قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=41وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=42وخلقنا لهم من مثله ما يركبون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=43وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=44إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين .
[ ص: 33 ] قوله تعالى : " وآية لهم " يحتمل ثلاثة معان : أحدها : عبرة لهم ; لأن في الآيات اعتبارا . الثاني : نعمة عليهم ; لأن في الآيات إنعاما . الثالث : إنذار لهم ; لأن في الآيات إنذارا . أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون من أشكل ما في السورة ; لأنهم هم المحمولون . فقيل : المعنى وآية
لأهل مكة أنا حملنا ذرية القرون الماضية في الفلك المشحون . فالضميران مختلفان ; ذكره
المهدوي . وحكاه
النحاس عن
علي بن سليمان أنه سمعه يقول . وقيل : الضميران جميعا
لأهل مكة على أن يكون ذرياتهم أولادهم وضعفاءهم ; فالفلك على القول الأول سفينة
نوح . وعلى الثاني يكون اسما للجنس ; خبر - جل وعز - بلطفه وامتنانه أنه خلق السفن يحمل فيها من يصعب عليه المشي والركوب من الذرية والضعفاء ، فيكون الضميران على هذا متفقين . وقيل : الذرية الآباء والأجداد ، حملهم الله تعالى في سفينة
نوح عليه السلام ; فالآباء ذرية والأبناء ذرية ; بدليل هذه الآية ; قاله
أبو عثمان . وسمي الآباء ذرية ; لأن منهم ذرأ الأبناء . وقول رابع : أن الذرية النطف ، حملها الله تعالى في بطون النساء تشبيها بالفلك المشحون ; قاله
علي بن أبي طالب رضي الله عنه ; ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي . وقد مضى في [ البقرة ] اشتقاق الذرية والكلام فيها مستوفى . و " المشحون " المملوء الموقر ، و " الفلك " يكون واحدا وجمعا . وقد تقدم في [ يونس ] القول فيه .
قوله تعالى : وخلقنا لهم من مثله ما يركبون والأصل يركبونه ، فحذفت الهاء لطول الاسم وأنه رأس آية . وفي معناه ثلاثة أقوال : مذهب
مجاهد وقتادة وجماعة من أهل التفسير ، وروي عن
ابن عباس أن معنى " من مثله " للإبل ، خلقها لهم للركوب في البر مثل السفن المركوبة في البحر ; والعرب تشبه الإبل بالسفن . قال
طرفة :
كأن حدوج المالكية غدوة خلايا سفين بالنواصف من دد
جمع خلية وهي السفينة العظيمة . والقول الثاني : أنه للإبل والدواب وكل ما يركب . والقول الثالث : أنه للسفن ،
النحاس : وهو أصحها ; لأنه متصل الإسناد عن
ابن عباس .
[ ص: 34 ] " وخلقنا لهم من مثله ما يركبون " قال : خلق لهم سفنا أمثالها يركبون فيها . وقال
أبو مالك : إنها السفن الصغار خلقها مثل السفن الكبار . وروي عن
ابن عباس والحسن . وقال
الضحاك وغيره : هي السفن المتخذة بعد سفينة نوح . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : ويجيء على مقتضى تأويل
علي رضي الله عنه - في أن الذرية في الفلك المشحون هي النطف في بطون النساء ، قول خامس في قوله : وخلقنا لهم من مثله ما يركبون أن يكون تأويله : النساء خلقن لركوب الأزواج . لكن لم أره محكيا .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=43وإن نشأ نغرقهم أي في البحر ، فترجع الكناية إلى أصحاب الذرية ، أو إلى الجميع ، وهذا يدل على صحة قول
ابن عباس ومن قال : إن المراد " من مثله " السفن لا الإبل . " فلا صريخ لهم " أي لا مغيث لهم . رواه
سعيد عن
قتادة . وروى
شيبان عنه : فلا منعة لهم . ومعناهما متقاربان . و " صريخ " بمعنى مصرخ ، فعيل بمعنى فاعل . ويجوز " فلا صريخ لهم " ; لأن بعده ما لا يجوز فيه إلا الرفع ; لأنه معرفة ، وهو " ولا هم ينقذون " والنحويون يختارون " لا رجل في الدار ، ولا زيد " . " ولا هم ينقذون " ومعنى : ينقذون : يخلصون من الغرق . وقيل : من العذاب .
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=44إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين قال
الكسائي : هو نصب على الاستثناء . وقال
الزجاج : نصب مفعول من أجله ; أي : للرحمة ومتاعا معطوف عليه . " إلى حين " إلى الموت ; قاله
قتادة .
يحيى بن سلام : إلى القيامة ، أي : إلا أن نرحمهم ونمتعهم إلى آجالهم ، وأن الله عجل عذاب الأمم السالفة ، وأخر عذاب أمة محمد صلى الله عليه وسلم وإن كذبوه إلى الموت والقيامة .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=41وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=42وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=43وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=44إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ .
[ ص: 33 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : " وَآيَةٌ لَهُمْ " يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ : أَحَدُهَا : عِبْرَةٌ لَهُمْ ; لِأَنَّ فِي الْآيَاتِ اعْتِبَارًا . الثَّانِي : نِعْمَةٌ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ فِي الْآيَاتِ إِنْعَامًا . الثَّالِثُ : إِنْذَارٌ لَهُمْ ; لِأَنَّ فِي الْآيَاتِ إِنْذَارًا . أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ مِنْ أَشْكَلِ مَا فِي السُّورَةِ ; لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمَحْمُولُونَ . فَقِيلَ : الْمَعْنَى وَآيَةٌ
لِأَهْلِ مَكَّةَ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّةَ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ . فَالضَّمِيرَانِ مُخْتَلِفَانِ ; ذَكَرَهُ
الْمَهْدَوِيُّ . وَحَكَاهُ
النَّحَّاسُ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ . وَقِيلَ : الضَّمِيرَانِ جَمِيعًا
لِأَهْلِ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَكُونَ ذُرِّيَّاتُهُمْ أَوْلَادَهُمْ وَضُعَفَاءَهُمْ ; فَالْفُلْكُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ سَفِينَةُ
نُوحٍ . وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ اسْمًا لِلْجِنْسِ ; خَبَّرَ - جَلَّ وَعَزَّ - بِلُطْفِهِ وَامْتِنَانِهِ أَنَّهُ خَلَقَ السُّفُنَ يُحْمَلُ فِيهَا مَنْ يَصْعُبُ عَلَيْهِ الْمَشْيُ وَالرُّكُوبُ مِنَ الذُّرِّيَّةِ وَالضُّعَفَاءِ ، فَيَكُونُ الضَّمِيرَانِ عَلَى هَذَا مُتَّفِقَيْنِ . وَقِيلَ : الذُّرِّيَّةُ الْآبَاءُ وَالْأَجْدَادُ ، حَمَلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي سَفِينَةِ
نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ; فَالْآبَاءُ ذُرِّيَّةٌ وَالْأَبْنَاءُ ذُرِّيَّةٌ ; بِدَلِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ ; قَالَهُ
أَبُو عُثْمَانَ . وَسُمِّيَ الْآبَاءُ ذُرِّيَّةً ; لِأَنَّ مِنْهُمْ ذَرْأَ الْأَبْنَاءِ . وَقَوْلٌ رَابِعٌ : أَنَّ الذُّرِّيَّةَ النُّطَفُ ، حَمَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي بُطُونِ النِّسَاءِ تَشْبِيهًا بِالْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ; قَالَهُ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ; ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ . وَقَدْ مَضَى فِي [ الْبَقَرَةِ ] اشْتِقَاقُ الذُّرِّيَّةِ وَالْكَلَامُ فِيهَا مُسْتَوْفًى . وَ " الْمَشْحُونُ " الْمَمْلُوءُ الْمُوَقَّرُ ، وَ " الْفُلْكِ " يَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي [ يُونُسَ ] الْقَوْلُ فِيهِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ وَالْأَصْلُ يَرْكَبُونَهُ ، فَحُذِفَتِ الْهَاءُ لِطُولِ الِاسْمِ وَأَنَّهُ رَأْسُ آيَةٍ . وَفِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : مَذْهَبُ
مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ، وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَعْنَى " مِنْ مِثْلِهِ " لِلْإِبِلِ ، خَلَقَهَا لَهُمْ لِلرُّكُوبِ فِي الْبَرِّ مِثْلَ السُّفُنِ الْمَرْكُوبَةِ فِي الْبَحْرِ ; وَالْعَرَبُ تُشَبِّهُ الْإِبِلَ بِالسُّفُنِ . قَالَ
طَرَفَةُ :
كَأَنَّ حُدُوجَ الْمَالِكِيَّةِ غُدْوَةً خَلَايَا سَفِينٍ بِالنَّوَاصِفِ مِنْ دَدِ
جَمْعُ خَلِيَّةٍ وَهِيَ السَّفِينَةُ الْعَظِيمَةُ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ لِلْإِبِلِ وَالدَّوَابِّ وَكُلِّ مَا يُرْكَبُ . وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ لِلسُّفُنِ ،
النَّحَّاسُ : وَهُوَ أَصَحُّهَا ; لِأَنَّهُ مُتَّصِلُ الْإِسْنَادِ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ .
[ ص: 34 ] " وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ " قَالَ : خَلَقَ لَهُمْ سُفُنًا أَمْثَالَهَا يَرْكَبُونَ فِيهَا . وَقَالَ
أَبُو مَالِكٍ : إِنَّهَا السُّفُنُ الصِّغَارُ خَلَقَهَا مِثْلَ السُّفُنِ الْكِبَارِ . وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ . وَقَالَ
الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ : هِيَ السُّفُنُ الْمُتَّخَذَةُ بَعْدَ سَفِينَةِ نُوحٍ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ : وَيَجِيءُ عَلَى مُقْتَضَى تَأْوِيلِ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَنَّ الذُّرِّيَّةَ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ هِيَ النُّطَفُ فِي بُطُونِ النِّسَاءِ ، قَوْلٌ خَامِسٌ فِي قَوْلِهِ : وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُهُ : النِّسَاءُ خُلِقْنَ لِرُكُوبِ الْأَزْوَاجِ . لَكِنْ لَمْ أَرَهُ مَحْكِيًّا .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=43وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ أَيْ فِي الْبَحْرِ ، فَتَرْجِعُ الْكِنَايَةُ إِلَى أَصْحَابِ الذُّرِّيَّةِ ، أَوْ إِلَى الْجَمِيعِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ قَالَ : إِنَّ الْمُرَادَ " مِنْ مِثْلِهِ " السُّفُنُ لَا الْإِبِلُ . " فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ " أَيْ لَا مُغِيثَ لَهُمْ . رَوَاهُ
سَعِيدٌ عَنْ
قَتَادَةَ . وَرَوَى
شَيْبَانُ عَنْهُ : فَلَا مَنَعَةَ لَهُمْ . وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبَانِ . وَ " صَرِيخِ " بِمَعْنَى مُصْرِخٍ ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ . وَيَجُوزُ " فَلَا صَرِيخٌ لَهُمْ " ; لِأَنَّ بَعْدَهُ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ إِلَّا الرَّفْعُ ; لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ ، وَهُوَ " وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ " وَالنَّحْوِيُّونَ يَخْتَارُونَ " لَا رَجُلَ فِي الدَّارِ ، وَلَا زَيْدٌ " . " وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ " وَمَعْنَى : يُنْقَذُونَ : يُخَلَّصُونَ مِنَ الْغَرَقِ . وَقِيلَ : مِنَ الْعَذَابِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=44إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ قَالَ
الْكِسَائِيُّ : هُوَ نَصْبٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ . وَقَالَ
الزَّجَّاجُ : نَصْبُ مَفْعُولٍ مِنْ أَجَلِهِ ; أَيْ : لِلرَّحْمَةِ وَمَتَاعًا مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ . " إِلَى حِينٍ " إِلَى الْمَوْتِ ; قَالَهُ
قَتَادَةُ .
يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ : إِلَى الْقِيَامَةِ ، أَيْ : إِلَّا أَنْ نَرْحَمَهُمْ وَنُمَتِّعَهُمْ إِلَى آجَالِهِمْ ، وَأَنَّ اللَّهَ عَجَّلَ عَذَابَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ ، وَأَخَّرَ عَذَابَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَذَّبُوهُ إِلَى الْمَوْتِ وَالْقِيَامَةِ .