قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون .
قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم " ما " لا موضع لها من الإعراب عند أكثر أهل التفسير ، منهم
قتادة ، لأنها نفي ، والمعنى : لتنذر قوما ما أتى آباءهم قبلك نذير . وقيل : هي بمعنى الذي ، فالمعنى : لتنذرهم مثل ما أنذر آباؤهم ، قاله
ابن عباس وعكرمة وقتادة أيضا . وقيل : إن " ما " والفعل مصدر ، أي لتنذر قوما إنذار آبائهم . ثم يجوز أن تكون العرب قد بلغتهم بالتواتر أخبار الأنبياء ، فالمعنى لم ينذروا برسول من أنفسهم . ويجوز أن يكون بلغهم الخبر ولكن غفلوا وأعرضوا ونسوا . ويجوز أن يكون هذا خطابا لقوم لم يبلغهم خبر نبي ، وقد قال الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=44وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=3لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون أي : لم يأتهم نبي . وعلى قول من قال بلغهم
[ ص: 9 ] خبر الأنبياء ، فالمعنى فهم معرضون الآن متغافلون عن ذلك ، ويقال للمعرض عن الشيء إنه غافل عنه . وقيل : فهم غافلون عن عقاب الله .
قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=7لقد حق القول على أكثرهم أي : وجب العذاب على أكثرهم فهم لا يؤمنون بإنذارك . وهذا فيمن سبق في علم الله أنه يموت على كفره ، ثم بين سبب تركهم الإيمان فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=8إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا قيل : نزلت في
أبي جهل بن هشام وصاحبيه المخزوميين ، وذلك أن
أبا جهل حلف لئن رأى
محمدا يصلي ليرضخن رأسه بحجر ، فلما رآه ذهب فرفع حجرا ليرميه ، فلما أومأ إليه رجعت يده إلى عنقه ، والتصق الحجر بيده ، قاله
ابن عباس وعكرمة وغيرهما ، فهو على هذا تمثيل ، أي : هو بمنزلة من علت يده إلى عنقه ، فلما عاد إلى أصحابه أخبرهم بما رأى ، فقال الرجل الثاني وهو
الوليد بن المغيرة : أنا أرضخ رأسه . فأتاه وهو يصلي على حالته ليرميه بالحجر ، فأعمى الله بصره فجعل يسمع صوته ولا يراه ، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقال : والله ما رأيته ولقد سمعت صوته . فقال الثالث : والله لأشدخن أنا رأسه . ثم أخذ الحجر وانطلق فرجع القهقرى ينكص على عقبيه حتى خر على قفاه مغشيا عليه . فقيل له : ما شأنك ؟ قال : شأني عظيم ، رأيت الرجل فلما دنوت منه ، وإذا فحل يخطر بذنبه ، ما رأيت فحلا قط أعظم منه ، حال بيني وبينه ، فواللات والعزى لو دنوت منه لأكلني .
فأنزل الله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=8إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون .
وقرأ
ابن عباس : " إنا جعلنا في أيمانهم " . وقال
الزجاج : وقرئ " إنا جعلنا في أيديهم " . قال
النحاس : وهذه القراءة تفسير ، ولا يقرأ بما خالف المصحف . وفي الكلام حذف على قراءة الجماعة ، التقدير : إنا جعلنا في أعناقهم وفي أيديهم أغلالا فهي إلى الأذقان ، فهي كناية عن الأيدي لا عن الأعناق ، والعرب تحذف مثل هذا . ونظيره :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81سرابيل تقيكم الحر وتقديره : وسرابيل تقيكم البرد ، فحذف ; لأن ما وقى من الحر وقى من البرد ; لأن الغل إذا كان في العنق فلا بد أن يكون في اليد ، ولا سيما وقد قال الله - عز وجل - :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=8فهي إلى الأذقان فقد علم أنه يراد به الأيدي .
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=8فهم مقمحون أي : رافعو رءوسهم لا يستطيعون الإطراق ; لأن من غلت يده إلى ذقنه ارتفع رأسه .
روى
عبد الله بن يحيى : أن
علي بن أبي طالب - عليه السلام - أراهم
[ ص: 10 ] الإقماح ، فجعل يديه تحت لحيته وألصقهما ورفع رأسه . قال
النحاس : وهذا أجل ما روي فيه ، وهو مأخوذ مما حكاه
الأصمعي . قال : يقال أقمحت الدابة إذا جذبت لجامها لترفع رأسها . قال
النحاس : والقاف مبدلة من الكاف لقربها منها . كما يقال : قهرته وكهرته . قال
الأصمعي : يقال أكمحت الدابة ، إذا جذبت عنانها حتى ينتصب رأسها . ومنه قول الشاعر : [
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذو الرمة ]
. . . والرأس مكمح
ويقال : أكمحتها وأكفحتها وكبحتها ، هذه وحدها بلا ألف عن
الأصمعي . وقمح البعير قموحا : إذا رفع رأسه عند الحوض وامتنع من الشرب ، فهو بعير قامح وقمح ، يقال : شرب فتقمح وانقمح ، بمعنى إذا رفع رأسه وترك الشرب ريا . وقد قامحت إبلك : إذا وردت ولم تشرب ، ورفعت رأسها من داء يكون بها أو برد . وهي إبل مقامحة ، وبعير مقامح ، وناقة مقامح أيضا ، والجمع قماح على غير قياس ، قال
بشر يصف سفينة :
ونحن على جوانبها قعود نغض الطرف كالإبل القماح
والإقماح : رفع الرأس وغض البصر ، يقال : أقمحه الغل ، إذا ترك رأسه مرفوعا من ضيقه . وشهر قماح : أشد ما يكون من البرد ، وهما الكانونان ، سميا بذلك ; لأن الإبل إذا وردت آذاها برد الماء فقامحت رءوسها ، ومنه قمحت السويق . وقيل : هو مثل ضربه الله تعالى لهم في امتناعهم من الهدى كامتناع المغلول ، قاله
يحيى بن سلام وأبو عبيدة . وكما يقال : فلان حمار ، أي : لا يبصر الهدى . وكما قال :
لهم عن الرشد أغلال وأقياد
وفي الخبر : أن
أبا ذؤيب كان يهوى امرأة في الجاهلية ، فلما أسلم راودته فأبى وأنشأ يقول :
فليس كعهد الدار يا أم مالك ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل سوى العدل شيئا فاستراح العواذل
أراد منعنا بموانع الإسلام عن تعاطي الزنى والفسق . وقال
الفراء أيضا : هذا ضرب مثل ، أي : حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله ، وهو كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك وقال
الضحاك . وقيل : إن هؤلاء صاروا في الاستكبار عن الحق كمن جعل في يده
[ ص: 11 ] غل فجمعت إلى عنقه ، فبقي رافعا رأسه لا يخفضه ، وغاضا بصره لا يفتحه . والمتكبر يوصف بانتصاب العنق . وقال
الأزهري : إن أيديهم لما غلت عند أعناقهم رفعت الأغلال أذقانهم ورءوسهم صعدا كالإبل ترفع رءوسها . وهذا المنع بخلق الكفر في قلوب الكفار ، وعند قوم بسلبهم التوفيق عقوبة لهم على كفرهم . وقيل : الآية إشارة إلى ما يفعل بأقوام غدا في النار من وضع الأغلال في أعناقهم والسلاسل ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=71إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل وأخبر عنه بلفظ الماضي :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=8فهم مقمحون تقدم تفسيره . قال
مجاهد : مقمحون مغلون عن كل خير .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ " مَا " لَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ، مِنْهُمْ
قَتَادَةُ ، لِأَنَّهَا نَفْيٌ ، وَالْمَعْنَى : لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَى آبَاءَهُمْ قَبْلَكَ نَذِيرٌ . وَقِيلَ : هِيَ بِمَعْنَى الَّذِي ، فَالْمَعْنَى : لِتُنْذِرَهُمْ مِثْلَ مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ ، قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ أَيْضًا . وَقِيلَ : إِنَّ " مَا " وَالْفِعْلَ مَصْدَرٌ ، أَيْ لِتُنْذِرَ قَوْمًا إِنْذَارَ آبَائِهِمْ . ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعَرَبُ قَدْ بَلَغَتْهُمْ بِالتَّوَاتُرِ أَخْبَارُ الْأَنْبِيَاءِ ، فَالْمَعْنَى لَمْ يُنْذَرُوا بِرَسُولٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَلَغَهُمُ الْخَبَرُ وَلَكِنْ غَفَلُوا وَأَعْرَضُوا وَنَسُوا . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا خِطَابًا لِقَوْمٍ لَمْ يَبْلُغْهُمْ خَبَرُ نَبِيٍّ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=44وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=3لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ أَيْ : لَمْ يَأْتِهِمْ نَبِيٌّ . وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بَلَغَهُمْ
[ ص: 9 ] خَبَرُ الْأَنْبِيَاءِ ، فَالْمَعْنَى فَهُمْ مُعْرِضُونَ الْآنَ مُتَغَافِلُونَ عَنْ ذَلِكَ ، وَيُقَالُ لِلْمُعْرِضِ عَنِ الشَّيْءِ إِنَّهُ غَافِلٌ عَنْهُ . وَقِيلَ : فَهُمْ غَافِلُونَ عَنْ عِقَابِ اللَّهِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=7لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ أَيْ : وَجَبَ الْعَذَابَ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِإِنْذَارِكَ . وَهَذَا فِيمَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى كُفْرِهِ ، ثُمَّ بَيَّنَ سَبَبَ تَرْكِهِمُ الْإِيمَانَ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=8إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا قِيلَ : نَزَلَتْ فِي
أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَصَاحِبَيْهِ الْمَخْزُومِيَّيْنِ ، وَذَلِكَ أَنَّ
أَبَا جَهْلٍ حَلَفَ لَئِنْ رَأَى
مُحَمَّدًا يُصَلِّي لَيَرْضَخَنَّ رَأْسَهُ بِحَجَرٍ ، فَلَمَّا رَآهُ ذَهَبَ فَرَفَعَ حَجَرًا لِيَرْمِيَهُ ، فَلَمَّا أَوْمَأَ إِلَيْهِ رَجَعَتْ يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ ، وَالْتَصَقَ الْحَجَرُ بِيَدِهِ ، قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُمَا ، فَهُوَ عَلَى هَذَا تَمْثِيلٌ ، أَيْ : هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلَتْ يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ ، فَلَمَّا عَادَ إِلَى أَصْحَابِهِ أَخْبَرَهُمْ بِمَا رَأَى ، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّانِي وَهُوَ
الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ : أَنَا أَرْضَخُ رَأْسَهُ . فَأَتَاهُ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى حَالَتِهِ لِيَرْمِيَهُ بِالْحَجَرِ ، فَأَعْمَى اللَّهُ بَصَرَهُ فَجَعَلَ يَسْمَعُ صَوْتَهُ وَلَا يَرَاهُ ، فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى نَادَوْهُ فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ وَلَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَهُ . فَقَالَ الثَّالِثُ : وَاللَّهِ لَأَشْدُخَنَّ أَنَا رَأْسَهُ . ثُمَّ أَخَذَ الْحَجَرَ وَانْطَلَقَ فَرَجَعَ الْقَهْقَرَى يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ حَتَّى خَرَّ عَلَى قَفَاهُ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ . فَقِيلَ لَهُ : مَا شَأْنُكَ ؟ قَالَ : شَأْنِي عَظِيمٌ ، رَأَيْتُ الرَّجُلَ فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ ، وَإِذَا فَحْلٌ يَخْطِرُ بِذَنَبِهِ ، مَا رَأَيْتُ فَحْلًا قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهُ ، حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ، فَوَاللَّاتَ وَالْعُزَّى لَوْ دَنَوْتُ مِنْهُ لَأَكَلَنِي .
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=8إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ .
وَقَرَأَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : " إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَيْمَانِهِمْ " . وَقَالَ
الزَّجَّاجُ : وَقُرِئَ " إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَيْدِيهِمْ " . قَالَ
النَّحَّاسُ : وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ تَفْسِيرٌ ، وَلَا يُقْرَأُ بِمَا خَالَفَ الْمُصْحَفَ . وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ عَلَى قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ ، التَّقْدِيرُ : إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ وَفِي أَيْدِيهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ ، فَهِيَ كِنَايَةٌ عَنِ الْأَيْدِي لَا عَنِ الْأَعْنَاقِ ، وَالْعَرَبُ تَحْذِفُ مِثْلَ هَذَا . وَنَظِيرُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَتَقْدِيرُهُ : وَسَرَابِيلُ تَقِيكُمُ الْبَرْدَ ، فَحُذِفَ ; لِأَنَّ مَا وَقَى مِنَ الْحَرِّ وَقَى مِنَ الْبَرْدِ ; لِأَنَّ الْغُلَّ إِذَا كَانَ فِي الْعُنُقِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْيَدِ ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=8فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْأَيْدِي .
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=8فَهُمْ مُقْمَحُونَ أَيْ : رَافِعُو رُءُوسِهِمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْإِطْرَاقَ ; لِأَنَّ مَنْ غُلَّتْ يَدُهُ إِلَى ذَقْنِهِ ارْتَفَعَ رَأْسُهُ .
رَوَى
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى : أَنَّ
عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَاهُمُ
[ ص: 10 ] الْإِقْمَاحَ ، فَجَعَلَ يَدَيْهِ تَحْتَ لِحْيَتِهِ وَأَلْصَقَهُمَا وَرَفَعَ رَأْسَهُ . قَالَ
النَّحَّاسُ : وَهَذَا أَجَلُّ مَا رُوِيَ فِيهِ ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِمَّا حَكَاهُ
الْأَصْمَعِيُّ . قَالَ : يُقَالُ أَقْمَحَتِ الدَّابَّةُ إِذَا جَذَبَتْ لِجَامَهَا لِتَرْفَعَ رَأْسَهَا . قَالَ
النَّحَّاسُ : وَالْقَافُ مُبْدَلَةٌ مِنَ الْكَافِ لِقُرْبِهَا مِنْهَا . كَمَا يُقَالُ : قَهَرْتُهُ وَكَهَرْتُهُ . قَالَ
الْأَصْمَعِيُّ : يُقَالُ أَكْمَحَتِ الدَّابَّةُ ، إِذَا جَذَبَتْ عَنَانَهَا حَتَّى يَنْتَصِبَ رَأْسُهَا . وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ : [
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذُو الرُّمَّةِ ]
. . . وَالرَّأْسُ مُكْمَحُ
وَيُقَالُ : أَكَمَحْتُهَا وَأَكْفَحْتُهَا وَكَبَحْتُهَا ، هَذِهِ وَحْدَهَا بِلَا أَلِفٍ عَنِ
الْأَصْمَعِيِّ . وَقَمَحَ الْبَعِيرُ قُمُوحًا : إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ عِنْدَ الْحَوْضِ وَامْتَنَعَ مِنَ الشُّرْبِ ، فَهُوَ بَعِيرٌ قَامِحٌ وَقَمِحٌ ، يُقَالُ : شَرِبَ فَتَقَمَّحَ وَانْقَمَحَ ، بِمَعْنَى إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ وَتَرَكَ الشُّرْبَ رِيًّا . وَقَدْ قَامَحَتْ إِبِلُكَ : إِذَا وَرَدَتْ وَلَمْ تَشْرَبْ ، وَرَفَعَتْ رَأْسَهَا مِنْ دَاءٍ يَكُونُ بِهَا أَوْ بَرْدٍ . وَهِيَ إِبِلٌ مُقَامَحَةٌ ، وَبَعِيرٌ مُقَامِحٌ ، وَنَاقَةٌ مُقَامِحٌ أَيْضًا ، وَالْجَمْعُ قِمَاحٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ ، قَالَ
بِشْرٌ يَصِفُ سَفِينَةً :
وَنَحْنُ عَلَى جَوَانِبِهَا قُعُودٌ نَغُضُّ الطَّرْفَ كَالْإِبِلِ الْقِمَاحِ
وَالْإِقْمَاحُ : رَفْعُ الرَّأْسِ وَغَضُّ الْبَصَرِ ، يُقَالُ : أَقْمَحَهُ الْغُلُّ ، إِذَا تَرَكَ رَأْسَهُ مَرْفُوعًا مِنْ ضِيقِهِ . وَشَهْرٌ قِمَاحٌ : أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ الْبَرْدِ ، وَهُمَا الْكَانُونَانِ ، سُمِّيَا بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الْإِبِلَ إِذَا وَرَدَتْ آذَاهَا بَرْدُ الْمَاءِ فَقَامَحَتْ رُءُوسَهَا ، وَمِنْهُ قَمِحْتُ السَّوِيقَ . وَقِيلَ : هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ فِي امْتِنَاعِهِمْ مِنَ الْهُدَى كَامْتِنَاعِ الْمَغْلُولِ ، قَالَهُ
يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ . وَكَمَا يُقَالُ : فُلَانٌ حِمَارٌ ، أَيْ : لَا يُبْصِرُ الْهُدَى . وَكَمَا قَالَ :
لَهُمْ عَنِ الرُّشْدِ أَغْلَالٌ وَأَقْيَادُ
وَفِي الْخَبَرِ : أَنَّ
أَبَا ذُؤَيْبٍ كَانَ يَهْوَى امْرَأَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَلَمَّا أَسْلَمَ رَاوَدَتْهُ فَأَبَى وَأَنْشَأَ يَقُولُ :
فَلَيْسَ كَعَهْدِ الدَّارِ يَا أُمَّ مَالِكٍ وَلَكِنْ أَحَاطَتْ بِالرِّقَابِ السَّلَاسِلُ
وَعَادَ الْفَتَى كَالْكَهْلِ لَيْسَ بِقَائِلٍ سِوَى الْعَدْلِ شَيْئًا فَاسْتَرَاحَ الْعَوَاذِلُ
أَرَادَ مُنِعْنَا بِمَوَانِعِ الْإِسْلَامِ عَنْ تَعَاطِي الزِّنَى وَالْفِسْقِ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ أَيْضًا : هَذَا ضَرْبُ مَثَلٍ ، أَيْ : حَبَسْنَاهُمْ عَنِ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَقَالَ
الضَّحَّاكُ . وَقِيلَ : إِنَّ هَؤُلَاءِ صَارُوا فِي الِاسْتِكْبَارِ عَنِ الْحَقِّ كَمَنْ جُعِلَ فِي يَدِهِ
[ ص: 11 ] غُلٌّ فَجُمِعَتْ إِلَى عُنُقِهِ ، فَبَقِيَ رَافِعًا رَأْسَهُ لَا يَخْفِضُهُ ، وَغَاضًّا بَصَرَهُ لَا يَفْتَحُهُ . وَالْمُتَكَبِّرُ يُوصَفُ بِانْتِصَابِ الْعُنُقِ . وَقَالَ
الْأَزْهَرِيُّ : إِنَّ أَيْدِيَهُمْ لَمَّا غُلَّتْ عِنْدَ أَعْنَاقِهِمْ رَفَعَتِ الْأَغْلَالُ أَذْقَانَهُمْ وَرُءُوسَهُمْ صُعُدًا كَالْإِبِلِ تَرْفَعُ رُءُوسَهَا . وَهَذَا الْمَنْعُ بِخَلْقِ الْكُفْرِ فِي قُلُوبِ الْكُفَّارِ ، وَعِنْدَ قَوْمٍ بِسَلْبِهِمُ التَّوْفِيقَ عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ . وَقِيلَ : الْآيَةُ إِشَارَةٌ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِأَقْوَامٍ غَدًا فِي النَّارِ مِنْ وَضْعِ الْأَغْلَالِ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=71إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ وَأَخْبَرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=8فَهُمْ مُقْمَحُونَ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ . قَالَ
مُجَاهِدٌ : مُقْمَحُونَ مُغَلُّونَ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ .