[ ص: 29 ] nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37nindex.php?page=treesubj&link=29004وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه
و ( إذ ) اسم زمان مفعول لفعل محذوف تقديره : اذكر ، وله نظائر كثيرة . وهو من الذكر بضم الذال الذي هو بمعنى التذكر فلم يأمره الله بأن يذكر ذلك للناس إذ لا جدوى في ذلك لكنه ذكر رسوله - صلى الله عليه وسلم - ليرتب عليه قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وتخفي في نفسك ما الله مبديه . والمقصود بهذا الاعتبار بتقدير الله الأسباب لمسبباتها لتحقيق مراده سبحانه ، ولذلك قال عقبه :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وكان أمر الله مفعولا وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=38وكان أمر الله قدرا مقدورا .
وهذا مبدأ المقصود من الانتقال إلى
nindex.php?page=treesubj&link=28410حكم إبطال التبني ودحض ما بناه المنافقون على أساسه الباطل ، بناء على كفر المنافقين الذين غمزوا مغامز في قضية تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب بنت جحش بعد أن طلقها
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة فقالوا : تزوج حليلة ابنه وقد نهى عن تزوج حلائل الأبناء . ولذلك ختمت هذه القصة وتوابعها بالثناء على المؤمنين بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=43هو الذي يصلي عليكم الآية . وبالإعراض عن المشركين والمنافقين وعن أذاهم .
وزيد هو المعني بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه ، فالله أنعم عليه بالإيمان والخلاص من أيدي المشركين بأن يسر دخوله في ملك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرسول - عليه الصلاة والسلام - أنعم عليه بالعتق والتبني والمحبة ، ويأتي التصريح باسمه العلم إثر هذه الآية في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37فلما قضى زيد منها وطرا وهو
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي من
كلب بن وبرة وبنو كلب من
تغلب . كانت خيل من
بني القين بن جسر أغاروا على أبيات من
بني معن خرجت به من طيء ، وكانت
أم زيد وهي سعدى بنت ثعلبة من
بني معن خرجت به إلى قومها تزورهم فسبقته الخيل المغيرة وباعوه في سوق حباشة بضم الحاء المهملة بناحية
مكة فاشتراه
nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام لعمته
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة بنت خويلد زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهبته
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وزيد يومئذ ابن ثمان سنين وذلك قبل البعثة ، فحج ناس من
كلب فرأوا
زيدا [ ص: 30 ] بمكة فعرفوه وعرفهم فأعلموا أباه ووصفوا موضعه وعند من هو ، فخرج أبوه
حارثة وعمه
كعب لفدائه فدخلا مكة وكلما النبي - صلى الله عليه وسلم - في فدائه فأتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهما فعرفهما ، فقال له النبي - عليه الصلاة والسلام - :
اخترني أو اخترهما . قال زيد : ما أنا بالذي اختار عليك أحدا فانصرف أبوه وعمه وطابت أنفسهما ببقائه ، فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - منه ذلك أخرجه إلى الحجر وقال : يا من حضر اشهدوا أن زيدا ابني يرثني وأرثه فصار ابنا للنبي - صلى الله عليه وسلم - على حكم التبني بالجاهلية وكان يدعى :
زيد بن محمد .
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوجه
أم أيمن مولاته فولدت له
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد وطلقها . ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوجه
nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب بنت جحش الأسدي حليف
آل عبد شمس وهي ابنة عمته
nindex.php?page=showalam&ids=10427أميمة بنت عبد المطلب وهو يومئذ
بمكة . ثم بعد الهجرة آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين
nindex.php?page=showalam&ids=135حمزة بن عبد المطلب ولما بطل حكم التبني بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4وما جعل أدعياءكم أبناءكم صار يدعى : حب رسول الله . وفي سنة خمس قبل الهجرة بعد غزوة الخندق طلق
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب بنت جحش فزوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=showalam&ids=11720أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وأمها
nindex.php?page=showalam&ids=13925البيضاء بنت عبد المطلب وولدت له
زيد بن زيد nindex.php?page=showalam&ids=10733ورقية ثم طلقها ، وتزوج
nindex.php?page=showalam&ids=10701درة بنت أبي لهب ، ثم طلقها وتزوج
هند بنت العوام أخت الزبير .
وشهد
زيد بدرا والمغازي كلها . وقتل في غزوة
مؤتة سنة ثمان وهو أمير على الجيش وهو ابن خمس وخمسون سنة .
وزوج
زيد المذكورة في الآية هي
nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب بنت جحش الأسدية وكان اسمها برة فلما تزوجها النبيء - صلى الله عليه وسلم - سماها
زينب ، وأبوها
جحش من بني أسد بن خزيمة وكان أبوها حليفا
لآل عبد شمس بمكة وأمها
nindex.php?page=showalam&ids=10427أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة في الجاهلية ثم طلقها
بالمدينة ، وتزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة خمس ، وتوفيت سنة عشرين من الهجرة وعمرها ثلاث وخمسون سنة ، فتكون مولودة سنة ثلاث وثلاثين قبل الهجرة ، أي سنة عشرين قبل البعثة .
والإتيان بفعل القول بصيغة المضارع لاستحضار صورة القول وتكريره مثل قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=74يجادلنا في قوم لوط وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=38ويصنع الفلك وفي ذلك تصوير لحث
[ ص: 31 ] النبي - صلى الله عليه وسلم -
زيدا إلى إمساك زوجه وأن لا يطلقها ، ومعاودته عليه .
والتعبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة هنا بالموصول دون اسمه العلم الذي يأتي في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37فلما قضى زيد لما تشعر به الصلة المعطوفة وهي
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وأنعمت عليه من تنزه النبيء - صلى الله عليه وسلم - عن استعمال ولائه لحمله على تطليق زوجه ، فالمقصود هو الصلة الثانية وهي
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وأنعمت عليه لأن المقصود منها أن
زيدا أخص الناس به ، وأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - أحرص على صلاحه ، وأنه أشار عليه بإمساك زوجه لصلاحها به ، وأما صلة
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37أنعم الله عليه فهي توطئة للثانية .
واعلم أن المأثور الصحيح في هذه الحادثة : أن
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة بقيت عنده
زينب سنين فلم تلد له ؛ فكان إذا جرى بينه وبينها ما يجري بين الزوجين تارة من خلاف أدلت عليه بسؤددها وغضت منه بولايته فلما تكرر ذلك عزم على أن يطلقها وجاء يعلم رسول الله بعزمه على ذلك ؛ لأنه تزوجها من عنده .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16600علي زين العابدين : أن الله أوحى إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - أنه سينكح
nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب بنت جحش . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : نزل
جبريل على النبيء - صلى الله عليه وسلم - يعلمه أن الله زوجه
nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب بنت جحش وذلك هو ما في نفسه . وذكر
القرطبي أنه مختار
بكر بن العلاء القشيري ،
nindex.php?page=showalam&ids=12815وأبي بكر بن العربي .
والظاهر عندي : أن ذلك كان في الرؤيا كما أري أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342395قال لعائشة أتاني بك الملك في المنام في سرقة من حرير يقول لي : هذه امرأتك فاكشف فإذا هي أنت فأقول : إن يكن هذا من عند الله يمضه .
فقول النبي - صلى الله عليه وسلم -
لزيد nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37أمسك عليك زوجك توفية بحق النصيحة وهو أمر نصح وإشارة بخير ، لا أمر تشريع ؛ لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - في هذا المقام متصرف بحق الولاء والصحبة لا بصفة التشريع والرسالة ، وأداء هذه الأمانة لا يتأكد أنه كان يعلم أن
زينب صائرة زوجا له لأن علم النبيء بما سيكون لا يقتضي إجراءه وإرشاده أو تشريعه بخلاف علمه أو ظنه ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم أن
أبا [ ص: 32 ] جهل مثلا لا يؤمن ولم يمنعه ذلك أن يبلغه الرسالة ويعاوده الدعوة ، ولأن رغبته في حصول شيء لا تقتضي إجراء أمره على حسب رغبته إن كانت رغبته تخالف ما يحمل الناس عليه ، كما كان يرغب أن يقوم أحد يقتل
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد بن أبي سرح قبل أن يسمع إعلانه بالتوبة من ارتداده حين جاء به
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان يوم الفتح تائبا .
ولذلك كله لا يعد تصميم
زيد على طلاق
زينب عصيانا للنبي - صلى الله عليه وسلم - لأن أمره في ذلك كان على وجه التوفيق بينه وبين زوجه . ولا يلزم أحدا المصير إلى إشارة المشير كما اقتضاه
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342396حديث nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة مع زوجها مغيث إذ قال لها لو راجعته ؟ فقالت : يا رسول الله تأمرني ؟ قال : لا إنما أنا أشفع ، قالت : لا حاجة لي فيه .
وقوله ( أمسك عليك زوجك ) يؤذن بأنه جواب عن كلام صدر من
زيد بأن جاء
زيد مستشيرا في فراق زوجه ، أو معلما بعزمه على فراقها .
( وأمسك عليك ) معناه : لازم عشرتها ، فالإمساك مستعار لبقاء الصحبة تشبيها للصاحب بالشيء الممسك باليد .
وزيادة ( عليك ) لدلالة ( على ) على الملازمة والتمكن مثل
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أولئك على هدى من ربهم أو لتضمن ( أمسك ) معنى احبس ، أي ابق في بيتك زوجك ، وأمره بتقوى الله تابع للإشارة بإمساكها ، أي اتق الله في عشرتها كما أمر الله ولا تحد عن واجب حسن المعاشرة ، أي اتق الله بملاحظة قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229فإمساك بمعروف .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وتخفي في نفسك ما الله مبديه عطف على جملة ( تقول ) . والإتيان بالفعل المضارع في قوله وتخفي للدلالة على تكرر إخفاء ذلك وعدم ذكره . والذي في نفسه علمه بأنه سيتزوج
زينب وأن
زيدا يطلقها ، وذلك سر بينه وبين ربه ليس مما يجب عليه تبليغه ولا مما للناس فائدة من علمه حتى يبلغوه ، ألا ترى أنه لم يعلم
عائشة ولا أباها برؤيا إتيان الملك بها في سرقة حرير إلا بعد أن تزوجها .
فماصدق ( ما في نفسك ) هو التزوج
بزينب وهو الشيء الذي سيبديه الله
[ ص: 33 ] لأن الله أبدى ذلك في تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - بها ، ولم يكن أحد يعلم أنه سيتزوجها ، ولم يبد الله شيئا غير ذلك ، فلزم أن يكون ما أخفاه في نفسه أمر يصلح للإظهار في الخارج ، أي يكون من الصور المحسوسة .
وليست جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وتخفي في نفسك حالا من الضمير في ( تقول ) كما جعله في الكشاف لأن ذلك مبني على توهم أن الكلام مسوق مساق العتاب على أن يقول كلاما يخالف ما هو مخفي في نفسه ولا يستقيم له معنى . إذ يفضي إلى أن يكون اللائق به أن يقول له غير ذلك وهو ينافي مقتضى الاستشارة ، ويفضي إلى الطعن في صلاحية
زينب للبقاء في عصمة
زيد ، وقد استشعر هذا صاحب الكشاف فقال : فإن قلت : فماذا أراد الله منه أن يقول حين قال له
زيد : أريد مفارقتها ، وكان من الهجنة أن يقول له : افعل فإني أريد نكاحها . قلت : كان الذي أراد منه عز وجل أن يصمت عند ذلك ، أو يقول أنت أعلم بشأنك ، حتى لا يخالف سره في ذلك علانيته اهـ - . وهو بناء على أساس كونه عتابا وفيه وهن .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وتخشى الناس عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وتخفي في نفسك ، أي تخفي ما سيبديه الله وتخشى الناس من إبدائه .
والخشية هنا : كراهية ما يرجف به المنافقون ، والكراهة من ضروب الخشية إذ الخشية جنس مقول على أفراده بالتشكيك فليست هي خشية خوف إذ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يخاف أحدا من ظهور تزوجه
بزينب ولم تكن قد ظهرت أراجيف المنافقين بعد ؛ ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتوسم من خبثهم وسوء طويتهم ما كان منهم في قضية الإفك ، ولم تكن خشية تبلغ به مبلغ صرفه عما يرغبه بدليل أنه لم يتردد في تزوج
زينب بعد طلاق
زيد ، ولكنها استشعار في النفس ، وتقدير لما سيرجفه المنافقون .
والتعريف في ( الناس ) للعهد ، أي تخشى المنافقين ، أي يؤذوك بأقوالهم .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37والله أحق أن تخشاه معترضة لمناسبة جريان ذكر خشية الناس ، والواو اعتراضية وليست واو الحال ؛ فمعنى الآية معنى قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44فلا تخشوا الناس [ ص: 34 ] واخشون . وحملها على معنى الحال هو الذي حمل كثيرا من المفسرين على جعل الكلام عتابا للنبي - صلى الله عليه وسلم - .
و ( أحق ) اسم تفضيل مسلوب المفاضلة فهو بمعنى حقيق ، إذ ليس في الكلام السابق ما يفيد وقوع إيثار خشية الناس على خشية الله ولا ما يفيد تعارضا بين الخشيتين حتى يحتاج إلى ترجيح خشية الله على خشية الناس ، والمعنى : والله حقيق بأن تخشاه .
وليس في هذا التركيب ما يفيد أنه قدم خشية الناس على خشية الله لأن الله لم يكلفه شيئا فعمل بخلافه .
وبهذا تعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما فعل إلا ما يرضي الله ، وقد قام بعمل الصاحب الناصح حين أمر
زيدا بإمساك زوجه وانطوى على علم صالح حين خشي ما سيفترضه المنافقون من القالة إذا تزوج
زينب خفية أن يكون قولهم فتنة لضعفاء الإيمان
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342397كقوله للرجلين اللذين رأياه في الليل مع زينب فأسرعا خطاهما فقال : " على رسلكما إنما هي زينب " فكبر ذلك عليهما وقالا : سبحان الله يا رسول الله . فقال : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، خشيت أن يقذف في قلوبكما " .
فمقام النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأمة مقام الطبيب الناصح في بيمارستان يحوي أصنافا من المرضى إذا رأى طعاما يجلب لما لا يصلح ببعض مرضاه أن ينهى عن إدخاله خشية أن يتناوله من المرضى من لا يصلح ذلك بمرضه ويزيد في علته أو يفضي إلى انتكاسه .
وليس في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وتخشى الناس عتاب ولا لوم ولكنه تذكير بما حصل له من توقيه قالة المنافقين . وحمله كثير من المفسرين على معنى العتاب وليس في سياق الكلام ما يقتضيه فأحسبهم مخطئين فيه ولكنه تشجيع له وتحقير لأعداء الدين وتعليم له بأن يمضي في سبيله ويتناول ما أباح الله له ولرسله من تناول ما هو مباح من مرغوباتهم ومحباتهم إذا لم يصدهم شيء عن طاعة ربهم كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=38ما كان على النبيء من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=39الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله [ ص: 35 ] وأن عليه أن يعرض عن قول المنافقين وعلى نحو قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=3لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين ، فهذا جوهر ما أشارت إليه الآية وليس فيها ما يشير إلى غير ذلك .
وقد رويت في هذه القصة أخبار مخلوطة ، فإياك أن تتسرب إلى نفسك منها أغلوطة ، فلا تصغ ذهنك إلى ما ألصقه أهل القصص بهذه الآية من تبسيط في حال النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أمر
زيدا بإمساك زوجه فإن ذلك من مختلقات القصاصين ، فإما أن يكون ذلك اختلافا من القصاصين لتزيين القصة ، وإما أن يكون كله أو بعضه من أراجيف المنافقين وبهتانهم ، فتلقفه القصاص وهو الذي نجزم به . ومما يدل لذلك أنك لا تجد فيما يؤثر من أقوال السلف في تفسير هذه الآية أثرا مسندا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إلى
زيد أو إلى
زينب أو إلى أحد من الصحابة رجالهم ونساءهم ولكنها قصص وأخبار وقيل وقال .
ولسوء فهم الآية كبر أمرها على بعض المسلمين واستفزت كثيرا من الملاحدة وأعداء الإسلام من أهل الكتاب . وقد تصدى
nindex.php?page=showalam&ids=12815أبو بكر بن العربي في الأحكام لوهن أسانيدها وكذلك
عياض في الشفاء .
والآن نريد أن ننقل مجرى الكلام إلى التسليم بوقوع ما روي من الأخبار الواهية السند لكي لا نترك في هذه الآية مهواة لأحد . ومجموع القصة من ذلك : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء بيت
زيد يسأل عنه ، فرأى
زينب ، وقيل : رفعت الريح ستار البيت فرأى النبي - عليه الصلاة والسلام -
زينب فجأة على غير قصد فأعجبه حسنها وسبح لله ، وأن
زينب علمت أنه وقعت منه موقع الاستحسان ، وأن
زيدا علم ذلك ، وأنه أحب أن يطلقها ليؤثر بها مولاه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه لما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك قال له :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37أمسك عليك زوجك وهو يود طلاقها في قلبه ، ويعلم أنها صائرة زوجا له .
وعلى تفاوت أسانيده في الوهن ، ألقي إلى الناس في القصة ، فانتقل غثه وسمينه ، وتحمل خفه ورزينه ، فأخذ منه كل ما وسعه فهمه ودينه . ولو كان كله واقعا لما كان فيه مغمز في مقام النبوة .
[ ص: 36 ] فأما رؤيتة
زينب في بيت
زيد إن كانت عن عمد فذلك أنه استأذن في بيت
زيد ، فإن الاستئذان واجب ، فلا شك أنه رأى وجهها وأعجبته ، ولا أحسب ذلك لأن النساء لم يكن يسترن وجوههن ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها أي الوجه والكفين ،
وزيد كان من أشد الناس اتصالا بالنبي ،
وزينب كانت ابنة عمته وزوج مولاه ومتبناه ، فكانت مختلطة بأهله ، وهو الذي زوجها
زيدا ، فلا يصح أن يكون ما رآها إلا حين جاء بيت
زيد ، وإن كانت الريح رفعت الستر فرأى من محاسنها وزينتها ما لم يكن يراه من قبل ، فكذلك لا عجب فيه لأن رؤية الفجأة لا مؤاخذة عليها ، وحصول الاستحسان عقب النظر الذي ليس بحرام أمر قهري لا يملك الإنسان صرفه عن نفسه ، وهل استحسان ذات المرأة إلا كاستحسان الرياض والجنات والزهور والخيل ونحو ذلك مما سماه الله زينة ؛ إذا لم يتبعه النظار نظرة .
وأما ما خطر في نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - من مودة تزوجها فإن وقع فما هو بخطب جليل ; ؛ لأنه خاطر لا يملك المرء صرفه عن نفسه ، وقد علمت أن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وتخشى الناس ليس بلوم ، وأن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37والله أحق أن تخشاه ليس فيه لوم ولا توبيخ على عدم خشية الله ولكنه تأكيد لعدم الاكتراث بخشية الناس .
وإنما تظهر مجالات النفوس في ميادين الفتوة بمقدار مصابرتها على الكمال في مقاومة ما ينشأ عن تلك المرائي من ضعف في النفوس وخور العزائم ، وكفاك دليلا على تمكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا المقام وهو أفضل من ترسخ قدمه في أمثاله أنه لم يزل يراجع
زيدا في إمساك زوجه مشيرا عليه بما فيه خير له
وزيد يرى ذلك إشارة ونصحا لا أمرا وشرعا .
ولو صح أن
زيدا علم مودة النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج
زينب فطلقها
زيد لذلك دون أمر من النبي - عليه الصلاة والسلام - ولا التماس لما كان عجبا ؛ فإنهم كانوا يؤثرون النبي - صلى الله عليه وسلم - على أنفسهم ، وقد تنازل له
nindex.php?page=showalam&ids=202دحية الكلبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=199صفية بنت حيي بعد أن صارت له في سهمه من مغانم
خيبر ، وقد عرض
nindex.php?page=showalam&ids=3402سعد بن الربيع على
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف أن يتنازل عن إحدى زوجتيه يختارها للمؤاخاة التي آخى النبي - صلى الله عليه وسلم -
[ ص: 37 ] بينهما .
وأما إشارة النبي - عليه الصلاة والسلام - على
زيد بإمساك زوجه مع علمه بأنها ستصير زوجة له فهو أداء لواجب أمانة الاستنصاح والاستشارة ، وقد يشير المرء بالشيء يعلمه مصلحة وهو يوقن أن إشارته لا تمتثل . والتخليط بين الحالتين تخليط بين التصرف المستند لما تقتضيه ظواهر الأحوال وبين ما في علم الله في الباطن ، وأشبه مقام به مقام
موسى مع
الخضر في القضايا الثلاث . وليس هذا من خائنة الأعين ، كما توهمه من لا يحسن ؛ لأن خائنة الأعين المذمومة ما كانت من الخيانة والكيد .
وليس هو أيضا من الكذب لأن قول النبيء - عليه الصلاة والسلام -
لزيد nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37أمسك عليك زوجك واتق الله لا يناقض رغبته في تزوجها وإنما يناقضه لو قال : إني أحب أن تمسك زوجك ، إذ لا يخفى أن الاستشارة طلب النظر فيما هو صلاح للمستشير لا ما هو صلاح للمستشار . ومن حق المستشار إعلام المستشير بما هو صلاح له في نظر المشير ، وإن كان صلاح المشير في خلافه فضلا على كون ما في هذه القصة ؛ إنما هو تخالف بين النصيحة وبين ما علمه الناصح من أن نصحه لا يؤثر .
فإن قلت : فما معنى ما روي في الصحيح عن
عائشة أنها قالت : لو كان رسول الله كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك الآية .
قلت : أرادت أن رغبة النبيء - صلى الله عليه وسلم - في تزوج
زينب أو إعلام الله إياه بذلك كان سرا في نفسه لم يطلع عليه أحد إذ لم يؤمر بتبليغه إلى أحد ، وعلى ذلك السر انبنى ما صدر منه
لزيد في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37أمسك عليك زوجك . فلما طلقها
زيد ورام تزوجها علم أن المنافقين سيرجفون بالسوء ، فلما أمره الله بذكر ذلك للأمة وتبليغ خبره بلغه ولم يكتمه مع أنه ليس في كتمه تعطيل شرع ولا نقص مصلحة فلو كان كاتما لكتم هذه الآية التي هي حكاية سر في نفسه وبينه وبين ربه تعالى ، ولكنه لما كان وحيا بلغه ؛ لأنه مأمور بتبليغ كل ما أنزل إليه .
واعلم أن للحقائق نصابها ، وللتصرفات موانعها وأسبابها ، وأن الناس قد تمتلكهم العوائد ، فتحول بينهم وبين إدراك الفوائد ، فإذا تفشت أحوال في
[ ص: 38 ] عاداتهم استحسنوها ولو ساءت ، وإذا ندرت المحامد دافعوها إذا رامت مداخلة عقولهم وشاءت ، وكل ذلك من تحريف الفطرة عن وضعها ، والمباعدة بين الحقائق وشرعها .
ولما جاء الإسلام أخذ يغزو تلك الجيوش ليقلعها من أقاصيها ، وينزلها من صياصيها ، فالحسن المشروع ما تشهد الفطرة لحسنه ، والقبيح الممنوع الذي أماتته الشريعة وأمرت بدفنه .
[ ص: 29 ] nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37nindex.php?page=treesubj&link=29004وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ
وَ ( إِذْ ) اسْمُ زَمَانٍ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ : اذْكُرْ ، وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ . وَهُوَ مِنَ الذُّكْرِ بِضَمِّ الذَّالِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّذَكُّرِ فَلَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ بِأَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ لِلنَّاسِ إِذْ لَا جَدْوَى فِي ذَلِكَ لَكِنَّهُ ذَكَّرَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ . وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا الِاعْتِبَارُ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ الْأَسْبَابَ لِمُسَبَّبَاتِهَا لِتَحْقِيقِ مُرَادِهِ سُبْحَانَهُ ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَقِبَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=38وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا .
وَهَذَا مَبْدَأُ الْمَقْصُودِ مِنَ الِانْتِقَالِ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28410حُكْمِ إِبْطَالِ التَّبَنِّي وَدَحْضِ مَا بَنَاهُ الْمُنَافِقُونَ عَلَى أَسَاسِهِ الْبَاطِلِ ، بِنَاءً عَلَى كُفْرِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ غَمَزُوا مَغَامِزَ فِي قَضِيَّةِ تَزَوَّجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=showalam&ids=15953زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=138زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَقَالُوا : تَزَوَّجَ حَلِيلَةَ ابْنِهِ وَقَدْ نَهَى عَنْ تَزَوُّجِ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ . وَلِذَلِكَ خُتِمَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ وَتَوَابِعُهَا بِالثَّنَاءِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=43هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ الْآيَةَ . وَبِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَعَنْ أَذَاهُمْ .
وَزَيْدٌ هُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ، فَاللَّهُ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِالْإِيمَانِ وَالْخَلَاصِ مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ بِأَنْ يَسَّرَ دُخُولَهُ فِي مِلْكِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ وَالتَّبَنِّي وَالْمَحَبَّةِ ، وَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِاسْمِهِ الْعَلَمِ إِثْرَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا وَهُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=138زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ الْكَلْبِيُّ مِنْ
كَلْبِ بْنِ وَبَرَةَ وَبَنُو كَلْبٍ مِنْ
تَغْلِبَ . كَانَتْ خَيْلٌ مِنْ
بَنِي الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ أَغَارُوا عَلَى أَبْيَاتٍ مِنْ
بَنِي مَعْنٍ خَرَجَتْ بِهِ مِنْ طَيْءٍ ، وَكَانَتْ
أُمُّ زَيْدٍ وَهَيَ سُعْدَى بَنْتُ ثَعْلَبَةَ مِنْ
بَنِي مَعْنٍ خَرَجَتْ بِهِ إِلَى قَوْمِهَا تَزُورُهُمْ فَسَبَقَتْهُ الْخَيْلُ الْمُغِيرَةُ وَبَاعُوهُ فِي سُوقِ حُبَاشَةَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بِنَاحِيَةِ
مَكَّةَ فَاشْتَرَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=137حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ لِعَمَّتِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=10640خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ زَوْجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَبَتْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=10640خَدِيجَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَزَيْدٌ يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ وَذَلِكَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ ، فَحَجَّ نَاسٌ مِنْ
كَلْبٍ فَرَأَوْا
زَيْدًا [ ص: 30 ] بِمَكَّةَ فَعَرَفُوهُ وَعَرَفَهُمْ فَأَعْلَمُوا أَبَاهُ وَوَصَفُوا مَوْضِعَهُ وَعِنْدَ مَنْ هُوَ ، فَخَرَجَ أَبُوهُ
حَارِثَةُ وَعَمُّهُ
كَعْبٌ لِفِدَائِهِ فَدَخَلَا مَكَّةَ وَكَلَّمَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فِدَائِهِ فَأَتَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِمَا فَعَرَفَهُمَا ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الْصَلَاةُ وَالسَّلَامُ - :
اخْتَرْنِي أَوِ اخْتَرْهُمَا . قَالَ زَيْدٌ : مَا أَنَا بِالَّذِي اخْتَارُ عَلَيْكَ أَحَدًا فَانْصَرَفَ أَبُوهُ وَعَمُّهُ وَطَابَتْ أَنْفُسُهُمَا بِبَقَائِهِ ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ ذَلِكَ أَخْرَجَهُ إِلَى الْحِجْرِ وَقَالَ : يَا مَنْ حَضَرَ اشْهَدُوا أَنَّ زَيْدًا ابْنِي يَرِثُنِي وَأَرِثُهُ فَصَارَ ابْنًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حُكْمِ التَّبَنِّي بِالْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يُدْعَى :
زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ .
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَهَ
أُمَّ أَيْمَنٍ مَوْلَاتَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=111أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَطَلَّقَهَا . ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15953زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ الْأَسَدِيِّ حَلِيفِ
آلِ عَبْدِ شَمْسٍ وَهِيَ ابْنَةُ عَمَّتِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=10427أُمَيْمَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ
بِمَكَّةَ . ثُمَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ آخَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُ وَبَيْنَ
nindex.php?page=showalam&ids=135حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَلَمَّا بَطَلَ حُكْمُ التَّبَنِّي بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ صَارَ يُدْعَى : حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ . وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بَعْدَ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ طَلَّقَ
nindex.php?page=showalam&ids=138زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ nindex.php?page=showalam&ids=15953زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ فَزَوَّجَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=showalam&ids=11720أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَأُمُّهَا
nindex.php?page=showalam&ids=13925الْبَيْضَاءُ بِنْتُ عَبْدِ الْمَطَّلِبِ وَوَلَدَتْ لَهُ
زَيْدَ بْنَ زَيْدٍ nindex.php?page=showalam&ids=10733وَرُقَيَّةَ ثُمَّ طَلَّقَهَا ، وَتَزَوَّجَ
nindex.php?page=showalam&ids=10701دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي لَهَبٍ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ
هِنْدَ بِنْتَ الْعَوَّامِ أُخْتَ الزُّبَيْرِ .
وَشَهِدَ
زَيْدٌ بَدْرًا وَالْمَغَازِي كُلَّهَا . وَقُتِلَ فِي غَزْوَةِ
مُؤْتَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْجَيْشِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَخَمْسُونَ سَنَةً .
وَزَوْجُ
زَيْدٍ الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ هِيَ
nindex.php?page=showalam&ids=15953زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الْأَسْدِيَةُ وَكَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ فَلَمَّا تَزَوَّجَهَا النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّاهَا
زَيْنَبَ ، وَأَبُوهَا
جَحْشٌ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَكَانَ أَبُوهَا حَلِيفًا
لِآلِ عَبْدِ شَمْسٍ بِمَكَّةَ وَأُمُّهَا
nindex.php?page=showalam&ids=10427أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبَدِ الْمَطَّلَبِ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=138زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا
بِالْمَدِينَةِ ، وَتَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةَ خَمْسٍ ، وَتُوُفِّيَتْ سَنَةَ عِشْرِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَعُمُرُهَا ثَلَاثٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً ، فَتَكُونُ مَوْلُودَةً سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ ، أَيْ سَنَةَ عِشْرِينَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ .
وَالْإِتْيَانُ بِفِعْلِ الْقَوْلِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِاسْتِحْضَارِ صُورَةِ الْقَوْلِ وَتَكْرِيرِهِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=74يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=38وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَفِي ذَلِكَ تَصْوِيرٌ لِحَثِّ
[ ص: 31 ] النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
زَيْدًا إِلَى إِمْسَاكِ زَوْجِهِ وَأَنْ لَا يُطَلِّقَهَا ، وَمُعَاوَدَتِهِ عَلَيْهِ .
وَالتَّعْبِيرُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=138زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ هُنَا بِالْمَوْصُولِ دُونَ اسْمِهِ الْعَلَمِ الَّذِي يَأْتِي فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ لِمَا تُشْعِرُ بِهِ الصِّلَةُ الْمَعْطُوفَةُ وَهِيَ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ مِنْ تَنَزُّهِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ اسْتِعْمَالِ وَلَائِهِ لِحَمْلِهِ عَلَى تَطْلِيقِ زَوْجِهِ ، فَالْمَقْصُودُ هُوَ الصِّلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا أَنَّ
زَيْدًا أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ ، وَأَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَحْرَصُ عَلَى صَلَاحِهِ ، وَأَنَّهُ أَشَارَ عَلَيْهِ بِإِمْسَاكِ زَوْجِهِ لِصَلَاحِهَا بِهِ ، وَأَمَّا صِلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَهِيَ تَوْطِئَةٌ لِلثَّانِيَةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَأْثُورَ الصَّحِيحَ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ : أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=138زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ بَقِيَتْ عِنْدَهُ
زَيْنَبُ سِنِينَ فَلَمْ تَلِدْ لَهُ ؛ فَكَانَ إِذَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ تَارَةً مِنْ خِلَافٍ أَدْلَتْ عَلَيْهِ بِسُؤْدُدِهَا وَغَضَّتْ مِنْهُ بِوِلَايَتِهِ فَلَمَّا تَكَرَّرَ ذَلِكَ عَزَمَ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا وَجَاءَ يُعْلِمُ رَسُولَ اللَّهِ بِعَزْمِهِ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا مِنْ عِنْدِهِ .
وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16600عَلِيٍّ زَيْنِ الْعَابِدِينَ : أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سَيَنْكِحُ
nindex.php?page=showalam&ids=15953زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ : نَزَلَ
جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْلِمُهُ أَنَّ اللَّهَ زَوَّجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15953زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ وَذَلِكَ هُوَ مَا فِي نَفْسِهِ . وَذَكَرَ
الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ مُخْتَارُ
بَكْرِ بْنِ الْعَلَاءِ الْقُشَيْرِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12815وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ .
وَالظَّاهِرُ عِنْدِي : أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الرُّؤْيَا كَمَا أُرِيَ أَنَّهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342395قَالَ لِعَائِشَةَ أَتَانِي بِكِ الْمَلَكُ فِي الْمَنَامِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ يَقُولُ لِي : هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَاكْشِفْ فَإِذَا هِيَ أَنْتِ فَأَقُولُ : إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ .
فَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لِزَيْدٍ nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ تَوْفِيَةً بِحَقِّ النَّصِيحَةِ وَهُوَ أَمْرُ نُصْحٍ وَإِشَارَةٍ بِخَيْرٍ ، لَا أَمْرُ تَشْرِيعٍ ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي هَذَا الْمَقَامِ مُتَصَرِّفٌ بِحَقِّ الْوَلَاءِ وَالصُّحْبَةِ لَا بِصِفَةِ التَّشْرِيعِ وَالرِّسَالَةِ ، وَأَدَاءُ هَذِهِ الْأَمَانَةِ لَا يَتَأَكَّدُ أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ
زَيْنَبَ صَائِرَةٌ زَوْجًا لَهُ لِأَنَّ عِلْمَ النَّبِيءِ بِمَا سَيَكُونُ لَا يَقْتَضِي إِجْرَاءَهُ وَإِرْشَادَهُ أَوْ تَشْرِيعَهُ بِخِلَافِ عِلْمِهِ أَوْ ظَنِّهِ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ
أَبَا [ ص: 32 ] جَهْلٍ مَثَلًا لَا يُؤْمِنُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ أَنْ يُبَلِّغَهُ الرِّسَالَةَ وَيُعَاوِدَهُ الدَّعْوَةَ ، وَلِأَنَّ رَغْبَتَهُ فِي حُصُولِ شَيْءٍ لَا تَقْتَضِي إِجْرَاءَ أَمْرِهِ عَلَى حَسَبِ رَغْبَتِهِ إِنْ كَانَتْ رَغْبَتُهُ تُخَالِفُ مَا يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَيْهِ ، كَمَا كَانَ يَرْغَبُ أَنْ يَقُومَ أَحَدٌ يَقْتُلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16436عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ إِعْلَانَهُ بِالتَّوْبَةِ مِنِ ارْتِدَادِهِ حِينَ جَاءَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَوْمَ الْفَتْحِ تَائِبًا .
وَلِذَلِكَ كُلِّهِ لَا يُعَدُّ تَصْمِيمُ
زَيْدٍ عَلَى طَلَاقِ
زَيْنَبَ عِصْيَانًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ أَمْرَهُ فِي ذَلِكَ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجِهِ . وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا الْمَصِيرُ إِلَى إِشَارَةِ الْمُشِيرِ كَمَا اقْتَضَاهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342396حَدِيثُ nindex.php?page=showalam&ids=216بَرِيرَةَ مَعَ زَوْجِهَا مُغِيثٍ إِذْ قَالَ لَهَا لَوْ رَاجَعْتِهِ ؟ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ : لَا إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ ، قَالَتْ : لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ .
وَقَوْلُهُ ( أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ) يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ كَلَامٍ صَدَرَ مِنْ
زَيْدٍ بِأَنْ جَاءَ
زَيْدٌ مُسْتَشِيرًا فِي فِرَاقِ زَوْجِهِ ، أَوْ مُعْلِمًا بِعَزْمِهِ عَلَى فِرَاقِهَا .
( وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ ) مَعْنَاهُ : لَازِمْ عِشْرَتَهَا ، فَالْإِمْسَاكُ مُسْتَعَارٌ لِبَقَاءِ الصُّحْبَةِ تَشْبِيهًا لِلصَّاحِبِ بِالشَّيْءِ الْمُمْسَكِ بِالْيَدِ .
وَزِيَادَةُ ( عَلَيْكَ ) لِدِلَالَةِ ( عَلَى ) عَلَى الْمُلَازَمَةِ وَالتَّمَكُّنِ مِثْلَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ أَوْ لِتَضَمُّنِ ( أَمَسِكْ ) مَعْنَى احْبِسْ ، أَيِ ابْقِ فِي بَيْتِكَ زَوْجِكِ ، وَأَمْرُهُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَابِعٌ لِلْإِشَارَةِ بِإِمْسَاكِهَا ، أَيِ اتَّقِ اللَّهَ فِي عِشْرَتِهَا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَلَا تَحِدْ عَنْ وَاجِبِ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ ، أَيِ اتَّقِ اللَّهَ بِمُلَاحَظَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ ( تَقُولُ ) . وَالْإِتْيَانُ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ وَتُخْفِي لِلدِّلَالَةِ عَلَى تَكَرُّرِ إِخْفَاءِ ذَلِكَ وَعَدَمِ ذِكْرِهِ . وَالَّذِي فِي نَفْسِهِ عِلْمُهُ بِأَنَّهُ سَيَتَزَوَّجُ
زَيْنَبَ وَأَنَّ
زَيْدًا يُطَلِّقُهَا ، وَذَلِكَ سِرٌّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ لَيْسَ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْلِيغُهُ وَلَا مِمَّا لِلنَّاسِ فَائِدَةٌ مِنْ عِلْمِهِ حَتَّى يُبَلِّغُوهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُعْلِمْ
عَائِشَةَ وَلَا أَبَاهَا بِرُؤْيَا إِتْيَانِ الْمَلَكِ بِهَا فِي سَرَقَةِ حَرِيرٍ إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا .
فَمَاصَدَقُ ( مَا فِي نَفْسِكَ ) هُوَ التَّزَوُّجُ
بِزَيْنَبَ وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي سَيُبْدِيهِ اللَّهُ
[ ص: 33 ] لِأَنَّ اللَّهَ أَبْدَى ذَلِكَ فِي تَزْوِيجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَتَزَوَّجُهَا ، وَلَمْ يُبِدِ اللَّهُ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ ، فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَا أَخَفَاهُ فِي نَفْسِهِ أَمْرٌ يَصْلُحُ لِلْإِظْهَارِ فِي الْخَارِجِ ، أَيْ يَكُونُ مِنَ الصُّوَرِ الْمَحْسُوسَةِ .
وَلَيْسَتْ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي ( تَقَوُلُ ) كَمَا جَعَلَهُ فِي الْكَشَّافِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَوَهُّمِ أَنَّ الْكَلَامَ مَسُوقٌ مَسَاقَ الْعِتَابِ عَلَى أَنْ يَقُولَ كَلَامًا يُخَالِفُ مَا هُوَ مَخْفِيٌّ فِي نَفْسِهِ وَلَا يَسْتَقِيمُ لَهُ مَعْنًى . إِذْ يُفْضِي إِلَى أَنْ يَكُونَ اللَّائِقُ بِهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ وَهُوَ يُنَافِي مُقْتَضَى الِاسْتِشَارَةِ ، وَيُفْضِي إِلَى الطَّعْنِ فِي صَلَاحِيَةِ
زَيْنَبَ لِلْبَقَاءِ فِي عِصْمَةِ
زَيْدٍ ، وَقَدِ اسْتَشْعَرَ هَذَا صَاحِبُ الْكَشَّافِ فَقَالَ : فَإِنْ قُلْتَ : فَمَاذَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ حِينَ قَالَ لَهُ
زَيْدٌ : أُرِيدُ مُفَارَقَتَهَا ، وَكَانَ مِنَ الْهُجْنَةِ أَنْ يَقُولَ لَهُ : افْعَلْ فَإِنِّي أُرِيدُ نِكَاحَهَا . قُلْتُ : كَانَ الَّذِي أَرَادَ مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَصْمُتَ عِنْدَ ذَلِكَ ، أَوْ يَقُولَ أَنْتَ أَعْلَمُ بِشَأْنِكَ ، حَتَّى لَا يُخَالِفُ سِرَّهُ فِي ذَلِكَ عَلَانِيَتَهُ اهـ - . وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَسَاسِ كَوْنِهِ عِتَابًا وَفِيهِ وَهَنٌ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَتَخْشَى النَّاسَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ ، أَيْ تُخَفِي مَا سَيُبْدِيهِ اللَّهُ وَتَخْشَى النَّاسَ مِنْ إِبْدَائِهِ .
وَالْخَشْيَةُ هُنَا : كَرَاهِيَةُ مَا يُرْجِفُ بِهِ الْمُنَافِقُونَ ، وَالْكَرَاهَةُ مِنْ ضُرُوبِ الْخَشْيَةِ إِذِ الْخَشْيَةُ جِنْسٌ مَقُولٌ عَلَى أَفْرَادِهِ بِالتَّشْكِيكِ فَلَيْسَتْ هِيَ خَشْيَةُ خَوْفٍ إِذِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَخَافُ أَحَدًا مِنْ ظُهُورِ تَزَوُّجِهِ
بِزَيْنَبَ وَلَمْ تَكُنْ قَدْ ظَهَرَتْ أَرَاجِيفُ الْمُنَافِقِينَ بَعْدُ ؛ وَلَكِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَوَسَّمُ مِنْ خُبْثِهِمْ وَسُوءِ طَوِيَّتِهِمْ مَا كَانَ مِنْهُمْ فِي قَضِيَّةِ الْإِفْكِ ، وَلَمْ تَكُنْ خَشْيَةً تَبْلُغُ بِهِ مَبْلَغَ صَرْفِهِ عَمَّا يَرْغَبُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَتَرَدَّدْ فِي تَزَوُّجِ
زَيْنَبَ بَعْدَ طَلَاقِ
زَيْدٍ ، وَلَكِنَّهَا اسْتِشْعَارٌ فِي النَّفْسِ ، وَتَقْدِيرٌ لِمَا سَيُرْجِفُهُ الْمُنَافِقُونَ .
وَالتَّعْرِيفُ فِي ( النَّاسَ ) لِلْعَهْدِ ، أَيْ تَخْشَى الْمُنَافِقِينَ ، أَيْ يُؤْذُوكَ بِأَقْوَالِهِمْ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ مُعْتَرَضَةٌ لِمُنَاسَبَةِ جَرَيَانِ ذِكْرِ خَشْيَةِ النَّاسِ ، وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ وَلَيْسَتْ وَاوَ الْحَالِ ؛ فَمَعْنَى الْآيَةِ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ [ ص: 34 ] وَاخْشَوْنِ . وَحَمْلُهَا عَلَى مَعْنَى الْحَالِ هُوَ الَّذِي حَمَلَ كَثِيرًا مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى جَعْلِ الْكَلَامِ عِتَابًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
و ( أَحَقُّ ) اسْمُ تَفْضِيلٍ مَسْلُوبُ الْمُفَاضَلَةِ فَهُوَ بِمَعْنَى حَقِيقٍ ، إِذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ السَّابِقِ مَا يُفِيدُ وُقُوعَ إِيثَارِ خَشْيَةِ النَّاسِ عَلَى خَشْيَةِ اللَّهِ وَلَا مَا يُفِيدُ تَعَارُضًا بَيْنَ الْخَشْيَتَيْنِ حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى تَرْجِيحِ خَشْيَةِ اللَّهِ عَلَى خَشْيَةِ النَّاسِ ، وَالْمَعْنَى : وَاللَّهُ حَقِيقٌ بِأَنْ تَخْشَاهُ .
وَلَيْسَ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ قَدَّمَ خَشْيَةَ النَّاسِ عَلَى خَشْيَةِ اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّفْهُ شَيْئًا فَعَمِلَ بِخِلَافِهِ .
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا فَعَلَ إِلَّا مَا يُرْضِي اللَّهَ ، وَقَدْ قَامَ بِعَمَلِ الصَّاحِبِ النَّاصِحِ حِينَ أَمَرَ
زَيْدًا بِإِمْسَاكِ زَوْجِهِ وَانْطَوَى عَلَى عِلْمٍ صَالِحٍ حِينَ خَشِيَ مَا سَيَفْتَرِضُهُ الْمُنَافِقُونَ مِنَ الْقَالَةِ إِذَا تَزَوَّجَ
زَيْنَبَ خُفْيَةً أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ فِتْنَةً لِضُعَفَاءِ الْإِيمَانِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342397كَقَوْلِهِ لِلرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ رَأَيَاهُ فِي اللَّيْلِ مَعَ زَيْنَبَ فَأَسْرَعَا خُطَاهُمَا فَقَالَ : " عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ زَيْنَبُ " فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا وَقَالَا : سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ : " إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ ، خَشِيَتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا " .
فَمَقَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأُمَّةِ مَقَامُ الطَّبِيبِ النَّاصِحِ فِي بِيمَارِسْتَانَ يَحْوِي أَصْنَافًا مِنَ الْمَرْضَى إِذَا رَأَى طَعَامًا يُجْلَبُ لِمَا لَا يَصْلُحُ بِبَعْضِ مَرْضَاهُ أَنْ يَنْهَى عَنْ إِدْخَالِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ مِنَ الْمَرْضَى مَنْ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ بِمَرَضِهِ وَيَزِيدُ فِي عِلَّتِهِ أَوْ يُفْضِي إِلَى انْتِكَاسِهِ .
وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَتَخْشَى النَّاسَ عِتَابٌ وَلَا لَوْمٌ وَلَكِنَّهُ تَذْكِيرٌ بِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ تَوَقِّيهِ قَالَةَ الْمُنَافِقِينَ . وَحَمَلَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى مَعْنَى الْعِتَابِ وَلَيْسَ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ مَا يَقْتَضِيهِ فَأَحْسَبُهُمْ مُخْطِئِينَ فِيهِ وَلَكِنَّهُ تَشْجِيعٌ لَهُ وَتَحْقِيرٌ لِأَعْدَاءِ الدِّينِ وَتَعْلِيمٌ لَهُ بِأَنْ يَمْضِيَ فِي سَبِيلِهِ وَيَتَنَاوَلَ مَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ وَلِرُسُلِهِ مِنْ تَنَاوُلِ مَا هُوَ مُبَاحٌ مِنْ مَرْغُوبَاتِهِمُ وَمَحَبَّاتِهِمْ إِذَا لَمْ يَصُدُّهُمْ شَيْءٌ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=38مَا كَانَ عَلَى النَّبِيءِ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=39الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ [ ص: 35 ] وَأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعْرِضَ عَنْ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ وَعَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=3لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَنْ لاَ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ، فَهَذَا جَوْهَرُ مَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ الْآيَةُ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُشِيرُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
وَقَدْ رُوِيَتْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَخْبَارٌ مَخْلُوطَةٌ ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَتَسَرَّبَ إِلَى نَفْسِكَ مِنْهَا أُغْلُوطَةٌ ، فَلَا تُصْغِ ذِهْنَكَ إِلَى مَا أَلْصَقَهُ أَهْلُ الْقِصَصِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ تَبْسِيطٍ فِي حَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَمَرَ
زَيْدًا بِإِمْسَاكِ زَوْجِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مُخْتَلَقَاتِ الْقَصَّاصِينَ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا مِنَ الْقَصَّاصِينَ لِتَزْيِينِ الْقِصَّةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ مِنْ أَرَاجِيفِ الْمُنَافِقِينَ وَبُهْتَانِهِمْ ، فَتَلَقَّفَهُ الْقَصَّاصُ وَهُوَ الَّذِي نَجْزِمُ بِهِ . وَمِمَّا يَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّكَ لَا تَجِدُ فِيمَا يُؤْثَرُ مِنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَثَرًا مُسْنَدًا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ إِلَى
زَيْدٍ أَوْ إِلَى
زَيْنَبَ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رِجَالِهِمْ وَنِسَاءِهِمْ وَلَكِنَّهَا قِصَصٌ وَأَخْبَارٌ وَقِيلَ وَقَالَ .
وَلِسُوءِ فَهْمِ الْآيَةِ كَبُرَ أَمْرُهَا عَلَى بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتَفَزَّتْ كَثِيرًا مِنَ الْمَلَاحِدَةِ وَأَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ . وَقَدْ تَصَدَّى
nindex.php?page=showalam&ids=12815أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ لِوَهْنِ أَسَانِيدِهَا وَكَذَلِكَ
عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ .
وَالْآنَ نُرِيدُ أَنْ نَنْقُلَ مَجْرَى الْكَلَامِ إِلَى التَّسْلِيمِ بِوُقُوعِ مَا رُوِيَ مِنَ الْأَخْبَارِ الْوَاهِيَةِ السَّنَدِ لِكَيْ لَا نَتْرُكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُهْوَاةً لِأَحَدٍ . وَمَجْمُوعُ الْقِصَّةِ مِنْ ذَلِكَ : أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ بَيْتَ
زَيْدٍ يَسْأَلُ عَنْهُ ، فَرَأَى
زَيْنَبَ ، وَقِيلَ : رَفَعَتِ الرِّيحُ سِتَارَ الْبَيْتِ فَرَأَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
زَيْنَبَ فَجْأَةً عَلَى غَيْرِ قَصْدٍ فَأَعْجَبَهُ حَسْنُهَا وَسَبَّحَ لِلَّهِ ، وَأَنَّ
زَيْنَبَ عَلِمَتْ أَنَّهُ وَقَعَتْ مِنْهُ مَوْقِعَ الِاسْتِحْسَانِ ، وَأَنَّ
زَيْدًا عَلِمَ ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِيُؤْثِرَ بِهَا مَوْلَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَأَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ قَالَ لَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَهُوَ يَوَدُّ طَلَاقَهَا فِي قَلْبِهِ ، وَيَعْلَمُ أَنَّهَا صَائِرَةٌ زَوْجًا لَهُ .
وَعَلَى تَفَاوُتِ أَسَانِيدِهِ فِي الْوَهْنِ ، أُلْقِيَ إِلَى النَّاسِ فِي الْقِصَّةِ ، فَانْتُقِلَ غَثُّهُ وَسَمِينُهُ ، وَتُحُمِّلَ خِفُّهُ وَرَزِينُهُ ، فَأَخَذَ مِنْهُ كُلٌّ مَا وَسِعَهُ فَهْمُهُ وَدِينُهُ . وَلَوْ كَانَ كُلُّهُ وَاقِعًا لَمَا كَانَ فِيهِ مَغْمَزٌ فِي مَقَامِ النُّبُوَّةِ .
[ ص: 36 ] فَأَمَّا رُؤْيَتُةُ
زَيْنَبَ فِي بَيْتِ
زَيْدٍ إِنْ كَانَتْ عَنْ عَمْدٍ فَذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ فِي بَيْتِ
زَيْدٍ ، فَإِنَّ الِاسْتِئْذَانَ وَاجِبٌ ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ رَأَى وَجْهَهَا وَأَعْجَبَتْهُ ، وَلَا أَحْسَبُ ذَلِكَ لِأَنَّ النِّسَاءَ لَمْ يَكُنَّ يَسْتُرْنَ وُجُوهَهُنَّ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا أَيِ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ ،
وَزَيْدٌ كَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ اتِّصَالًا بِالنَّبِيِّ ،
وَزَيْنَبُ كَانَتِ ابْنَةَ عَمَّتِهِ وَزَوْجَ مَوْلَاهُ وَمَتْبَنَاهُ ، فَكَانَتْ مُخْتَلِطَةً بِأَهْلِهِ ، وَهُوَ الَّذِي زَوَّجَهَا
زَيْدًا ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَا رَآهَا إِلَّا حِينَ جَاءَ بَيْتَ
زَيْدٍ ، وَإِنْ كَانَتِ الرِّيحُ رَفَعَتِ السِّتْرَ فَرَأَى مِنْ مَحَاسِنِهَا وَزِينَتِهَا مَا لَمْ يَكُنْ يَرَاهُ مِنْ قَبْلُ ، فَكَذَلِكَ لَا عَجَبَ فِيهِ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْفَجْأَةِ لَا مُؤَاخَذَةَ عَلَيْهَا ، وَحُصُولَ الِاسْتِحْسَانِ عَقِبَ النَّظَرِ الَّذِي لَيْسَ بِحَرَامٍ أَمْرٌ قَهْرِيٌّ لَا يَمْلِكُ الْإِنْسَانُ صَرْفَهُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَهَلِ اسْتِحْسَانُ ذَاتِ الْمَرْأَةِ إِلَّا كَاسْتِحْسَانِ الرِّيَاضِ وَالْجَنَّاتِ وَالزُّهُورِ وَالْخَيْلِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا سَمَّاهُ اللَّهُ زِينَةً ؛ إِذَا لَمْ يُتْبِعُهُ النُّظَّارُ نَظْرَةً .
وَأَمَّا مَا خَطَرَ فِي نَفْسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَوَدَّةِ تَزَوُّجِهَا فَإِنْ وَقَعَ فَمَا هُوَ بِخَطْبٍ جَلِيلٍ ; ؛ لِأَنَّهُ خَاطِرٌ لَا يَمْلِكُ الْمَرْءُ صَرْفَهُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَقَدْ عَلِمَتَ أَنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَتَخْشَى النَّاسَ لَيْسَ بِلَوْمٍ ، وَأَنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ لَيْسَ فِيهِ لَوْمٌ وَلَا تَوْبِيخٌ عَلَى عَدَمِ خَشْيَةِ اللَّهِ وَلَكِنَّهُ تَأْكِيدٌ لِعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِخَشْيَةِ النَّاسِ .
وَإِنَّمَا تَظْهَرُ مَجَالَاتُ النُّفُوسِ فِي مَيَادِينِ الْفُتُوَّةِ بِمِقْدَارِ مُصَابَرَتِهَا عَلَى الْكَمَالِ فِي مُقَاوَمَةِ مَا يَنْشَأُ عَنْ تِلْكَ الْمَرَائِي مِنْ ضَعْفٍ فِي النُّفُوسِ وَخَوْرِ الْعَزَائِمِ ، وَكَفَاكَ دَلِيلًا عَلَى تَمَكُّنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذَا الْمَقَامِ وَهُوَ أَفْضَلُ مَنْ تَرْسُخُ قَدَمُهُ فِي أَمْثَالِهِ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُ
زَيْدًا فِي إِمْسَاكِ زَوْجِهِ مُشِيرًا عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ خَيْرٌ لَهُ
وَزَيْدٌ يَرَى ذَلِكَ إِشَارَةً وَنُصْحًا لَا أَمْرًا وَشَرْعًا .
وَلَوْ صَحَّ أَنَّ
زَيْدًا عَلِمَ مَوَدَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوُّجَ
زَيْنَبَ فَطَلَّقَهَا
زَيْدٌ لِذَلِكَ دُونَ أَمْرٍ مِنَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا التَّمَاسٍ لَمَا كَانَ عَجَبًا ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُؤْثِرُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، وَقَدْ تَنَازَلَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=202دَحْيَةُ الْكَلْبِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=199صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ بَعْدَ أَنْ صَارَتْ لَهُ فِي سَهْمِهِ مِنْ مَغَانِمِ
خَيْبَرَ ، وَقَدْ عَرَضَ
nindex.php?page=showalam&ids=3402سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=38عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنْ يَتَنَازَلَ عَنْ إِحْدَى زَوْجَتَيْهِ يَخْتَارُهَا لِلْمُؤَاخَاةِ الَّتِي آخَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
[ ص: 37 ] بَيْنَهُمَا .
وَأَمَّا إِشَارَةُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى
زَيْدٍ بِإِمْسَاكِ زَوْجِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا سَتَصِيرُ زَوْجَةً لَهُ فَهُوَ أَدَاءٌ لِوَاجِبِ أَمَانَةِ الِاسْتِنْصَاحِ وَالِاسْتِشَارَةِ ، وَقَدْ يُشِيرُ الْمَرْءُ بِالشَّيْءِ يَعْلَمُهُ مَصْلَحَةً وَهُوَ يُوقِنُ أَنَّ إِشَارَتَهُ لَا تُمْتَثَلُ . وَالتَّخْلِيطُ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ تَخْلِيطٌ بَيْنَ التَّصَرُّفِ الْمُسْتَنِدِ لِمَا تَقْتَضِيهِ ظَوَاهِرُ الْأَحْوَالِ وَبَيْنَ مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ فِي الْبَاطِنِ ، وَأَشْبَهُ مَقَامٍ بِهِ مَقَامُ
مُوسَى مَعَ
الْخَضِرِ فِي الْقَضَايَا الثَّلَاثِ . وَلَيْسَ هَذَا مِنْ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ ، كَمَا تَوَهَّمَهُ مَنْ لَا يُحْسِنُ ؛ لِأَنَّ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ الْمَذْمُومَةِ مَا كَانَتْ مِنِ الْخِيَانَةِ وَالْكَيْدِ .
وَلَيْسَ هُوَ أَيْضًا مِنَ الْكَذِبِ لِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيءِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
لِزَيْدٍ nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ لَا يُنَاقِضُ رَغْبَتَهُ فِي تَزَوُّجِهَا وَإِنَّمَا يُنَاقِضُهُ لَوْ قَالَ : إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُمْسِكَ زَوْجَكَ ، إِذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِشَارَةَ طَلَبُ النَّظَرِ فِيمَا هُوَ صَلَاحٌ لِلْمُسْتَشِيرِ لَا مَا هُوَ صَلَاحٌ لِلْمُسْتَشَارِ . وَمِنْ حَقِّ الْمُسْتَشَارِ إِعْلَامُ الْمُسْتَشِيرِ بِمَا هُوَ صَلَاحٌ لَهُ فِي نَظَرِ الْمُشِيرِ ، وَإِنْ كَانَ صَلَاحُ الْمُشِيرِ فِي خِلَافِهِ فَضْلًا عَلَى كَوْنِ مَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ ؛ إِنَّمَا هُوَ تَخَالُفٌ بَيْنَ النَّصِيحَةِ وَبَيْنَ مَا عَلِمَهُ النَّاصِحُ مِنْ أَنَّ نُصْحَهُ لَا يُؤَثِّرُ .
فَإِنْ قُلْتَ : فَمَا مَعْنَى مَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ كَاتِمًا شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ الْآيَةَ .
قُلْتُ : أَرَادَتْ أَنَّ رَغْبَةَ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَزَوُّجِ
زَيْنَبَ أَوْ إِعْلَامَ اللَّهِ إِيَّاهُ بِذَلِكَ كَانَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِذْ لَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ إِلَى أَحَدٍ ، وَعَلَى ذَلِكَ السِّرِّ انْبَنَى مَا صَدَرَ مِنْهُ
لِزَيْدٍ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ . فَلَمَّا طَلَّقَهَا
زَيْدٌ وَرَامَ تَزَوُّجَهَا عَلِمَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ سَيَرْجُفُونَ بِالسُّوءِ ، فَلَمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ بِذِكْرِ ذَلِكَ لِلْأُمَّةِ وَتَبْلِيغِ خَبَرَهُ بَلَّغَهُ وَلَمْ يَكْتُمْهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَتْمِهِ تَعْطِيلُ شَرْعٍ وَلَا نَقْصُ مَصْلَحَةٍ فَلَوْ كَانَ كَاتِمًا لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي هِيَ حِكَايَةُ سِرٍّ فِي نَفْسِهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ وَحْيًا بَلَّغَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَبْلِيغِ كُلِّ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْحَقَائِقِ نِصَابَهَا ، وَلِلتَّصَرُّفَاتِ مَوَانِعَهَا وَأَسْبَابَهَا ، وَأَنَّ النَّاسَ قَدْ تَمْتَلِكُهُمُ الْعَوَائِدُ ، فَتَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ إِدْرَاكِ الْفَوَائِدِ ، فَإِذَا تَفَشَّتْ أَحْوَالٌ فِي
[ ص: 38 ] عَادَاتِهِمُ اسْتَحْسَنُوهَا وَلَوْ سَاءَتْ ، وَإِذَا نَدَرَتِ الْمَحَامِدُ دَافَعُوهَا إِذَا رَامَتْ مُدَاخَلَةَ عُقُولِهِمْ وَشَاءَتْ ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيفِ الْفِطْرَةِ عَنْ وَضْعِهَا ، وَالْمُبَاعَدَةِ بَيْنَ الْحَقَائِقِ وَشَرْعِهَا .
وَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَخَذَ يَغْزُو تِلْكَ الْجُيُوشَ لِيَقْلَعَهَا مِنْ أَقَاصِيهَا ، وَيُنْزِلُهَا مِنْ صَيَاصِيهَا ، فَالْحَسَنُ الْمَشْرُوعُ مَا تَشْهَدُ الْفِطْرَةُ لِحُسْنِهِ ، وَالْقَبِيحُ الْمَمْنُوعُ الَّذِي أَمَاتَتْهُ الشَّرِيعَةُ وَأَمَرَتْ بِدَفْنِهِ .