قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=37وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=37وآية لهم الليل نسلخ منه النهار أي : وعلامة دالة على توحيد الله وقدرته ووجوب إلهيته . والسلخ : الكشط والنزع ، يقال : سلخه الله من دينه ، ثم تستعمل بمعنى الإخراج . وقد جعل ذهاب الضوء ومجيء الظلمة كالسلخ من الشيء وظهور المسلوخ ، فهي استعارة . و " مظلمون " داخلون في الظلام ، يقال : أظلمنا أي : دخلنا في ظلام الليل ، وأظهرنا دخلنا في وقت الظهر ، وكذلك أصبحنا وأضحينا وأمسينا . وقيل : " منه " بمعنى عنه ، والمعنى : نسلخ عنه ضياء النهار . " فإذا هم مظلمون " أي : في ظلمة ; لأن ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضيء ، فإذا خرج منه أظلم .
قوله تعالى : والشمس تجري لمستقر لها يجوز أن يكون تقديره : وآية لهم الشمس . ويجوز أن يكون الشمس مرفوعا بإضمار فعل يفسره الثاني . ويجوز أن يكون مرفوعا
[ ص: 27 ] بالابتداء . " تجري " في موضع الخبر ، أي : جارية . وفي صحيح
مسلم عن
أبي ذر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830968سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله - عز وجل - : والشمس تجري لمستقر لها قال : مستقرها تحت العرش . وفيه عن
أبي ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوما :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830969أتدرون أين تذهب هذه الشمس ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة ، فلا تزال كذلك حتى يقال لها : ارتفعي ، ارجعي من حيث جئت ، فترجع ، فتصبح طالعة من مطلعها ، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة ، ولا تزال كذلك حتى يقال لها : ارتفعي ، ارجعي من حيث جئت ، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش ، فيقال لها : ارتفعي ، أصبحي طالعة من مغربك ، فتصبح طالعة من مغربها . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أتدرون متى ذلكم ؟ ذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا . ولفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
أبي ذر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830970قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر حين غربت الشمس : تدري أين تذهب ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها ، وتستأذن فلا يؤذن لها ، يقال لها : ارجعي من حيث جئت ، فتطلع من مغربها ، فذلك قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=38والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم . ولفظ
الترمذي عن
أبي ذر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830971دخلت المسجد حين غابت الشمس ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يا أبا ذر أتدري أين تذهب هذه ؟ قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها ، وكأنها قد قيل لها : اطلعي من حيث جئت ، فتطلع من مغربها . قال : ثم قرأ " ذلك مستقر لها " قال : وذلك قراءة
عبد الله . قال
أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . وقال
عكرمة : إن الشمس إذا غربت دخلت محرابا تحت العرش تسبح الله حتى تصبح ، فإذا أصبحت استعفت ربها من الخروج فيقول لها الرب : ولم ذاك ؟ قالت : إني إذا خرجت عبدت من دونك . فيقول الرب
[ ص: 28 ] - تبارك وتعالى - : اخرجي فليس عليك من ذاك شيء ، سأبعث إليهم جهنم مع سبعين ألف ملك يقودونها حتى يدخلوهم فيها . وقال
الكلبي وغيره : المعنى : تجري إلى أبعد منازلها في الغروب ، ثم ترجع إلى أدنى منازلها ، فمستقرها بلوغها الموضع الذي لا تتجاوزه ، بل ترجع منه ، كالإنسان يقطع مسافة حتى يبلغ أقصى مقصوده فيقضي وطره ، ثم يرجع إلى منزله الأول الذي ابتدأ منه سفره . وعلى تبليغ الشمس أقصى منازلها ، وهو مستقرها إذا طلعت الهنعة ، وذلك اليوم أطول الأيام في السنة ، وتلك الليلة أقصر الليالي ، فالنهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات ، ثم يأخذ في النقصان وترجع الشمس ، فإذا طلعت الثريا استوى الليل والنهار ، وكل واحد ثنتا عشرة ساعة ، ثم تبلغ أدنى منازلها وتطلع النعائم ، وذلك اليوم أقصر الأيام ، والليل خمس عشرة ساعة ، حتى إذا طلع فرغ الدلو المؤخر استوى الليل والنهار ، فيأخذ الليل من النهار كل يوم عشر ثلث ساعة ، وكل عشرة أيام ثلث ساعة ، وكل شهر ساعة تامة ، حتى يستويا ، ويأخذ الليل حتى يبلغ خمس عشرة ساعة ، ويأخذ النهار من الليل كذلك . وقال
الحسن : إن للشمس في السنة ثلاثمائة وستين مطلعا ، تنزل في كل يوم مطلعا ، ثم لا تنزله إلى الحول ، فهي تجري في تلك المنازل وهي مستقرها . وهو معنى الذي قبله سواء . وقال
ابن عباس : إنها إذا غربت وانتهت إلى الموضع الذي لا تتجاوزه استقرت تحت العرش إلى أن تطلع .
قلت : ما قاله
ابن عباس يجمع الأقوال فتأمله . وقيل : إلى انتهاء أمدها عند انقضاء الدنيا وقرأ
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس " والشمس تجري لا مستقر لها " أي : إنها تجري في الليل والنهار لا وقوف لها ولا قرار ، إلى أن يكورها الله يوم القيامة . وقد احتج من خالف المصحف فقال : أنا أقرأ بقراءة
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس . قال
أبو بكر الأنباري : وهذا باطل مردود على من نقله ; لأن
أبا عمرو روى عن
مجاهد عن
ابن عباس ،
وابن كثير روى عن
مجاهد عن
ابن عباس nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=38والشمس تجري لمستقر لها فهذان السندان عن
ابن عباس اللذان يشهد بصحتهما الإجماع - يبطلان ما روي بالسند الضعيف مما يخالف مذهب الجماعة ، وما اتفقت عليه الأمة .
قلت : والأحاديث الثابتة التي ذكرناها ترد قوله ، فما أجرأه على كتاب الله ، قاتله الله . وقوله : " لمستقر لها " أي : إلى مستقرها ، والمستقر موضع القرار . " ذلك تقدير " أي الذي ذكر من أمر الليل والنهار والشمس تقدير " العزيز العليم " .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=37وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=37وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ أَيْ : وَعَلَامَةٌ دَالَّةٌ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَوُجُوبِ إِلَهِيَّتِهِ . وَالسَّلْخُ : الْكَشْطُ وَالنَّزْعُ ، يُقَالُ : سَلَخَهُ اللَّهُ مِنْ دِينِهِ ، ثُمَّ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْإِخْرَاجِ . وَقَدْ جَعَلَ ذَهَابَ الضَّوْءِ وَمَجِيءَ الظُّلْمَةِ كَالسَّلْخِ مِنَ الشَّيْءِ وَظُهُورِ الْمَسْلُوخِ ، فَهِيَ اسْتِعَارَةٌ . وَ " مُظْلِمُونَ " دَاخِلُونَ فِي الظَّلَامِ ، يُقَالُ : أَظْلَمْنَا أَيْ : دَخَلْنَا فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ ، وَأَظْهَرْنَا دَخَلْنَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ ، وَكَذَلِكَ أَصْبَحْنَا وَأَضْحَيْنَا وَأَمْسَيْنَا . وَقِيلَ : " مِنْهُ " بِمَعْنَى عَنْهُ ، وَالْمَعْنَى : نَسْلَخُ عَنْهُ ضِيَاءَ النَّهَارِ . " فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ " أَيْ : فِي ظُلْمَةٍ ; لِأَنَّ ضَوْءَ النَّهَارِ يَتَدَاخَلُ فِي الْهَوَاءِ فَيُضِيءُ ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ أَظْلَمَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُهُ : وَآيَةٌ لَهُمُ الشَّمْسُ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّمْسُ مَرْفُوعًا بِإِضْمَارِ فِعْلٍ يُفَسِّرُهُ الثَّانِي . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا
[ ص: 27 ] بِالِابْتِدَاءِ . " تَجْرِي " فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ ، أَيْ : جَارِيَةٌ . وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ
أَبِي ذَرٍّ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830968سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - : وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا قَالَ : مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ . وَفِيهِ عَنْ
أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمًا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830969أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : إِنَّ هَذِهِ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً ، فَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا : ارْتَفِعِي ، ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ ، فَتَرْجِعُ ، فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا ، ثُمَّ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً ، وَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا : ارْتَفِعِي ، ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ ، فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا ، ثُمَّ تَجْرِي لَا يَسْتَنْكِرُ النَّاسُ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا ذَاكَ تَحْتَ الْعَرْشِ ، فَيُقَالُ لَهَا : ارْتَفِعِي ، أَصْبِحِي طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِكِ ، فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَتَدْرُونَ مَتَى ذَلِكُمْ ؟ ذَاكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا . وَلَفْظُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ عَنْ
أَبِي ذَرٍّ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830970قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ : تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَسْتَأْذِنُ فَيُؤْذَنُ لَهَا ، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا ، وَتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنُ لَهَا ، يُقَالُ لَهَا : ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=38وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ . وَلَفْظُ
التِّرْمِذِيِّ عَنْ
أَبِي ذَرٍّ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830971دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ . فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : يَا أَبَا ذَرٍّ أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ ؟ قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَإِنَّهَا تَذْهَبُ فَتَسْتَأْذِنُ فِي السُّجُودِ فَيُؤْذَنُ لَهَا ، وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا : اطْلُعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا . قَالَ : ثُمَّ قَرَأَ " ذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ لَهَا " قَالَ : وَذَلِكَ قِرَاءَةُ
عَبْدِ اللَّهِ . قَالَ
أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . وَقَالَ
عِكْرِمَةُ : إِنَّ الشَّمْسَ إِذَا غَرَبَتْ دَخَلَتْ مِحْرَابًا تَحْتَ الْعَرْشِ تُسَبِّحُ اللَّهَ حَتَّى تُصْبِحَ ، فَإِذَا أَصْبَحَتِ اسْتَعْفَتْ رَبَّهَا مِنَ الْخُرُوجِ فَيَقُولُ لَهَا الرَّبُّ : وَلِمَ ذَاكَ ؟ قَالَتْ : إِنِّي إِذَا خَرَجْتُ عُبِدْتُ مِنْ دُونِكَ . فَيَقُولُ الرَّبُّ
[ ص: 28 ] - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - : اخْرُجِي فَلَيْسَ عَلَيْكِ مِنْ ذَاكَ شَيْءٌ ، سَأَبْعَثُ إِلَيْهِمْ جَهَنَّمَ مَعَ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَقُودُونَهَا حَتَّى يُدْخِلُوهُمْ فِيهَا . وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُ : الْمَعْنَى : تَجْرِي إِلَى أَبْعَدِ مَنَازِلِهَا فِي الْغُرُوبِ ، ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى أَدْنَى مَنَازِلِهَا ، فَمُسْتَقَرُّهَا بُلُوغُهَا الْمَوْضِعَ الَّذِي لَا تَتَجَاوَزُهُ ، بَلْ تَرْجِعُ مِنْهُ ، كَالْإِنْسَانِ يَقْطَعُ مَسَافَةً حَتَّى يَبْلُغَ أَقْصَى مَقْصُودِهِ فَيَقْضِي وَطَرَهُ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَنْزِلِهِ الْأَوَّلِ الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ سَفَرَهُ . وَعَلَى تَبْلِيغِ الشَّمْسِ أَقْصَى مَنَازِلِهَا ، وَهُوَ مُسْتَقَرُّهَا إِذَا طَلَعَتِ الْهَنْعَةَ ، وَذَلِكَ الْيَوْمُ أَطْوَلُ الْأَيَّامِ فِي السَّنَةِ ، وَتِلْكَ اللَّيْلَةُ أَقْصَرُ اللَّيَالِي ، فَالنَّهَارُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَاعَةً وَاللَّيْلُ تِسْعُ سَاعَاتٍ ، ثُمَّ يَأْخُذُ فِي النُّقْصَانِ وَتَرْجِعُ الشَّمْسَ ، فَإِذَا طَلَعَتِ الثُّرَيَّا اسْتَوَى اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً ، ثُمَّ تَبْلُغُ أَدْنَى مَنَازِلِهَا وَتَطْلُعُ النَّعَائِمَ ، وَذَلِكَ الْيَوْمُ أَقْصَرُ الْأَيَّامِ ، وَاللَّيْلُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَاعَةً ، حَتَّى إِذَا طَلَعَ فَرْغُ الدَّلْوِ الْمُؤَخَّرِ اسْتَوَى اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، فَيَأْخُذُ اللَّيْلُ مِنَ النَّهَارِ كُلَّ يَوْمٍ عُشْرَ ثُلُثِ سَاعَةٍ ، وَكُلَّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ثُلُثَ سَاعَةٍ ، وَكُلَّ شَهْرٍ سَاعَةً تَامَّةً ، حَتَّى يَسْتَوِيَا ، وَيَأْخُذُ اللَّيْلُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَاعَةً ، وَيَأْخُذُ النَّهَارُ مِنَ اللَّيْلِ كَذَلِكَ . وَقَالَ
الْحَسَنُ : إِنَّ لِلشَّمْسِ فِي السَّنَةِ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ مَطْلِعًا ، تَنْزِلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَطْلِعًا ، ثُمَّ لَا تَنْزِلُهُ إِلَى الْحَوْلِ ، فَهِيَ تَجْرِي فِي تِلْكَ الْمَنَازِلِ وَهِيَ مُسْتَقَرُّهَا . وَهُوَ مَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ سَوَاءً . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : إِنَّهَا إِذَا غَرَبَتْ وَانْتَهَتْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا تَتَجَاوَزُهُ اسْتَقَرَّتْ تَحْتَ الْعَرْشِ إِلَى أَنْ تَطْلُعَ .
قُلْتُ : مَا قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ يَجْمَعُ الْأَقْوَالَ فَتَأَمَّلْهُ . وَقِيلَ : إِلَى انْتِهَاءِ أَمَدِهَا عِنْدَ انْقِضَاءِ الدُّنْيَا وَقَرَأَ
ابْنُ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ " وَالشَّمْسُ تَجْرِي لَا مُسْتَقَرَ لَهَا " أَيْ : إِنَّهَا تَجْرِي فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَا وُقُوفَ لَهَا وَلَا قَرَارَ ، إِلَى أَنْ يُكَوِّرَهَا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ خَالَفَ الْمُصْحَفَ فَقَالَ : أَنَا أَقْرَأُ بِقِرَاءَةِ
ابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ . قَالَ
أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ : وَهَذَا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ عَلَى مَنْ نَقَلَهُ ; لِأَنَّ
أَبَا عَمْرٍو رَوَى عَنْ
مُجَاهِدٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ،
وَابْنَ كَثِيرٍ رَوَى عَنْ
مُجَاهِدٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=38وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا فَهَذَانَ السَّنَدَانِ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ اللَّذَانِ يَشْهَدُ بِصِحَّتِهِمَا الْإِجْمَاعُ - يُبْطِلَانِ مَا رُوِيَ بِالسَّنَدِ الضَّعِيفِ مِمَّا يُخَالِفُ مَذْهَبَ الْجَمَاعَةِ ، وَمَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ .
قُلْتُ : وَالْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا تَرُدُّ قَوْلَهُ ، فَمَا أَجْرَأَهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ ، قَاتَلَهُ اللَّهُ . وَقَوْلُهُ : " لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا " أَيْ : إِلَى مُسْتَقَرِّهَا ، وَالْمُسْتَقَرُّ مَوْضِعُ الْقَرَارِ . " ذَلِكَ تَقْدِيرُ " أَيِ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ أَمْرِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالشَّمْسِ تَقْدِيرُ " الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ " .