوَّمَ
وَأَنْشَدَهُ
الطَّبَرِيُّ : ( فَتَقَوَّمَا ) . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهُوَ خَطَأٌ ; لِأَنَّ قَافِيَةَ الشِّعْرِ مَخْفُوضَةٌ . وَفِي بَيْتٍ آخَرَ :
أَقَمْنَا لَهُ مِنْ خَدِّهِ الْمُتَصَعِّرِ
قَالَ
الْهَرَوِيُّ : ( ولَا تُصَاعِرْ ) أَيْ لَا تُعْرِضُ عَنْهُمْ تَكَبُّرًا عَلَيْهِمْ ; يُقَالُ : أَصَابَ الْبَعِيرَ صَعَرٌ وَصَيَدٌ إِذْ أَصَابَهُ دَاءٌ يَلْوِي مِنْهُ عُنُقَهُ . ثُمَّ يُقَالُ لِلْمُتَكَبِّرِ : فِيهِ صَعَرٌ وَصَيَدٌ ; فَمَعْنَى : لَا تُصَعِّرْ أَيْ لَا تُلْزِمْ خَدّكَ الصَّعَرَ . وَفِي الْحَدِيثِ : (
يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِمْ إِلَّا أَصْعَرُ أَوْ أَبْتَرُ ) وَالْأَصْعَرُ : الْمُعْرِضُ بِوَجْهِهِ كِبْرًا ; وَأَرَادَ رُذَالَةَ النَّاسِ الَّذِينَ لَا دِينَ لَهُمْ . وَفِي الْحَدِيثِ : (
كُلُّ صَعَّارٍ مَلْعُونٌ ) أَيْ كُلُّ ذِي أُبَّهَةٍ وَكِبْرٍ .
الثَّانِيَةُ : مَعْنَى الْآيَةِ : وَلَا تُمِلْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ كِبْرًا عَلَيْهِمْ وَإِعْجَابًا وَاحْتِقَارًا لَهُمْ . وَهَذَا تَأْوِيلُ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ . وَقِيلَ : هُوَ أَنْ تَلْوِيَ شِدْقَكَ إِذَا ذُكِرَ الرَّجُلُ عِنْدَكَ كَأَنَّكَ تَحْتَقِرُهُ ; فَالْمَعْنَى : أَقْبِلْ عَلَيْهِمْ مُتَوَاضِعًا مُؤْنِسًا مُسْتَأْنِسًا ، وَإِذَا حَدَّثَكَ أَصْغَرُهُمْ فَأَصْغِ إِلَيْهِ حَتَّى يُكْمِلَ حَدِيثَهُ . وَكَذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ .
قُلْتُ : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَاهُ
مَالِكٌ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832303لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ . فَالتَّدَابُرُ الْإِعْرَاضُ وَتَرْكُ الْكَلَامِ وَالسَّلَامِ وَنَحْوِهِ . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْإِعْرَاضِ تَدَابُرٌ لِأَنَّ مَنْ أَبْغَضْتُهُ أَعْرَضْتَ عَنْهُ وَوَلَّيْتُهُ دُبُرَكَ ; وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ هُوَ بِكَ . وَمَنْ أَحْبَبْتُهُ أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ بِوَجْهِكَ وَوَاجَهْتَهُ لِتُسِرَّهُ وَيُسِرَّكَ ; فَمَعْنَى التَّدَابُرِ مَوْجُودٌ فِيمَنْ صَعَّرَ خَدَّهُ ،
[ ص: 66 ] وَبِهِ فَسَّرَ
مُجَاهِدٌ الْآيَةَ . وَقَالَ
ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ : قَوْلُهُ : ( وَلَا تُصَاعِرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) كَأَنَّهُ نَهَى أَنْ يُذِلَّ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ; وَنَحْوُ ذَلِكَ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864509لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ .
الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=18وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا أَيْ مُتَبَخْتِرًا مُتَكَبِّرًا ، مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، وَقَدْ مَضَى فِي ( سُبْحَانَ ) . وَهُوَ النَّشَاطُ وَالْمَشْيُ فَرَحًا فِي غَيْرِ شُغْلٍ وَفِي غَيْرِ حَاجَةٍ . وَأَهْلُ هَذَا الْخُلُقِ مُلَازِمُونَ لِلْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ ; فَالْمَرِحُ مُخْتَالٌ فِي مِشْيَتِهِ . رَوَى
يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ عَنِ
ابْنِ عَائِذٍ الْأَزْدِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=7009غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ : أَتَيْتُ
بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12186وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ : فَجَلَسْنَا إِلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : إِنَّ الْقَبْرَ يُكَلِّمُ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِيهِ فَيَقُولُ : يَابْنَ
آدَمَ مَا غَرَّكَ بِي ؟ ! أَلَمْ تَعْلَمْ أَنِّي بَيْتُ الْوَحْدَةِ ؟ ! أَلَمْ تَعْلَمْ أَنِّي بَيْتُ الظُّلْمَةِ ؟ ! أَلَمْ تَعْلَمْ أَنِّي بَيْتُ الْحَقِّ ؟ ! يَابْنَ
آدَمَ مَا غَرَّكَ بِي ؟ ! لَقَدْ كُنْتَ تَمْشِي حَوْلِي فَدَّادًا . قَالَ
ابْنُ عَائِذٍ : قُلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=7009لِغُضَيْفٍ : مَا الْفَدَّادُ يَا
أَبَا أَسْمَاءَ ؟ قَالَ : كَبَعْضِ مِشْيَتِكَ يَابْنَ أَخِي أَحْيَانًا . قَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ : وَالْمَعْنَى ذَا مَالٍ كَثِيرٍ وَذَا خُيَلَاءَ . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832304مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَالْفَخُورُ : هُوَ الَّذِي يُعَدِّدُ مَا أُعْطِيَ وَلَا يَشْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى ; قَالَهُ
مُجَاهِدٌ . وَفِي اللَّفْظَةِ الْفَخْرُ بِالنَّسَبِ وَغَيْرُ ذَلِكَ .