قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=45وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=46وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=47وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=48ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=49ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=50فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=45وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم قال
قتادة : يعني اتقوا ما بين أيديكم أي : من الوقائع فيمن كان قبلكم من الأمم ، وما خلفكم من الآخرة .
ابن [ ص: 35 ] عباس nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير ومجاهد : " ما بين أيديكم " ما مضى من الذنوب " وما خلفكم " ما يأتي من الذنوب .
الحسن : " ما بين أيديكم " ما مضى من أجلكم ، " وما خلفكم " ما بقي منه . وقيل : " ما بين أيديكم " من الدنيا ، " وما خلفكم " من عذاب الآخرة ; قاله
سفيان . وحكى عكس هذا القول
الثعلبي عن
ابن عباس . قال : " ما بين أيديكم " من أمر الآخرة وما عملوا لها ، " وما خلفكم " من أمر الدنيا فاحذروها ولا تغتروا بها . وقيل : " ما بين أيديكم " ما ظهر لكم ، " وما خلفكم " ما خفي عنكم . والجواب محذوف ، والتقدير : إذا قيل لهم ذلك أعرضوا ; دليله قوله بعد :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=46وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين فاكتفى بهذا عن ذلك .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=47وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله أي : تصدقوا على الفقراء . قال
الحسن : يعني
اليهود أمروا بإطعام الفقراء . وقيل : هم المشركون ، قال لهم فقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أعطونا ما زعمتم من أموالكم أنها لله ; وذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=136وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فحرموهم وقالوا : لو شاء الله أطعمكم - استهزاء - فلا نطعمكم حتى ترجعوا إلى ديننا .
قوله تعالى : " أنطعم " أي أنرزق
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=47من لو يشاء الله أطعمه كان بلغهم من قول المسلمين : أن الرازق هو الله . فقالوا هزءا : أنرزق من لو يشاء الله أغناه . وعن
ابن عباس : كان
بمكة زنادقة ، فإذا أمروا بالصدقة على المساكين قالوا : لا والله! أيفقره الله ونطعمه نحن . وكانوا يسمعون المؤمنين يعلقون أفعال الله تعالى بمشيئته فيقولون : لو شاء الله لأغنى فلانا ; ولو شاء الله لأعز ، ولو شاء الله لكان كذا . فأخرجوا هذا الجواب مخرج الاستهزاء بالمؤمنين ، وبما كانوا يقولونه من تعليق الأمور بمشيئة الله تعالى . وقيل : قالوا هذا تعلقا بقول المؤمنين لهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=47أنفقوا مما رزقكم الله أي : فإذا كان الله رزقنا فهو قادر على أن يرزقكم ، فلم تلتمسون الرزق منا ؟ وكان هذا الاحتجاج باطلا ; لأن الله تعالى إذا ملك عبدا مالا ثم أوجب عليه فيه حقا فكأنه انتزع ذلك القدر منه ، فلا معنى للاعتراض . وقد صدقوا في قولهم : لو شاء الله أطعمهم ، ولكن كذبوا في الاحتجاج . ومثله قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=47إن أنتم إلا في ضلال مبين قيل : هو من قول الكفار للمؤمنين ; أي : في سؤال المال وفي اتباعكم محمدا . قال معناه
مقاتل وغيره . وقيل : هو من قول أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -
[ ص: 36 ] لهم . وقيل : من قول الله تعالى للكفار حين ردوا بهذا الجواب . وقيل :
إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه - كان يطعم مساكين المسلمين فلقيه أبو جهل فقال : يا أبا بكر أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء ؟ قال : نعم . قال : فما باله لم يطعمهم ؟ قال : ابتلى قوما بالفقر ، وقوما بالغنى ، وأمر الفقراء بالصبر ، وأمر الأغنياء بالإعطاء . فقال : والله يا أبا بكر ما أنت إلا في ضلال ، أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء وهو لا يطعمهم ثم تطعمهم أنت ؟ فنزلت هذه الآية ، ونزل قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=5فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى الآيات . وقيل : نزلت الآية في قوم من الزنادقة ، وقد كان فيهم أقوام يتزندقون فلا يؤمنون بالصانع ، واستهزءوا بالمسلمين بهذا القول ; ذكره
القشيري nindex.php?page=showalam&ids=15151والماوردي .
" ويقولون متى هذا الوعد " لما قيل لهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=45اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم قالوا : " متى هذا الوعد " وكان هذا استهزاء منهم أيضا ، أي : لا تحقيق لهذا الوعيد ، قال الله تعالى : " ما ينظرون " أي ما ينتظرون
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=49إلا صيحة واحدة وهي نفخة إسرافيل
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=49تأخذهم وهم يخصمون أي يختصمون في أمور دنياهم فيموتون في مكانهم ; وهذه نفخة الصعق . وفي " يخصمون " خمس قراءات : قرأ
أبو عمرو وابن كثير : " وهم يخصمون " بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد . وكذا روى
ورش عن
نافع . فأما أصحاب القراءات وأصحاب
نافع سوى
ورش فرووا عنه " يخصمون " بإسكان الخاء وتشديد الصاد على الجمع بين ساكنين ، وقرأ
يحيى بن وثاب nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش وحمزة : " وهم يخصمون " بإسكان الخاء وتخفيف الصاد من خصمه ، وقرأ
عاصم nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وهم يخصمون بكسر الخاء وتشديد الصاد ، ومعناه يخصم بعضهم بعضا . وقيل : تأخذهم وهم عند أنفسهم يختصمون في الحجة أنهم لا يبعثون . وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=13033ابن جبير عن
أبي بكر عن
عاصم ،
وحماد عن
عاصم كسر الياء والخاء والتشديد . قال
النحاس : القراءة الأولى أبينها ، والأصل فيها يختصمون ، فأدغمت التاء في الصاد فنقلت حركتها إلى الخاء . وفي حرف
أبي " وهم يختصمون " وإسكان الخاء لا يجوز ; لأنه جمع بين ساكنين وليس أحدهما حرف مد ولين . وقيل : أسكنوا الخاء على أصلها ، والمعنى يخصم بعضهم بعضا ، فحذف المضاف ، وجاز أن يكون المعنى يخصمون مجادلهم عند أنفسهم ، فحذف المفعول . قال الثعلبي : وهي قراءة
أبي بن كعب . قال
النحاس : فأما " يخصمون " فالأصل فيه أيضا يختصمون ، فأدغمت التاء في الصاد ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين . وزعم
الفراء أن هذه القراءة أجود وأكثر ; فترك ما هو أولى من إلقاء
[ ص: 37 ] حركة التاء على الخاء واجتلب لها حركة أخرى وجمع بين ياء وكسرة ، وزعم أنه أجود وأكثر . وكيف يكون أكثر وبالفتح قراءة الخلق من
أهل مكة وأهل البصرة وأهل المدينة ؟ ! وما روي عن
عاصم من كسر الياء والخاء فللإتباع . وقد مضى هذا في [ البقرة ] في " يخطف أبصارهم " وفي [ يونس ] " يهدي " .
وقال
عكرمة في قوله - جل وعز - :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=49إلا صيحة واحدة قال : هي النفخة الأولى في الصور . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : ينفخ في الصور والناس في أسواقهم : فمن حالب لقحة ، ومن ذارع ثوبا ، ومن مار في حاجة . وروى
نعيم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864769تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعانه فلا يطويانه حتى تقوم الساعة ، والرجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم الساعة ، والرجل يخفض ميزانه فما يرفعه حتى تقوم الساعة ، والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما يبتلعها حتى تقوم الساعة . وفي حديث
عبد الله بن عمرو :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830972وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله - قال - فيصعق ويصعق الناس . . . الحديث .
فلا يستطيعون توصية أي لا يستطيع بعضهم أن يوصي بعضا لما في يده من حق . وقيل : لا يستطيع أن يوصي بعضهم بعضا بالتوبة والإقلاع ; بل يموتون في أسواقهم ومواضعهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=50ولا إلى أهلهم يرجعون إذا ماتوا . وقيل : إن معنى
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=50ولا إلى أهلهم يرجعون لا يرجعون إليهم قولا . وقال
قتادة :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=50ولا إلى أهلهم يرجعون أي : إلى منازلهم ; لأنهم قد أعجلوا عن ذلك .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=45وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=46وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=47وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=48وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=49مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=50فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=45وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ قَالَ
قَتَادَةُ : يَعْنِي اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ أَيْ : مِنَ الْوَقَائِعِ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ ، وَمَا خَلْفَكُمْ مِنَ الْآخِرَةِ .
ابْنُ [ ص: 35 ] عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=13033وَابْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ : " مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ " مَا مَضَى مِنَ الذُّنُوبِ " وَمَا خَلْفَكُمْ " مَا يَأْتِي مِنَ الذُّنُوبِ .
الْحَسَنُ : " مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ " مَا مَضَى مِنْ أَجَلِكُمْ ، " وَمَا خَلْفَكُمْ " مَا بَقِيَ مِنْهُ . وَقِيلَ : " مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ " مِنَ الدُّنْيَا ، " وَمَا خَلْفَكُمْ " مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ ; قَالَهُ
سُفْيَانُ . وَحَكَى عَكْسَ هَذَا الْقَوْلِ
الثَّعْلَبِيُّ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ . قَالَ : " مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ " مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ وَمَا عَمِلُوا لَهَا ، " وَمَا خَلْفَكُمْ " مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَاحْذَرُوهَا وَلَا تَغْتَرُّوا بِهَا . وَقِيلَ : " مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ " مَا ظَهَرَ لَكُمْ ، " وَمَا خَلْفَكُمْ " مَا خَفِيَ عَنْكُمْ . وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ ، وَالتَّقْدِيرُ : إِذَا قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ أَعْرَضُوا ; دَلِيلُهُ قَوْلُهُ بَعْدُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=46وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ فَاكْتَفَى بِهَذَا عَنْ ذَلِكَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=47وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أَيْ : تَصَدَّقُوا عَلَى الْفُقَرَاءِ . قَالَ
الْحَسَنُ : يَعْنِي
الْيَهُودَ أُمِرُوا بِإِطْعَامِ الْفُقَرَاءِ . وَقِيلَ : هُمُ الْمُشْرِكُونَ ، قَالَ لَهُمْ فُقَرَاءُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعْطُونَا مَا زَعَمْتُمْ مِنْ أَمْوَالِكُمْ أَنَّهَا لِلَّهِ ; وَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=136وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَحَرَمُوهُمْ وَقَالُوا : لَوْ شَاءَ اللَّهُ أَطْعَمَكُمْ - اسْتِهْزَاءً - فَلَا نُطْعِمُكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِنَا .
قَوْلُهُ تَعَالَى : " أَنُطْعِمُ " أَيْ أَنَرْزُقُ
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=47مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ كَانَ بَلَغَهُمْ مِنْ قَوْلِ الْمُسْلِمِينَ : أَنَّ الرَّازِقَ هُوَ اللَّهُ . فَقَالُوا هُزْءًا : أَنَرْزُقُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَغْنَاهُ . وَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : كَانَ
بِمَكَّةَ زَنَادِقَةٌ ، فَإِذَا أُمِرُوا بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْمَسَاكِينِ قَالُوا : لَا وَاللَّهِ! أَيُفْقِرُهُ اللَّهُ وَنُطْعِمُهُ نَحْنُ . وَكَانُوا يَسْمَعُونَ الْمُؤْمِنِينَ يُعَلِّقُونَ أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَشِيئَتِهِ فَيَقُولُونَ : لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَغْنَى فُلَانًا ; وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعَزَّ ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَكَانَ كَذَا . فَأَخْرَجُوا هَذَا الْجَوَابَ مَخْرَجَ الِاسْتِهْزَاءِ بِالْمُؤْمِنِينَ ، وَبِمَا كَانُوا يَقُولُونَهُ مِنْ تَعْلِيقِ الْأُمُورِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى . وَقِيلَ : قَالُوا هَذَا تَعَلُّقًا بِقَوْلِ الْمُؤْمِنِينَ لَهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=47أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أَيْ : فَإِذَا كَانَ اللَّهُ رَزَقَنَا فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَرْزُقَكُمْ ، فَلِمَ تَلْتَمِسُونَ الرِّزْقَ مِنَّا ؟ وَكَانَ هَذَا الِاحْتِجَاجُ بَاطِلًا ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا مَلَّكَ عَبْدًا مَالًا ثُمَّ أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِيهِ حَقًّا فَكَأَنَّهُ انْتَزَعَ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْهُ ، فَلَا مَعْنَى لِلِاعْتِرَاضِ . وَقَدْ صَدَقُوا فِي قَوْلِهِمْ : لَوْ شَاءَ اللَّهُ أَطْعَمَهُمْ ، وَلَكِنْ كَذَبُوا فِي الِاحْتِجَاجِ . وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=47إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ قِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْلِ الْكُفَّارِ لِلْمُؤْمِنِينَ ; أَيْ : فِي سُؤَالِ الْمَالِ وَفِي اتِّبَاعِكُمْ مُحَمَّدًا . قَالَ مَعْنَاهُ
مُقَاتِلٌ وَغَيْرُهُ . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
[ ص: 36 ] لَهُمْ . وَقِيلَ : مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْكُفَّارِ حِينَ رَدُّوا بِهَذَا الْجَوَابِ . وَقِيلَ :
إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُطْعِمُ مَسَاكِينَ الْمُسْلِمِينَ فَلَقِيَهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ أَتَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى إِطْعَامِ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَمَا بَالُهُ لَمْ يُطْعِمْهُمْ ؟ قَالَ : ابْتَلَى قَوْمًا بِالْفَقْرِ ، وَقَوْمًا بِالْغِنَى ، وَأَمَرَ الْفُقَرَاءَ بِالصَّبْرِ ، وَأَمَرَ الْأَغْنِيَاءَ بِالْإِعْطَاءِ . فَقَالَ : وَاللَّهِ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَنْتَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ، أَتَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى إِطْعَامِ هَؤُلَاءِ وَهُوَ لَا يُطْعِمُهُمْ ثُمَّ تُطْعِمُهُمْ أَنْتَ ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، وَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=5فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى الْآيَاتِ . وَقِيلَ : نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي قَوْمٍ مِنَ الزَّنَادِقَةِ ، وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ أَقْوَامٌ يَتَزَنْدَقُونَ فَلَا يُؤْمِنُونَ بِالصَّانِعِ ، وَاسْتَهْزَءُوا بِالْمُسْلِمِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ ; ذَكَرَهُ
الْقُشَيْرِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=15151وَالْمَاوَرْدِيُّ .
" وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ " لَمَّا قِيلَ لَهُمُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=45اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ قَالُوا : " مَتَى هَذَا الْوَعْدُ " وَكَانَ هَذَا اسْتِهْزَاءً مِنْهُمْ أَيْضًا ، أَيْ : لَا تَحْقِيقَ لِهَذَا الْوَعِيدِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : " مَا يَنْظُرُونَ " أَيْ مَا يَنْتَظِرُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=49إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً وَهِيَ نَفْخَةُ إِسْرَافِيلَ
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=49تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ أَيْ يَخْتَصِمُونَ فِي أُمُورِ دُنْيَاهُمْ فَيَمُوتُونَ فِي مَكَانِهِمْ ; وَهَذِهِ نَفْخَةُ الصَّعْقِ . وَفِي " يَخِصِّمُونَ " خَمْسُ قِرَاءَاتٍ : قَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ : " وَهُمْ يَخَصِّمُونَ " بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ . وَكَذَا رَوَى
وَرْشٌ عَنْ
نَافِعٍ . فَأَمَّا أَصْحَابُ الْقِرَاءَاتِ وَأَصْحَابُ
نَافِعٍ سِوَى
وَرْشٍ فَرَوَوْا عَنْهُ " يَخْصِّمُونَ " بِإِسْكَانِ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ سَاكِنَيْنِ ، وَقَرَأَ
يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ : " وَهُمْ يَخْصِمُونَ " بِإِسْكَانِ الْخَاءِ وَتَخْفِيفِ الصَّادِ مِنْ خَصَمَهُ ، وَقَرَأَ
عَاصِمٌ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ ، وَمَعْنَاهُ يَخْصِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا . وَقِيلَ : تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ يَخْتَصِمُونَ فِي الْحُجَّةِ أَنَّهُمْ لَا يُبْعَثُونَ . وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13033ابْنُ جُبَيْرٍ عَنْ
أَبِي بَكْرٍ عَنْ
عَاصِمٍ ،
وَحَمَّادٌ عَنْ
عَاصِمٍ كَسْرَ الْيَاءِ وَالْخَاءِ وَالتَّشْدِيدِ . قَالَ
النَّحَّاسُ : الْقِرَاءَةُ الْأُولَى أَبْيَنُهَا ، وَالْأَصْلُ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ، فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الصَّادِ فَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إِلَى الْخَاءِ . وَفِي حَرْفِ
أُبَيٍّ " وَهُمْ يَخْتَصِمُونَ " وَإِسْكَانُ الْخَاءِ لَا يَجُوزُ ; لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ سَاكِنَيْنِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا حَرْفَ مَدٍّ وَلِينٍ . وَقِيلَ : أَسْكَنُوا الْخَاءَ عَلَى أَصْلِهَا ، وَالْمَعْنَى يَخْصِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى يَخْصِمُونَ مُجَادِلَهُمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ ، فَحُذِفَ الْمَفْعُولُ . قَالَ الثَّعْلَبِيُّ : وَهِيَ قِرَاءَةُ
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ . قَالَ
النَّحَّاسُ : فَأَمَّا " يَخِصِّمُونَ " فَالْأَصْلُ فِيهِ أَيْضًا يَخْتَصِمُونَ ، فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الصَّادِ ثُمَّ كُسِرَتِ الْخَاءُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ . وَزَعَمَ
الْفَرَّاءُ أَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَجْوَدُ وَأَكْثَرُ ; فَتَرَكَ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْ إِلْقَاءِ
[ ص: 37 ] حَرَكَةِ التَّاءِ عَلَى الْخَاءِ وَاجْتَلَبَ لَهَا حَرَكَةً أُخْرَى وَجَمَعَ بَيْنَ يَاءٍ وَكَسْرَةٍ ، وَزَعَمَ أَنَّهُ أَجْوَدُ وَأَكْثَرُ . وَكَيْفَ يَكُونُ أَكْثَرَ وَبِالْفَتْحِ قِرَاءَةُ الْخَلْقِ مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ ؟ ! وَمَا رُوِيَ عَنْ
عَاصِمٍ مِنْ كَسْرِ الْيَاءِ وَالْخَاءِ فَلِلْإِتْبَاعِ . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي [ الْبَقَرَةِ ] فِي " يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ " وَفِي [ يُونُسَ ] " يَهِدِّي " .
وَقَالَ
عِكْرِمَةُ فِي قَوْلِهِ - جَلَّ وَعَزَّ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=49إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً قَالَ : هِيَ النَّفْخَةُ الْأُولَى فِي الصُّورِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ : يُنْفَخُ فِي الصُّوَرِ وَالنَّاسُ فِي أَسْوَاقِهِمْ : فَمِنْ حَالِبٍ لِقْحَةً ، وَمِنْ ذَارِعٍ ثَوْبًا ، وَمِنْ مَارٍّ فِي حَاجَةٍ . وَرَوَى
نُعَيْمٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864769تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلَانِ قَدْ نَشَرَا ثَوْبَهُمَا يَتَبَايَعَانِهِ فَلَا يَطْوِيَانِهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ، وَالرَّجُلُ يَلِيطُ حَوْضَهُ لِيَسْقِيَ مَاشِيَتَهُ فَمَا يَسْقِيهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ، وَالرَّجُلُ يَخْفِضُ مِيزَانَهُ فَمَا يَرْفَعُهُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ، وَالرَّجُلُ يَرْفَعُ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَمَا يَبْتَلِعُهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ . وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830972وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبِلِهِ - قَالَ - فَيُصْعَقُ وَيُصْعَقُ النَّاسُ . . . الْحَدِيثَ .
فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً أَيْ لَا يَسْتَطِيعُ بَعْضُهُمْ أَنْ يُوصِيَ بَعْضًا لِمَا فِي يَدِهِ مِنْ حَقٍّ . وَقِيلَ : لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُوصِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالتَّوْبَةِ وَالْإِقْلَاعِ ; بَلْ يَمُوتُونَ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَمَوَاضِعِهِمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=50وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ إِذَا مَاتُوا . وَقِيلَ : إِنَّ مَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=50وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ لَا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِمْ قَوْلًا . وَقَالَ
قَتَادَةُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=50وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ أَيْ : إِلَى مَنَازِلِهِمْ ; لِأَنَّهُمْ قَدْ أُعْجِلُوا عَنْ ذَلِكَ .