[ ص: 256 ] سورة المعارج
وهي مكية باتفاق . وهي أربع وأربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سأل سائل بعذاب واقع قرأ
نافع وابن عامر " سال سايل " بغير همزة . الباقون بالهمز . فمن همز فهو من السؤال . والباء يجوز أن تكون زائدة ، ويجوز أن تكون بمعنى عن . والسؤال بمعنى الدعاء ; أي دعا داع بعذاب ; عن
ابن عباس وغيره . يقال : دعا على فلان بالويل ، ودعا عليه بالعذاب . ويقال : دعوت زيدا ; أي التمست إحضاره . أي التمس ملتمس عذابا للكافرين ; وهو واقع بهم لا محالة يوم القيامة . وعلى هذا فالباء زائدة ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=20تنبت بالدهن ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25وهزي إليك بجذع النخلة فهي تأكيد . أي سأل سائل عذابا واقعا .
للكافرين أي على الكافرين . وهو
النضر بن الحارث حيث قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=32اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزل
[ ص: 257 ] سؤاله ، وقتل يوم
بدر صبرا هو
وعقبة بن أبي معيط ; لم يقتل صبرا غيرهما ; قاله
ابن عباس ومجاهد . وقيل : إن السائل هنا هو
nindex.php?page=hadith&LINKID=865335الحارث بن النعمان الفهري . وذلك أنه لما بلغه قول النبي صلى الله عليه وسلم في علي رضي الله عنه : " من كنت مولاه فعلي مولاه " ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته بالأبطح ثم قال : يا محمد ، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه منك ، وأن نصلي خمسا فقبلناه منك ، ونزكي أموالنا فقبلناه منك ، وأن نصوم شهر رمضان في كل عام فقبلناه منك ، وأن نحج فقبلناه منك ، ثم لم ترض بهذا حتى فضلت ابن عمك علينا ! أفهذا شيء منك أم من الله ؟ ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " والله الذي لا إله إلا هو ما هو إلا من الله " . فولى الحارث وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم . فوالله ما وصل إلى ناقته حتى رماه الله بحجر فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله ; فنزلت : nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سأل سائل بعذاب واقع الآية . وقيل : إن السائل هنا
أبو جهل وهو القائل لذلك ، قاله
الربيع . وقيل : إنه قول جماعة من كفار
قريش . وقيل : هو
نوح عليه السلام سأل العذاب على الكافرين . وقيل : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم أي دعا عليه السلام بالعقاب وطلب أن يوقعه الله بالكفار ; وهو واقع بهم لا محالة . وامتد الكلام إلى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=5فاصبر صبرا جميلا أي لا تستعجل فإنه قريب . وإذا كانت الباء بمعنى عن - وهو قول
قتادة - فكأن سائلا سأل عن العذاب بمن يقع أو متى يقع . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=59فاسأل به خبيرا أي سل عنه . وقال
علقمة :
فإن تسألوني بالنساء فإنني بصير بأدواء النساء طبيب
أي عن النساء . ويقال : خرجنا نسأل عن فلان وبفلان . فالمعنى سألوا بمن يقع العذاب ولمن يكون فقال الله : للكافرين . قال
أبو علي وغيره : وإذا كان من السؤال فأصله أن يتعدى إلى مفعولين ويجوز الاقتصار على أحدهما . وإذا اقتصر على أحدهما جاز أن يتعدى إليه بحرف جر ; فيكون التقدير : سأل سائل النبي صلى الله عليه وسلم أو المسلمين بعذاب أو عن عذاب . ومن
[ ص: 258 ] قرأ بغير همز فله وجهان : أحدهما : أنه لغة في السؤال وهي لغة
قريش ; تقول العرب : سال يسال ; مثل نال ينال وخاف يخاف . والثاني : أن يكون من السيلان ; ويؤيده قراءة
ابن عباس " سال سيل " . قال
عبد الرحمن بن زيد : سال واد من أودية جهنم يقال له : سائل ; وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت . قال
الثعلبي : والأول أحسن ; كقول
الأعشى في تخفيف الهمزة :
سالتاني الطلاق إذ رأتاني قل مالي قد جئتماني بنكر
وفي الصحاح : قال
الأخفش : يقال خرجنا نسأل عن فلان وبفلان . وقد تخفف همزته فيقال : سال يسال . وقال :
ومرهق سال إمتاعا بأصدته لم يستعن وحوامي الموت تغشاه
المرهق : الذي أدرك ليقتل . والأصدة بالضم : قميص صغير يلبس تحت الثوب .
المهدوي : من قرأ " سال " جاز أن يكون خفف الهمزة بإبدالها ألفا ، وهو البدل على غير قياس . وجاز أن تكون الألف منقلبة عن واو على لغة من قال : سلت أسال ; كخفت أخاف .
النحاس : حكى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه سلت أسال ; مثل خفت أخاف ; بمعنى سألت . وأنشد :
سالت هذيل رسول الله فاحشة ضلت هذيل بما سالت ولم تصب
ويقال : هما يتساولان .
المهدوي : وجاز أن تكون مبدلة من ياء ، من سال يسيل . ويكون سايل واديا في جهنم ; فهمزة سايل على القول الأول أصلية ، وعلى الثاني بدل من واو ، وعلى الثالث بدل من ياء .
القشيري : وسائل مهموز ; لأنه إن كان من سأل بالهمز فهو مهموز ، وإن كان من غير الهمز كان مهموزا أيضا ; نحو قائل وخائف ; لأن العين اعتل في الفعل واعتل في اسم الفاعل أيضا . ولم يكن الاعتلال بالحذف لخوف الالتباس ، فكان بالقلب إلى الهمزة ، ولك تخفيف الهمزة حتى تكون بين بين . " واقع " أي يقع بالكفار ، بين أنه من الله ذي المعارج .
وقال
الحسن : أنزل الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سأل سائل بعذاب واقع فقال : لمن هو ؟ فقال : للكافرين ; فاللام في الكافرين متعلقة ب " واقع " . وقال
الفراء : التقدير بعذاب للكافرين واقع ; فالواقع من نعت العذاب ، واللام دخلت للعذاب لا للواقع ، أي هذا العذاب للكافرين في الآخرة لا يدفعه عنهم أحد . وقيل إن اللام بمعنى على ، والمعنى : واقع على الكافرين . وروي أنها في قراءة
أبي كذلك . وقيل : بمعنى عن ; أي ليس له دافع عن الكافرين من الله .
[ ص: 259 ] أي ذلك العذاب من الله ذي المعارج أي ذي العلو والدرجات الفواضل والنعم ; قاله
ابن عباس وقتادة فالمعارج مراتب إنعامه على الخلق وقيل ذي العظمة والعلاء وقال
مجاهد : هي معارج السماء . وقيل : هي معارج الملائكة ; لأن الملائكة تعرج إلى السماء فوصف نفسه بذلك . وقيل : المعارج الغرف ; أي إنه ذو الغرف ، أي جعل لأوليائه في الجنة غرفا . وقرأ
عبد الله " ذي المعاريج " بالياء . يقال : معرج ومعراج ومعارج ومعاريج ; مثل مفتاح ومفاتيح . والمعارج الدرجات ; ومنه :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33ومعارج عليها يظهرون .
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4تعرج الملائكة والروح أي تصعد في المعارج التي جعلها الله لهم . وقرأ
ابن مسعود وأصحابه
والسلمي nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي " يعرج " بالياء على إرادة الجمع ; ولقوله : ذكروا الملائكة ولا تؤنثوهم . وقرأ الباقون بالتاء على إرادة الجماعة . والروح جبريل عليه السلام ; قاله
ابن عباس . دليله قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نزل به الروح الأمين . وقيل : هو ملك آخر عظيم الخلقة . وقال
أبو صالح : إنه خلق من خلق الله كهيئة الناس وليس بالناس . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16812قبيصة بن ذؤيب : إنه روح الميت حين يقبض . " إليه " أي إلى المكان الذي هو محلهم وهو في السماء ; لأنها محل بره وكرامته . وقيل : هو كقول
إبراهيم :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=99إني ذاهب إلى ربي . أي إلى الموضع الذي أمرني به . وقيل :
" إليه " أي إلى عرشه .
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال
وهب والكلبي nindex.php?page=showalam&ids=16903ومحمد بن إسحاق : أي عروج الملائكة إلى المكان الذي هو محلهم في وقت كان مقداره على غيرهم لو صعد خمسين ألف سنة . وقال
وهب أيضا : ما بين أسفل الأرض إلى العرش مسيرة خمسين ألف سنة . وهو قول
مجاهد . وجمع بين هذه الآية وبين قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=5في يوم كان مقداره ألف سنة في سورة السجدة ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة من منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى منتهى أمره من فوق السموات خمسون ألف سنة . وقوله تعالى في ( الم تنزيل ) :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=5في يوم كان مقداره ألف سنة يعني بذلك نزول الأمر من سماء الدنيا إلى الأرض ، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد فذلك مقدار ألف سنة لأن ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام . وعن
مجاهد أيضا
والحكم وعكرمة : هو
nindex.php?page=treesubj&link=32437_28661مدة عمر الدنيا من أول ما خلقت إلى آخر ما بقي خمسون ألف سنة . لا يدري أحد كم مضى ولا كم بقي إلا الله عز وجل . وقيل : المراد يوم القيامة ، أي مقدار
الحكم فيه لو تولاه مخلوق
[ ص: 260 ] خمسون ألف سنة ، قاله
عكرمة أيضا
والكلبي nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب . يقول سبحانه وتعالى وأنا أفرغ منه في ساعة . وقال
الحسن : هو يوم القيامة ، ولكن يوم القيامة لا نفاد له . فالمراد ذكر موقفهم للحساب فهو في خمسين ألف سنة من سني الدنيا ، ثم حينئذ يستقر أهل الدارين في الدارين . وقال
يمان : هو يوم القيامة ، فيه خمسون موطنا كل موطن ألف سنة . وقال
ابن عباس : هو يوم القيامة ، جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة ، ثم يدخلون النار للاستقرار .
قلت : وهذا القول أحسن ما قيل في الآية إن شاء الله ، بدليل ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831473قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة . فقلت : ما أطول هذا ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة المكتوبة يصليها في الدنيا " . واستدل
النحاس على صحة هذا القول بما رواه
سهيل عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=865336 " ما من رجل لم يؤد زكاة مال إلا جعل شجاعا من نار تكوى به جبهته وظهره وجنباه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين الناس " . قال : فهذا يدل على أنه يوم القيامة . وقال
إبراهيم التيمي : ما قدر ذلك اليوم على المؤمن إلا قدر ما بين الظهر والعصر . وروي هذا المعنى مرفوعا من حديث
معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" يحاسبكم الله تعالى بمقدار ما بين الصلاتين ؛ ولذلك سمى نفسه سريع الحساب وأسرع الحاسبين " . ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي . وقيل : بل يكون الفراغ لنصف يوم ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=24أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا . وهذا على قدر فهم الخلائق ، وإلا فلا يشغله شأن عن شأن . وكما يرزقهم في ساعة كذا يحاسبهم في لحظة ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=28ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة . وعن
ابن عباس أيضا أنه سئل عن هذه الآية وعن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=5في يوم كان مقداره ألف سنة فقال : أيام سماها الله عز وجل هو أعلم بها كيف تكون ، وأكره أن أقول فيها ما لا أعلم . وقيل : معنى ذكر خمسين ألف سنة
[ ص: 261 ] تمثيل ، وهو تعريف طول مدة القيامة في الموقف ، وما يلقى الناس فيه من الشدائد . والعرب تصف أيام الشدة بالطول ، وأيام الفرح بالقصر ; قال الشاعر :
ويوم كظل الرمح قصر طوله دم الزق عنا واصطفاق المزاهر
وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ; والمعنى : سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له من الله دافع ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة تعرج الملائكة والروح إليه . وهذا القول هو معنى ما اخترناه ، والموفق الإله .
[ ص: 256 ] سُورَةُ الْمَعَارِجِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقٍ . وَهِيَ أَرْبَعٌ وَأَرْبَعُونَ آيَةً
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ قَرَأَ
نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ " سَالَ سَايِلٌ " بِغَيْرِ هَمْزَةٍ . الْبَاقُونَ بِالْهَمْزِ . فَمَنْ هَمَزَ فَهُوَ مِنَ السُّؤَالِ . وَالْبَاءُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى عَنْ . وَالسُّؤَالُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ ; أَيْ دَعَا دَاعٍ بِعَذَابٍ ; عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ . يُقَالُ : دَعَا عَلَى فُلَانٍ بِالْوَيْلِ ، وَدَعَا عَلَيْهِ بِالْعَذَابِ . وَيُقَالُ : دَعَوْتُ زَيْدًا ; أَيِ الْتَمَسْتُ إِحْضَارَهُ . أَيِ الْتَمَسَ مُلْتَمِسٌ عَذَابًا لِلْكَافِرِينَ ; وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَعَلَى هَذَا فَالْبَاءُ زَائِدَةٌ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=20تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ فَهِيَ تَأْكِيدٌ . أَيْ سَأَلَ سَائِلٌ عَذَابًا وَاقِعًا .
لِلْكَافِرِينَ أَيْ عَلَى الْكَافِرِينَ . وَهُوَ
النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ حَيْثُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=32اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ فَنَزَلَ
[ ص: 257 ] سُؤَالُهُ ، وَقُتِلَ يَوْمَ
بَدْرٍ صَبْرًا هُوَ
وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ ; لَمْ يُقْتَلْ صَبْرًا غَيْرُهُمَا ; قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ . وَقِيلَ : إِنَّ السَّائِلَ هُنَا هُوَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=865335الْحَارِثُ بْنُ النُّعْمَانِ الْفِهْرِيُّ . وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ " رَكِبَ نَاقَتَهُ فَجَاءَ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ بِالْأَبْطَحِ ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَمَرْتَنَا عَنِ اللَّهِ أَنْ نَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ ، وَأَنْ نُصَلِّيَ خَمْسًا فَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ ، وَنُزَكِّيَ أَمْوَالَنَا فَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ ، وَأَنَّ نَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ فِي كُلِّ عَامٍ فَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ ، وَأَنْ نَحُجَّ فَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ ، ثُمَّ لَمْ تَرْضَ بِهَذَا حَتَّى فَضَّلْتَ ابْنَ عَمِّكَ عَلَيْنَا ! أَفَهَذَا شَيْءٌ مِنْكَ أَمْ مِنَ اللَّهِ ؟ ! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا هُوَ إِلَّا مِنَ اللَّهِ " . فَوَلَّى الْحَارِثُ وَهُوَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . فَوَاللَّهِ مَا وَصَلَ إِلَى نَاقَتِهِ حَتَّى رَمَاهُ اللَّهُ بِحَجَرٍ فَوَقَعَ عَلَى دِمَاغِهِ فَخَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ فَقَتَلَهُ ; فَنَزَلَتْ : nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ الْآيَةَ . وَقِيلَ : إِنَّ السَّائِلَ هُنَا
أَبُو جَهْلٍ وَهُوَ الْقَائِلُ لِذَلِكَ ، قَالَهُ
الرَّبِيعُ . وَقِيلَ : إِنَّهُ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ كُفَّارِ
قُرَيْشٍ . وَقِيلَ : هُوَ
نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَ الْعَذَابَ عَلَى الْكَافِرِينَ . وَقِيلَ : هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ دَعَا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْعِقَابِ وَطَلَبَ أَنْ يُوقِعَهُ اللَّهُ بِالْكُفَّارِ ; وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ . وَامْتَدَّ الْكَلَامُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=5فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا أَيْ لَا تَسْتَعْجِلْ فَإِنَّهُ قَرِيبٌ . وَإِذَا كَانَتِ الْبَاءُ بِمَعْنَى عَنْ - وَهُوَ قَوْلُ
قَتَادَةَ - فَكَأَنَّ سَائِلًا سَأَلَ عَنِ الْعَذَابِ بِمَنْ يَقَعُ أَوْ مَتَى يَقَعُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=59فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا أَيْ سَلْ عَنْهُ . وَقَالَ
عَلْقَمَةُ :
فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي بَصِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ
أَيْ عَنِ النِّسَاءِ . وَيُقَالُ : خَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْ فُلَانٍ وَبِفُلَانٍ . فَالْمَعْنَى سَأَلُوا بِمَنْ يَقَعُ الْعَذَابُ وَلِمَنْ يَكُونُ فَقَالَ اللَّهُ : لِلْكَافِرِينَ . قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ وَغَيْرُهُ : وَإِذَا كَانَ مِنَ السُّؤَالِ فَأَصْلُهُ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا . وَإِذَا اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا جَازَ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَيْهِ بِحَرْفِ جَرٍّ ; فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ : سَأَلَ سَائِلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ الْمُسْلِمِينَ بِعَذَابٍ أَوْ عَنْ عَذَابٍ . وَمَنْ
[ ص: 258 ] قَرَأَ بِغَيْرِ هَمْزٍ فَلَهُ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لُغَةٌ فِي السُّؤَالِ وَهِيَ لُغَةُ
قُرَيْشٍ ; تَقُولُ الْعَرَبُ : سَالَ يَسَالُ ; مِثْلَ نَالَ يَنَالُ وَخَافَ يَخَافُ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مِنَ السَّيَلَانِ ; وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ
ابْنِ عَبَّاسٍ " سَالَ سَيْلٌ " . قَالَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ : سَالَ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ جَهَنَّمَ يُقَالُ لَهُ : سَائِلٌ ; وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=47زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ . قَالَ
الثَّعْلَبِيُّ : وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ ; كَقَوْلِ
الْأَعْشَى فِي تَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ :
سَالَتَانِي الطَّلَاقَ إِذْ رَأَتَانِي قَلَّ مَالِي قَدْ جِئْتُمَانِي بِنُكْرِ
وَفِي الصِّحَاحِ : قَالَ
الْأَخْفَشُ : يُقَالُ خَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْ فُلَانٍ وَبِفُلَانٍ . وَقَدْ تُخَفَّفُ هَمْزَتُهُ فَيُقَالُ : سَالَ يَسَالُ . وَقَالَ :
وَمُرْهَقٍ سَالَ إِمْتَاعًا بِأُصْدَتِهِ لَمْ يَسْتَعِنْ وَحَوَامِي الْمَوْتِ تَغْشَاهُ
الْمُرْهَقُ : الَّذِي أُدْرِكَ لِيُقْتَلَ . وَالْأُصْدَةُ بِالضَّمِّ : قَمِيصٌ صَغِيرٌ يُلْبَسُ تَحْتَ الثَّوْبِ .
الْمَهْدَوِيُّ : مَنْ قَرَأَ " سَالَ " جَازَ أَنْ يَكُونَ خَفَّفَ الْهَمْزَةَ بِإِبْدَالِهَا أَلِفًا ، وَهُوَ الْبَدَلُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ . وَجَازَ أَنْ تَكُونَ الْأَلِفُ مُنْقَلِبَةً عَنْ وَاوٍ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ : سِلْتُ أَسَالَ ; كَخِفْتُ أَخَافُ .
النَّحَّاسُ : حَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ سِلْتُ أَسَالَ ; مِثْلُ خِفْتُ أَخَافَ ; بِمَعْنَى سَأَلْتُ . وَأَنْشَدَ :
سَالَتْ هُذَيْلٌ رَسُولَ اللَّهِ فَاحِشَةً ضَلَّتْ هُذَيْلٌ بِمَا سَالَتْ وَلَمْ تُصِبِ
وَيُقَالُ : هُمَا يَتَسَاوَلَانِ .
الْمَهْدَوِيُّ : وَجَازَ أَنْ تَكُونَ مُبْدَلَةً مِنْ يَاءٍ ، مِنْ سَالَ يَسِيلُ . وَيَكُونُ سَايِلٌ وَادِيًا فِي جَهَنَّمَ ; فَهَمْزَةُ سَايِلٍ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَصْلِيَّةٌ ، وَعَلَى الثَّانِي بَدَلٌ مِنْ وَاوٍ ، وَعَلَى الثَّالِثِ بَدَلٌ مِنْ يَاءٍ .
الْقُشَيْرِيُّ : وَسَائِلٌ مَهْمُوزٌ ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ سَأَلَ بِالْهَمْزِ فَهُوَ مَهْمُوزٌ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْهَمْزِ كَانَ مَهْمُوزًا أَيْضًا ; نَحْوَ قَائِلٍ وَخَائِفٍ ; لِأَنَّ الْعَيْنَ اعْتَلَّ فِي الْفِعْلِ وَاعْتَلَّ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْضًا . وَلَمْ يَكُنِ الِاعْتِلَالُ بِالْحَذْفِ لِخَوْفِ الِالْتِبَاسِ ، فَكَانَ بِالْقَلْبِ إِلَى الْهَمْزَةِ ، وَلَكَ تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ حَتَّى تَكُونَ بَيْنَ بَيْنَ . " وَاقِعٌ " أَيْ يَقَعُ بِالْكُفَّارِ ، بَيَّنَ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ .
وَقَالَ
الْحَسَنُ : أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ فَقَالَ : لِمَنْ هُوَ ؟ فَقَالَ : لِلْكَافِرِينَ ; فَاللَّامُ فِي الْكَافِرِينَ مُتَعَلِّقَةٌ بِ " وَاقِعٍ " . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : التَّقْدِيرُ بِعَذَابٍ لِلْكَافِرِينَ وَاقِعٍ ; فَالْوَاقِعُ مِنْ نَعْتِ الْعَذَابِ ، وَاللَّامُ دَخَلَتْ لِلْعَذَابِ لَا لِلْوَاقِعِ ، أَيْ هَذَا الْعَذَابُ لِلْكَافِرِينَ فِي الْآخِرَةِ لَا يَدْفَعُهُ عَنْهُمْ أَحَدٌ . وَقِيلَ إِنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى عَلَى ، وَالْمَعْنَى : وَاقِعٌ عَلَى الْكَافِرِينَ . وَرُوِيَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ
أُبَيٍّ كَذَلِكَ . وَقِيلَ : بِمَعْنَى عَنْ ; أَيْ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ عَنِ الْكَافِرِينَ مِنَ اللَّهِ .
[ ص: 259 ] أَيْ ذَلِكَ الْعَذَابُ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ أَيْ ذِي الْعُلُوِّ وَالدَّرَجَاتِ الْفَوَاضِلِ وَالنِّعَمِ ; قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ فَالْمَعَارِجُ مَرَاتِبُ إِنْعَامِهِ عَلَى الْخَلْقِ وَقِيلَ ذِي الْعَظَمَةِ وَالْعَلَاءِ وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : هِيَ مَعَارِجُ السَّمَاءِ . وَقِيلَ : هِيَ مَعَارِجُ الْمَلَائِكَةِ ; لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَعْرُجُ إِلَى السَّمَاءِ فَوَصَفَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ . وَقِيلَ : الْمَعَارِجُ الْغُرَفُ ; أَيْ إِنَّهُ ذُو الْغُرَفِ ، أَيْ جَعَلَ لِأَوْلِيَائِهِ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا . وَقَرَأَ
عَبْدُ اللَّهِ " ذِي الْمَعَارِيجِ " بِالْيَاءِ . يُقَالُ : مَعْرَجٌ وَمِعْرَاجٌ وَمَعَارِجُ وَمَعَارِيجُ ; مِثْلَ مِفْتَاحٍ وَمَفَاتِيحَ . وَالْمَعَارِجُ الدَّرَجَاتُ ; وَمِنْهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ أَيْ تَصْعَدُ فِي الْمَعَارِجِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُمْ . وَقَرَأَ
ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابُهُ
وَالسُّلَمِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ " يَعْرُجُ " بِالْيَاءِ عَلَى إِرَادَةِ الْجَمْعِ ; وَلِقَوْلِهِ : ذَكِّرُوا الْمَلَائِكَةَ وَلَا تُؤَنِّثُوهُمْ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ عَلَى إِرَادَةِ الْجَمَاعَةِ . وَالرُّوحُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ; قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ . دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . وَقِيلَ : هُوَ مَلَكٌ آخَرُ عَظِيمُ الْخِلْقَةِ . وَقَالَ
أَبُو صَالِحٍ : إِنَّهُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ كَهَيْئَةِ النَّاسِ وَلَيْسَ بِالنَّاسِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16812قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ : إِنَّهُ رُوحُ الْمَيِّتِ حِينَ يُقْبَضُ . " إِلَيْهِ " أَيْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّهُمْ وَهُوَ فِي السَّمَاءِ ; لِأَنَّهَا مَحَلُّ بِرِّهِ وَكَرَامَتِهِ . وَقِيلَ : هُوَ كَقَوْلِ
إِبْرَاهِيمَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=99إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي . أَيْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَمَرَنِي بِهِ . وَقِيلَ :
" إِلَيْهِ " أَيْ إِلَى عَرْشِهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ
وَهْبٌ وَالْكَلْبِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=16903وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : أَيْ عُرُوجُ الْمَلَائِكَةِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّهُمْ فِي وَقْتٍ كَانَ مِقْدَارُهُ عَلَى غَيْرِهِمْ لَوْ صَعِدَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةً . وَقَالَ
وَهْبٌ أَيْضًا : مَا بَيْنَ أَسْفَلِ الْأَرْضِ إِلَى الْعَرْشِ مَسِيرَةَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ . وَهُوَ قَوْلُ
مُجَاهِدٍ . وَجَمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=5فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ فِي سُورَةِ السَّجْدَةِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِنْ مُنْتَهَى أَمْرِهِ مِنْ أَسْفَلِ الْأَرْضِينَ إِلَى مُنْتَهَى أَمْرِهِ مِنْ فَوْقِ السَّمَوَاتِ خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي ( الم تَنْزِيلُ ) :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=5فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ يَعْنِي بِذَلِكَ نُزُولَ الْأَمْرِ مِنْ سَمَاءِ الدُّنْيَا إِلَى الْأَرْضِ ، وَمِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَذَلِكَ مِقْدَارُ أَلْفِ سَنَةٍ لِأَنَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ . وَعَنْ
مُجَاهِدٍ أَيْضًا
وَالْحَكَمِ وَعِكْرِمَةَ : هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=32437_28661مُدَّةُ عُمُرِ الدُّنْيَا مِنْ أَوَّلِ مَا خُلِقَتْ إِلَى آخِرِ مَا بَقِيَ خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ . لَا يَدْرِي أَحَدٌ كَمْ مَضَى وَلَا كَمْ بَقِيَ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَيْ مِقْدَارُ
الْحُكْمِ فِيهِ لَوْ تَوَلَّاهُ مَخْلُوقٌ
[ ص: 260 ] خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ ، قَالَهُ
عِكْرِمَةُ أَيْضًا
وَالْكَلْبِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=14980وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ . يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَنَا أَفْرُغُ مِنْهُ فِي سَاعَةٍ . وَقَالَ
الْحَسَنُ : هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، وَلَكِنْ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لَا نَفَادَ لَهُ . فَالْمُرَادُ ذِكْرُ مَوْقِفِهِمْ لِلْحِسَابِ فَهُوَ فِي خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِنْ سِنِي الدُّنْيَا ، ثُمَّ حِينَئِذٍ يَسْتَقِرُّ أَهْلُ الدَّارَيْنِ فِي الدَّارَيْنِ . وَقَالَ
يَمَانُ : هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، فِيهِ خَمْسُونَ مَوْطِنًا كُلُّ مَوْطِنٍ أَلْفُ سَنَةٍ . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، جَعَلَهُ اللَّهُ عَلَى الْكَافِرِينَ مِقْدَارَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ، ثُمَّ يَدْخُلُونَ النَّارَ لِلِاسْتِقْرَارِ .
قُلْتُ : وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16802قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831473قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ . فَقُلْتُ : مَا أَطْوَلُ هَذَا ! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَيُخَفَّفُ عَنِ الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ يُصَلِّيهَا فِي الدُّنْيَا " . وَاسْتَدَلَّ
النَّحَّاسُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ بِمَا رَوَاهُ
سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=865336 " مَا مِنْ رَجُلٍ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاةَ مَالٍ إِلَّا جُعِلَ شُجَاعًا مِنْ نَارٍ تُكْوَى بِهِ جَبْهَتُهُ وَظَهْرُهُ وَجَنْبَاهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنَ النَّاسِ " . قَالَ : فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ . وَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ : مَا قَدْرُ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى الْمُؤْمِنِ إِلَّا قَدْرُ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ . وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ
مُعَاذٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
" يُحَاسِبُكُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِمِقْدَارِ مَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ ؛ وَلِذَلِكَ سَمَّى نَفْسَهُ سَرِيعَ الْحِسَابِ وَأَسْرَعَ الْحَاسِبِينَ " . ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ . وَقِيلَ : بَلْ يَكُونُ الْفَرَاغُ لِنِصْفِ يَوْمٍ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=24أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا . وَهَذَا عَلَى قَدْرِ فَهْمِ الْخَلَائِقِ ، وَإِلَّا فَلَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ . وَكَمَا يَرْزُقُهُمْ فِي سَاعَةٍ كَذَا يُحَاسِبُهُمْ فِي لَحْظَةٍ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=28مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ . وَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=5فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ فَقَالَ : أَيَّامٌ سَمَّاهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ أَعْلَمُ بِهَا كَيْفَ تَكُونُ ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَقُولَ فِيهَا مَا لَا أَعْلَمُ . وَقِيلَ : مَعْنَى ذَكَرَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ
[ ص: 261 ] تَمْثِيلٌ ، وَهُوَ تَعْرِيفُ طُولِ مُدَّةِ الْقِيَامَةِ فِي الْمَوْقِفِ ، وَمَا يَلْقَى النَّاسُ فِيهِ مِنَ الشَّدَائِدِ . وَالْعَرَبُ تَصِفُ أَيَّامَ الشِّدَّةِ بِالطُّولِ ، وَأَيَّامَ الْفَرَحِ بِالْقِصَرِ ; قَالَ الشَّاعِرَ :
وَيَوْمٌ كَظِلِّ الرُّمْحِ قَصَّرَ طُولَهُ دَمُ الزِّقِّ عَنَّا وَاصْطِفَاقُ الْمَزَاهِرِ
وَقِيلَ : فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ ; وَالْمَعْنَى : سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ مِنَ اللَّهِ دَافِعٌ ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ . وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ مَعْنَى مَا اخْتَرْنَاهُ ، وَالْمُوَفِّقُ الْإِلَهُ .