قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=14قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم .
[ ص: 315 ] نزلت في أعراب من
بني أسد بن خزيمة قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سنة جدبة وأظهروا الشهادتين ولم يكونوا مؤمنين في السر . وأفسدوا طرق
المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارها ، وكانوا يقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان فأعطنا من الصدقة ، وجعلوا يمنون عليه فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية . وقال
ابن عباس : نزلت في أعراب أرادوا أن يتسموا باسم الهجرة قبل أن يهاجروا ، فأعلم الله أن لهم أسماء الأعراب لا أسماء المهاجرين . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : نزلت في الأعراب المذكورين في سورة الفتح : أعراب
مزينة وجهينة وأسلم وغفار والديل وأشجع ، قالوا آمنا ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم ، فلما استنفروا إلى
المدينة تخلفوا ، فنزلت .
وبالجملة فالآية خاصة لبعض الأعراب ; لأن منهم من يؤمن بالله واليوم الآخر كما وصف الله تعالى . ومعنى ولكن قولوا أسلمنا أي : استسلمنا خوف القتل والسبي ، وهذه صفة المنافقين ; لأنهم أسلموا في ظاهر إيمانهم ولم تؤمن قلوبهم ، وحقيقة الإيمان التصديق بالقلب . وأما الإسلام فقبول ما أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - في الظاهر ، وذلك يحقن الدم .
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=14وإن تطيعوا الله ورسوله يعني إن تخلصوا الإيمان لا يلتكم أي : لا ينقصكم . من أعمالكم شيئا لاته يليته ويلوته : نقصه . وقرأ
أبو عمرو ( لا يألتكم ) بالهمزة ، من ألت يألت ألتا ، وهو اختيار
أبي حاتم ، اعتبارا بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=21وما ألتناهم من عملهم من شيء قال الشاعر :
أبلغ بني ثعل عني مغلغلة جهد الرسالة لا ألتا ولا كذبا
واختار الأولى
أبو عبيد . قال
رؤبة :
وليلة ذات ندى سريت ولم يلتني عن سراها ليت
أي : لم يمنعني عن سراها مانع ، وكذلك ألاته عن وجهه ، فعل وأفعل بمعنى . ويقال أيضا : ما ألاته من عمله شيئا ، أي : ما نقصه ، مثل ألته ، قاله
الفراء . وأنشد [ للشاعر
عدي بن زيد ] :
ويأكلن ما أعنى الولي فلم يلت كأن بحافات النهاء المزارعا
قوله : فلم يلت أي : لم ينقص منه شيئا . وأعنى بمعنى أنبت ، يقال : ما أعنت الأرض شيئا ، أي : ما أنبتت . والولي المطر بعد الوسمي ، سمي وليا لأنه يلي الوسمي . ولم يقل : لا يألتاكم ، لأن طاعة الله تعالى طاعة الرسول .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=14قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
[ ص: 315 ] نَزَلَتْ فِي أَعْرَابٍ مِنْ
بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَنَةٍ جَدْبَةٍ وَأَظْهَرُوا الشَّهَادَتَيْنِ وَلَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فِي السِّرِّ . وَأَفْسَدُوا طُرُقَ
الْمَدِينَةِ بِالْعَذِرَاتِ وَأَغْلَوْا أَسْعَارَهَا ، وَكَانُوا يَقُولُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَتَيْنَاكَ بِالْأَثْقَالِ وَالْعِيَالِ وَلَمْ نُقَاتِلْكَ كَمَا قَاتَلَكَ بَنُو فُلَانٍ فَأَعْطِنَا مِنَ الصَّدَقَةِ ، وَجَعَلُوا يَمُنُّونَ عَلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : نَزَلَتْ فِي أَعْرَابٍ أَرَادُوا أَنْ يَتَسَمَّوْا بِاسْمِ الْهِجْرَةِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرُوا ، فَأَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّ لَهُمْ أَسْمَاءَ الْأَعْرَابِ لَا أَسْمَاءَ الْمُهَاجِرِينَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : نَزَلَتْ فِي الْأَعْرَابِ الْمَذْكُورِينَ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ : أَعْرَابِ
مُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ وَأَسْلَمَ وَغِفَارٍ وَالدِّيلِ وَأَشْجَعَ ، قَالُوا آمَنَّا لِيَأْمَنُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ، فَلَمَّا اسْتُنْفِرُوا إِلَى
الْمَدِينَةِ تَخَلَّفُوا ، فَنَزَلَتْ .
وَبِالْجُمْلَةِ فَالْآيَةُ خَاصَّةٌ لِبَعْضِ الْأَعْرَابِ ; لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ كَمَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى . وَمَعْنَى وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا أَيِ : اسْتَسْلَمْنَا خَوْفَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ ، وَهَذِهِ صِفَةُ الْمُنَافِقِينَ ; لِأَنَّهُمْ أَسْلَمُوا فِي ظَاهِرِ إِيمَانِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ، وَحَقِيقَةُ الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ . وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَقَبُولُ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الظَّاهِرِ ، وَذَلِكَ يَحْقِنُ الدَّمَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=14وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَعْنِي إِنْ تُخْلِصُوا الْإِيمَانَ لَا يَلِتْكُمْ أَيْ : لَا يُنْقِصُكُمْ . مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا لَاتَهُ يَلِيتُهُ وَيَلُوتُهُ : نَقَصَهُ . وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو ( لَا يَأْلِتُكُمْ ) بِالْهَمْزَةِ ، مِنْ أَلَتَ يَأْلِتُ أَلْتًا ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
أَبِي حَاتِمٍ ، اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=21وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قَالَ الشَّاعِرُ :
أَبْلِغْ بَنِي ثُعَلٍ عَنِّي مُغَلْغَلَةً جَهْدَ الرِّسَالَةِ لَا أَلْتًا وَلَا كَذِبَا
وَاخْتَارَ الْأُولَى
أَبُو عُبَيْدٍ . قَالَ
رُؤْبَةُ :
وَلَيْلَةٍ ذَاتَ نَدًى سَرَيْتُ وَلَمْ يَلِتْنِي عَنْ سُرَاهَا لَيْتُ
أَيْ : لَمْ يَمْنَعْنِي عَنْ سُرَاهَا مَانِعٌ ، وَكَذَلِكَ أَلَاتَهُ عَنْ وَجْهِهِ ، فَعَلَ وَأَفْعَلَ بِمَعْنًى . وَيُقَالُ أَيْضًا : مَا أَلَاتَهُ مِنْ عَمَلِهِ شَيْئًا ، أَيْ : مَا نَقَصَهُ ، مِثْلُ أَلَتَهُ ، قَالَهُ
الْفَرَّاءُ . وَأَنْشَدَ [ لِلشَّاعِرِ
عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ ] :
وَيَأْكُلْنَ مَا أَعَنَى الْوَلِيُّ فَلَمْ يَلِتْ كَأَنَّ بِحَافَّاتِ النِّهَاءِ الْمَزَارِعَا
قَوْلُهُ : فَلَمْ يَلِتْ أَيْ : لَمْ يُنْقِصْ مِنْهُ شَيْئًا . وَأَعَنَى بِمَعْنَى أَنْبَتَ ، يُقَالُ : مَا أَعْنَتَ الْأَرْضُ شَيْئًا ، أَيْ : مَا أَنْبَتَتْ . وَالْوَلِيُّ الْمَطَرُ بَعْدَ الْوَسْمِيِّ ، سُمِّيَ وَلِيًّا لِأَنَّهُ يَلِي الْوَسْمِيَّ . وَلَمْ يَقُلْ : لَا يَأْلِتَاكُمْ ، لِأَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ تَعَالَى طَاعَةُ الرَّسُولِ .