قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم .
[ ص: 217 ] nindex.php?page=treesubj&link=29018قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15مثل الجنة التي وعد المتقون لما قال - عز وجل - :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=12إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات وصف تلك الجنات ، أي : صفة الجنة المعدة للمتقين . وقد مضى الكلام في هذا في ( الرعد ) وقرأ
علي بن أبي طالب ( مثال الجنة التي وعد المتقون )
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15فيها أنهار من ماء غير آسن أي غير متغير الرائحة . والآسن من الماء مثل الآجن . وقد أسن الماء يأسن ويأسن أسنا وأسونا إذا تغيرت رائحته . وكذلك أجن الماء يأجن ويأجن أجنا وأجونا . ويقال بالكسر فيهما : أجن وأسن يأسن ويأجن أسنا وأجنا ، قاله
اليزيدي . وأسن الرجل أيضا يأسن ( بالكسر لا غير ) إذا دخل البئر فأصابته ريح منتنة من ريح البئر أو غير ذلك فغشي عليه أو دار رأسه ، قال
زهير :
قد أترك القرن مصفرا أنامله يميد في الرمح ميد المائح الأسن
ويروى ( الوسن ) وتأسن الماء تغير .
أبو زيد : تأسن علي تأسنا اعتل وأبطأ .
أبو عمرو : تأسن الرجل أباه أخذ أخلاقه . وقال
اللحياني : إذا نزع إليه في الشبه ، وقراءة العامة آسن بالمد . وقرأ
ابن كثير وحميد ( أسن ) بالقصر ، وهما لغتان ، مثل حاذر وحذر . وقال
الأخفش : أسن للحال ، وآسن ( مثل فاعل ) يراد به الاستقبال .
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15وأنهار من لبن لم يتغير طعمه أي لم يحمض بطول المقام كما تتغير ألبان الدنيا إلى الحموضة .
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15وأنهار من خمر لذة للشاربين أي لم تدنسها الأرجل ولم ترنقها الأيدي كخمر الدنيا ، فهي لذيذة الطعم طيبة الشرب لا يتكرهها الشاربون . يقال : شراب لذ ولذيذ بمعنى . واستلذه عده لذيذا .
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15وأنهار من عسل مصفى العسل ما يسيل من لعاب النحل . مصفى أي : من الشمع والقذى ، خلقه الله كذلك لم يطبخ على نار ولا دنسه النحل . وفي
الترمذي عن
حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831173إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار بعد . قال : حديث حسن صحيح . وفي صحيح مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831174سيحان وجيحان والنيل والفرات كل من أنهار الجنة . وقال
كعب : نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة ، ونهر الفرات نهر لبنهم ، ونهر
مصر نهر خمرهم ، ونهر سيحان نهر عسلهم . وهذه الأنهار الأربعة تخرج من نهر الكوثر . والعسل : يذكر ويؤنث . وقال
ابن عباس :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15من عسل مصفى أي : لم يخرج من بطون النحل .
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15ولهم فيها من كل الثمرات من زائدة للتأكيد . ومغفرة من ربهم أي لذنوبهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15كمن هو خالد في النار قال
الفراء :
[ ص: 218 ] المعنى أفمن يخلد في هذا النعيم كمن يخلد في النار . وقال
الزجاج : أي : أفمن كان على بينة من ربه وأعطي هذه الأشياء كمن زين له سوء عمله وهو خالد في النار . فقوله : كمن بدل من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8أفمن زين له سوء عمله . وقال
ابن كيسان : مثل هذه الجنة التي فيها الثمار والأنهار كمثل النار التي فيها الحميم والزقوم . ومثل أهل الجنة في النعيم المقيم كمثل أهل النار في العذاب المقيم .
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم أي حارا شديد الغليان ، إذا أدني منهم شوى وجوههم ، ووقعت فروة رءوسهم ، فإذا شربوه قطع أمعاءهم وأخرجها من دبورهم . والأمعاء : جمع معى ، والتثنية معيان ، وهو جميع ما في البطن من الحوايا .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ .
[ ص: 217 ] nindex.php?page=treesubj&link=29018قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ لَمَّا قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=12إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ وَصَفَ تِلْكَ الْجَنَّاتِ ، أَيْ : صِفَةُ الْجَنَّةِ الْمُعَدَّةِ لِلْمُتَّقِينَ . وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي ( الرَّعْدِ ) وَقَرَأَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ( مِثَالُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ )
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ أَيْ غَيْرَ مُتَغَيِّرِ الرَّائِحَةِ . وَالْآسِنُ مِنَ الْمَاءِ مِثْلُ الْآجِنِ . وَقَدْ أَسَنَ الْمَاءُ يَأْسُنُ وَيَأْسِنُ أَسْنًا وَأُسُونًا إِذَا تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ . وَكَذَلِكَ أَجَنَ الْمَاءُ يَأْجُنُ وَيَأْجِنُ أَجْنًا وَأُجُونًا . وَيُقَالُ بِالْكَسْرِ فِيهِمَا : أَجِنَ وَأَسِنَ يَأْسَنُ وَيَأْجَنُ أَسْنًا وَأَجْنًا ، قَالَهُ
الْيَزِيدِيُّ . وَأَسِنَ الرَّجُلُ أَيْضًا يَأْسَنُ ( بِالْكَسْرِ لَا غَيْرَ ) إِذَا دَخَلَ الْبِئْرَ فَأَصَابَتْهُ رِيحٌ مُنْتِنَةٌ مِنْ رِيحِ الْبِئْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَغُشِيَ عَلَيْهِ أَوْ دَارَ رَأْسُهُ ، قَالَ
زُهَيْرٌ :
قَدْ أَتْرُكُ الْقَرْنَ مُصْفَرًّا أَنَامِلُهُ يَمِيدُ فِي الرُّمْحِ مَيْدَ الْمَائِحِ الْأَسِنْ
وَيُرْوَى ( الْوَسِنِ ) وَتَأَسَّنَ الْمَاءُ تَغَيَّرَ .
أَبُو زَيْدٍ : تَأَسَّنَ عَلَيَّ تَأَسُّنًا اعْتَلَّ وَأَبْطَأَ .
أَبُو عَمْرٍو : تَأَسَّنَ الرَّجُلُ أَبَاهُ أَخَذَ أَخْلَاقَهُ . وَقَالَ
اللِّحْيَانِيُّ : إِذَا نَزَعَ إِلَيْهِ فِي الشَّبَهِ ، وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ آسِنٍ بِالْمَدِّ . وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَحُمَيْدٌ ( أَسِنَ ) بِالْقَصْرِ ، وَهُمَا لُغَتَانِ ، مِثْلُ حَاذِرٍ وَحَذِرِ . وَقَالَ
الْأَخْفَشُ : أَسِنَ لِلْحَالِ ، وَآسِنٌ ( مِثْلُ فَاعِلٍ ) يُرَادُ بِهِ الِاسْتِقْبَالُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ أَيْ لَمْ يَحْمُضْ بِطُولِ الْمَقَامِ كَمَا تَتَغَيَّرُ أَلْبَانُ الدُّنْيَا إِلَى الْحُمُوضَةِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ أَيْ لَمْ تُدَنِّسْهَا الْأَرْجُلُ وَلَمْ تُرَنِّقْهَا الْأَيْدِي كَخَمْرِ الدُّنْيَا ، فَهِيَ لَذِيذَةُ الطَّعْمِ طَيِّبَةُ الشُّرْبِ لَا يَتَكَرَّهُهَا الشَّارِبُونَ . يُقَالُ : شَرَابٌ لَذَّ وَلَذِيذٌ بِمَعْنًى . وَاسْتَلَذَّهُ عَدَّهُ لَذِيذًا .
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى الْعَسَلُ مَا يَسِيلُ مِنْ لُعَابِ النَّحْلِ . مُصَفًّى أَيْ : مِنَ الشَّمْعِ وَالْقَذَى ، خَلَقَهُ اللَّهُ كَذَلِكَ لَمْ يُطْبَخْ عَلَى نَارٍ وَلَا دَنَّسَهُ النَّحْلُ . وَفِي
التِّرْمِذِيِّ عَنْ
حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831173إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَحْرُ الْمَاءِ وَبَحْرُ الْعَسَلِ وَبَحْرُ اللَّبَنِ وَبَحْرُ الْخَمْرِ ثُمَّ تُشَقَّقُ الْأَنْهَارُ بَعْدُ . قَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831174سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ . وَقَالَ
كَعْبٌ : نَهْرُ دِجْلَةَ نَهْرُ مَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَنَهْرُ الْفُرَاتِ نَهْرُ لَبَنِهِمْ ، وَنَهْرُ
مِصْرَ نَهْرُ خَمْرِهِمْ ، وَنَهْرُ سَيْحَانَ نَهْرُ عَسَلِهِمْ . وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ الْأَرْبَعَةُ تَخْرُجُ مِنْ نَهْرِ الْكَوْثَرِ . وَالْعَسَلُ : يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى أَيْ : لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بُطُونِ النَّحْلِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ مِنْ زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ . وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ أَيْ لِذُنُوبِهِمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ قَالَ
الْفَرَّاءُ :
[ ص: 218 ] الْمَعْنَى أَفَمَنْ يَخْلُدُ فِي هَذَا النَّعِيمِ كَمَنْ يَخْلُدُ فِي النَّارِ . وَقَالَ
الزَّجَّاجُ : أَيْ : أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَأُعْطِيَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَهُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ . فَقَوْلُهُ : كَمَنْ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ . وَقَالَ
ابْنُ كَيْسَانَ : مَثَلُ هَذِهِ الْجَنَّةِ الَّتِي فِيهَا الثِّمَارُ وَالْأَنْهَارُ كَمَثَلِ النَّارِ الَّتِي فِيهَا الْحَمِيمُ وَالزَّقُّومُ . وَمَثَلُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ كَمَثَلِ أَهْلِ النَّارِ فِي الْعَذَابِ الْمُقِيمِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ أَيْ حَارًّا شَدِيدَ الْغَلَيَانِ ، إِذَا أُدْنِيَ مِنْهُمْ شَوَى وُجُوهَهُمْ ، وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رُءُوسِهِمْ ، فَإِذَا شَرِبُوهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ وَأَخْرَجَهَا مِنْ دُبُورِهِمْ . وَالْأَمْعَاءُ : جَمْعُ مِعًى ، وَالتَّثْنِيَةُ مِعَيَانِ ، وَهُوَ جَمِيعُ مَا فِي الْبَطْنِ مِنَ الْحَوَايَا .