nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=44nindex.php?page=treesubj&link=29040ولو تقول علينا بعض الأقاويل nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=45لأخذنا منه باليمين nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=46ثم لقطعنا منه الوتين nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=47فما منكم من أحد عنه حاجزين هذه الجملة عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=38لا أقسم بما تبصرون nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=39وما لا تبصرون فهي مشمولة لما أفادته الفاء من التفريع على ما اقتضاه تكذيبهم بالبعث من تكذيبهم القرآن ومن جاء به وقال : إنه وحي من الله تعالى .
فمفاد هذه الجملة استدلال ثان على أن
nindex.php?page=treesubj&link=32238القرآن منزل من عند الله تعالى على طريقة المذهب الكلامي ، بعد الاستدلال الأول المستند إلى القسم والمؤكدات على طريقة الاستدلال الخطابي .
وهو استدلال بما هو مقرر في الأذهان من أن الله واسع القدرة ، وأنه عليم فلا يقرر أحدا على أن يقول عنه كلاما لم يقله ، أي لو لم يكن القرآن منزلا من عندنا
ومحمد ادعى أنه منزل منا ، لما أقررناه على ذلك ، ولعجلنا بإهلاكه . فعدم هلاكه
[ ص: 145 ] - صلى الله عليه وسلم - دال على أنه لم يتقوله على الله ، فإن ( لو ) تقتضي انتفاء مضمون شرطها لانتفاء مضمون جوابها .
فحصل من هذا الكلام غرضان مهمان :
أحدهما : يعود إلى ما تقدم أي زيادة إبطال لمزاعم المشركين أن القرآن شعر أو كهانة إبطالا جامعا لإبطال النوعين ، أي ويوضح مخالفة القرآن لهذين النوعين من الكلام أن الآتي به ينسبه إلى وحي الله وما علمتم شاعرا ولا كاهنا يزعم أن كلامه من عند الله .
وثانيهما : إبطال زعم لهم لم يسبق التصريح بإبطاله وهو قول فريق منهم افتراه ، أي نسبه إلى الله افتراء وتقوله على الله قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=33أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فبين لهم أنه لو افترى على الله لما أقره على ذلك .
ثم إن هذا الغرض يستتبع غرضا آخر وهو تأييسهم من أن يأتي بقرآن لا يخالف دينهم ولا يسفه أحلامهم وأصنامهم ، قال تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=15قال الذين لا يرجون لقاءنا آئت بقرآن غير هذا أو بدله ) وهذه الجملة معطوفة عطف اعتراض فلك أن تجعل الواو اعتراضية فإنه لا معنى للواو الاعتراضية إلا ذلك .
والتقول : نسبة قول لمن لم يقله ، وهو تفعل من القول صيغت هذه الصيغة الدالة على التكلف ؛ لأن الذي ينسب إلى غيره قولا لم يقله يتكلف ويختلق ذلك الكلام ، ولكونه في معنى كذب عدي ب ( على ) .
والمعنى : لو كذب علينا فأخبر أنا قلنا قولا لم نقله إلخ .
و ( بعض ) اسم يدل على مقدار من نوع ما يضاف هو إليه ، وهو هنا منصوب على المفعول به ل ( تقول ) .
والأقاويل : جمع أقوال الذي هو جمع قول ، أي بعضا من جنس الأقوال التي هي كثيرة فلكثرتها جيء لها بجمع الجمع الدال على الكثرة ، أي ولو نسب إلينا قليلا من أقوال كثيرة صادقة يعني لو نسب إلينا شيئا قليلا من القرآن لم ننزله لأخذنا منه باليمين ، إلى آخره .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=45لأخذنا منه باليمين لأخذناه بقوة ، أي دون إمهال فالباء للسببية .
[ ص: 146 ] واليمين : اليد اليمنى كني بها عن الاهتمام بالتمكن من المأخوذ ؛ لأن اليمين أقوى عملا من الشمال لكثرة استخدامها فنسبة التصرف إليها شهيرة .
وتقدم ذلك في مواضع منها قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم في سورة البقرة وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=17وعن أيمانهم وعن شمائلهم في سورة الأعراف وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=48ولا تخطه بيمينك في سورة العنكبوت .
وقال
أبو الغول الطهوي :
فدت نفسي وما ملكت يميني فوارس صدقوا فيهم ظنوني
والمعنى : لأخذناه أخذا عاجلا فقطعنا وتينه ، وفي هذا تهويل لصورة الأخذ فلذلك لم يقتصر على نحو : لأهلكناه .
و ( منه ) متعلق ب ( أخذنا ) تعلق المفعول بعامله . و ( من ) زائدة في الإثبات على رأي
الأخفش والكوفيين وهو الراجح . وقد بينته عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل ، فإن ( النخل ) معطوف على ( خضرا ) بزيادة ( من ) ولولا اعتبار الزيادة لما استقام الإعراب إلا بكلفة ، وفائدة ( من ) الزائدة في الكلام أن أصلها التبعيض المجازي على وجه التمليح كأنه يقول : نأخذ بعضه .
والوتين : عرق معلق به القلب ويسمى النياط ، وهو الذي يسقي الجسد بالدم ولذلك يقال له : نهر الجسد ، وهو إذا قطع مات صاحبه وهو يقطع عند نحر الجزور .
فقطع الوتين من أحوال الجزور ونحرها ، فشبه عقاب من يفرض تقوله على الله بجزور تنحر فيقطع وتينها .
ولم أقف على أن العرب كانوا يكنون عن الإهلاك بقطع الوتين ، فهذا من مبتكرات القرآن .
و ( منه ) صفة للوتين ، أو متعلق ب ( قطعنا ) أي أزلناه منه .
وبين ( منه ) الأولى و ( منه ) الثانية محسن الجناس .
[ ص: 147 ] وأما موقع تفريع قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=47فما منكم من أحد عنه حاجزين فهو شديد الاتصال بما استتبعه فرض التقول من تأييسهم من أن يتقول على الله كلاما لا يسوءهم ، ففي تلك الحالة من أحوال التقول لو أخذنا منه باليمين فقطعنا منه الوتين ، لا يستطيع أحد منكم أو من غيركم أن يحجز عنه ذلك العقاب ، وبدون هذا الاتصال لا يظهر معنى تعجيزهم عن نصره ؛ إذ ليسوا من الولاء له بمظنة نصره ، فمعنى هذه الآية يحوم حول معنى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=73وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذن لاتخذوك خليلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=74ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=75إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا .
والخطاب في قوله منكم للمشركين .
وإنما أخبر عن أحد وهو مفرد ب ( حاجزين ) جمعا لأن ( أحد ) هنا وإن كان لفظه مفردا فهو في معنى الجمع ؛ لأن ( أحد ) إذا كان بمعنى ذات أو شخص لا يقع إلا في سياق النفي مثل عريب ، وديار ونحوهما من النكرات التي لا تستعمل إلا منفية فيفيد العموم ، أي كل واحد لا يستطيع الحجز عنه ويستوي في لفظه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285لا نفرق بين أحد من رسله وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=32لستن كأحد من النساء . والمعنى : ما منكم أناس يستطيعون الحجز عنه .
والحجز : الدفع والحيلولة ، أي لا أحد منكم يحجزنا عنه . والضمير عائد إلى ( رسول كريم ) .
و ( من ) في قوله من أحد مزيدة لتأكيد النفي وللتنصيص على العموم .
وذكر ( منكم ) مع ( عنه ) تجنيس محرف .
وهذه الآية دليل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=23639الله تعالى لا يبقي أحدا يدعي أن الله أوحى إليه كلاما يبلغه إلى الناس ، وأنه يعجل بهلاكه .
فأما من يدعي النبوة دون ادعاء قول أوحي إليه ، فإن الله قد يهلكه بعد حين كما كان في أمر
الأسود العنسي الذي ادعى النبوة
باليمن ، ومسيلمة الحنفي الذي
[ ص: 148 ] ادعى النبوة في
اليمامة ، فإنهما لم يأتيا بكلام ينسبانه إلى الله تعالى ، فكان إهلاكهما بعد مدة ، ومثلهما من ادعوا النبوءة في الإسلام مثل (
بابك ومازيار ) .
وقال
الفخر : قيل : اليمين بمعنى القوة والقدرة ، والمعنى : لأخذنا منه اليمين ، أي سلبنا عنه القوة ، والباء على هذا التقدير صلة زائدة . واعلم أن حاصل هذا أنه لو نسب إلينا قولا لم نقله لمنعناه عن ذلك : إما بواسطة إقامة الحجة فإنا نقيض له من يعارضه فيه وحينئذ يظهر للناس كذبه فيه فيكون ذلك إبطالا لدعواه وهدما لكلامه ، وإما بأن نسلب عنه القدرة على التكلم بذلك القول ، وهذا هو الواجب في حكمة الله تعالى لئلا يشتبه الصادق بالكاذب اهـ . فركب من تفسير اليمين بمعنى القوة ، أن المراد قوة المتقول لا قوة الله وانتزع من ذلك تأويل الباء على معنى الزيادة ولم يسبقه بهذا التأويل أحد من المفسرين ولا تبعه فيه من بعده فيما رأينا . وفيه نظر ، وقد تبين بما فسرنا به الآية عدم الاحتجاج إلى تأويل الفخر .
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=44nindex.php?page=treesubj&link=29040وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=45لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=46ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=47فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=38لَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=39وَمَا لَا تُبْصِرُونَ فَهِيَ مَشْمُولَةٌ لِمَا أَفَادَتْهُ الْفَاءُ مِنَ التَّفْرِيعِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ تَكْذِيبُهُمْ بِالْبَعْثِ مِنْ تَكْذِيبِهِمُ الْقُرْآنَ وَمَنْ جَاءَ بِهِ وَقَالَ : إِنَّهُ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى .
فَمُفَادُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ اسْتِدْلَالٌ ثَانٍ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32238الْقُرْآنَ مَنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى طَرِيقَةِ الْمَذْهَبِ الْكَلَامِيِّ ، بَعْدَ الْاسْتِدْلَالِ الْأَوَّلِ الْمُسْتَنِدِ إِلَى الْقَسَمِ وَالْمُؤَكِّدَاتِ عَلَى طَرِيقَةِ الْاسْتِدْلَالِ الْخِطَابِيِّ .
وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأَذْهَانِ مِنْ أَنَّ اللَّهَ وَاسِعُ الْقُدْرَةِ ، وَأَنَّهُ عَلِيمٌ فَلَا يُقَرِّرُ أَحَدًا عَلَى أَنْ يَقُولَ عَنْهُ كَلَامًا لَمْ يَقُلْهُ ، أَيْ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْقُرْآنُ مُنَزَّلًا مِنْ عِنْدِنَا
وَمُحَمَّدٌ ادَّعَى أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَّا ، لَمَا أَقْرَرْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَعَجَّلْنَا بِإِهْلَاكِهِ . فَعَدَمُ هَلَاكِهِ
[ ص: 145 ] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَقَوَّلْهُ عَلَى اللَّهِ ، فَإِنَّ ( لَوْ ) تَقْتَضِي انْتِفَاءَ مَضْمُونِ شَرْطِهَا لِانْتِفَاءِ مَضْمُونِ جَوَابِهَا .
فَحَصَلَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ غَرَضَانِ مُهِمَّانِ :
أَحَدُهُمَا : يَعُودُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ أَيْ زِيَادَةِ إِبْطَالٍ لِمَزَاعِمِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّ الْقُرْآنَ شِعْرٌ أَوْ كَهَانَةٌ إِبْطَالًا جَامِعًا لِإِبْطَالِ النَّوْعَيْنِ ، أَيْ وَيُوَضِّحُ مُخَالَفَةَ الْقُرْآنِ لِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الْكَلَامِ أَنَّ الْآتِيَ بِهِ يَنْسُبُهُ إِلَى وَحْيِ اللَّهِ وَمَا عَلِمْتُمْ شَاعِرًا وَلَا كَاهِنًا يَزْعُمُ أَنَّ كَلَامَهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ .
وَثَانِيهُمَا : إِبْطَالُ زَعْمٍ لَهُمْ لَمْ يَسْبِقِ التَّصْرِيحُ بِإِبْطَالِهِ وَهُوَ قَوْلُ فَرِيقٍ مِنْهُمُ افْتَرَاهُ ، أَيْ نَسَبَهُ إِلَى اللَّهِ افْتِرَاءً وَتَقَوَّلَهُ عَلَى اللَّهِ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=33أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ لَوِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ لَمَا أَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ .
ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْغَرَضَ يَسْتَتْبِعُ غَرَضًا آخَرَ وَهُوَ تَأْيِيسُهُمْ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ بِقُرْآنٍ لَا يُخَالِفُ دِينَهُمْ وَلَا يُسَفِّهُ أَحْلَامَهُمْ وَأَصْنَامَهُمْ ، قَالَ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=15قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا آئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ ) وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَطْفَ اعْتِرَاضٍ فَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْوَاوَ اعْتِرَاضِيَّةً فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْوَاوِ الْاعْتِرَاضِيَّةِ إِلَّا ذَلِكَ .
وَالتَّقَوُّلُ : نِسْبَةُ قَوْلٍ لِمَنْ لَمْ يَقُلْهُ ، وَهُوَ تَفَعُّلٌ مِنَ الْقَوْلِ صِيغَتْ هَذِهِ الصِّيغَةَ الدَّالَّةَ عَلَى التَّكَلُّفِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُنْسَبُ إِلَى غَيْرِهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ يَتَكَلَّفُ وَيَخْتَلِقُ ذَلِكَ الْكَلَامَ ، وَلِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى كَذِبٍ عُدِّيَ بِ ( عَلَى ) .
وَالْمَعْنَى : لَوْ كَذَبَ عَلَيْنَا فَأَخْبَرَ أَنَّا قُلْنَا قَوْلًا لَمْ نَقُلْهُ إِلَخْ .
وَ ( بَعْضَ ) اسْمٌ يَدُلُّ عَلَى مِقْدَارٍ مِنْ نَوْعِ مَا يُضَافُ هُوَ إِلَيْهِ ، وَهُوَ هُنَا مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ لِ ( تَقَوَّلَ ) .
وَالْأَقَاوِيلِ : جَمْعُ أَقْوَالٍ الَّذِي هُوَ جَمْعُ قَوْلٍ ، أَيْ بَعْضًا مِنْ جِنْسِ الْأَقْوَالِ الَّتِي هِيَ كَثِيرَةٌ فَلِكَثْرَتِهَا جِيءَ لَهَا بِجَمْعِ الْجَمْعِ الدَّالِّ عَلَى الْكَثْرَةِ ، أَيْ وَلَوْ نَسَبَ إِلَيْنَا قَلِيلًا مِنْ أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ صَادِقَةٍ يَعْنِي لَوْ نَسَبَ إِلَيْنَا شَيْئًا قَلِيلًا مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ نُنْزِلْهُ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ، إِلَى آخِرِهِ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=45لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ لَأَخَذْنَاهُ بِقُوَّةٍ ، أَيْ دُونَ إِمْهَالٍ فَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ .
[ ص: 146 ] وَالْيَمِينُ : الْيَدُ الْيُمْنَى كُنِّيَ بِهَا عَنِ الْاهْتِمَامِ بِالتَّمَكُّنِ مِنَ الْمَأْخُوذِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَقْوَى عَمَلًا مِنَ الشِّمَالِ لِكَثْرَةِ اسْتِخْدَامِهَا فَنِسْبَةُ التَّصَرُّفِ إِلَيْهَا شَهِيرَةٌ .
وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=17وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=48وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ .
وَقَالَ
أَبُو الْغُولِ الطَّهَوِيُّ :
فَدَتْ نَفْسِي وَمَا مَلَكَتْ يَمِينِي فَوَارِسَ صَدَّقُوا فِيهِمْ ظُنُونِي
وَالْمَعْنَى : لَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا عَاجِلًا فَقَطَعْنَا وَتِينَهُ ، وَفِي هَذَا تَهْوِيلٌ لِصُورَةِ الْأَخْذِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى نَحْوِ : لَأَهْلَكْنَاهُ .
وَ ( مِنْهُ ) مُتَعَلِّقٌ بِ ( أَخَذْنَا ) تَعَلُّقَ الْمَفْعُولِ بِعَامِلِهِ . وَ ( مِنْ ) زَائِدَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى رَأْيِ
الْأَخْفَشِ وَالْكُوفِيِّينَ وَهُوَ الرَّاجِحُ . وَقَدْ بَيَّنْتُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ ، فَإِنَّ ( النَّخْلِ ) مَعْطُوفٌ عَلَى ( خَضِرًا ) بِزِيَادَةِ ( مِنْ ) وَلَوْلَا اعْتِبَارُ الزِّيَادَةِ لَمَا اسْتَقَامَ الْإِعْرَابُ إِلَّا بِكُلْفَةٍ ، وَفَائِدَةُ ( مِنْ ) الزَّائِدَةِ فِي الْكَلَامِ أَنَّ أَصْلَهَا التَّبْعِيضُ الْمَجَازِيُّ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيحِ كَأَنَّهُ يَقُولُ : نَأْخُذُ بَعْضَهُ .
وَالْوَتِينُ : عِرْقٌ مُعَلَّقٌ بِهِ الْقَلْبُ وَيُسَمَّى النِّيَاطُ ، وَهُوَ الَّذِي يَسْقِي الْجَسَدَ بِالدَّمِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهُ : نَهْرُ الْجَسَدِ ، وَهُوَ إِذَا قُطِعَ مَاتَ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُقْطَعُ عِنْدَ نَحْرِ الْجَزُورِ .
فَقَطْعُ الْوَتِينِ مِنْ أَحْوَالِ الْجَزُورِ وَنَحْرِهَا ، فَشَبَّهَ عِقَابَ مَنْ يُفْرَضُ تَقَوُّلُهُ عَلَى اللَّهِ بِجَزُورٍ تُنْحَرُ فَيُقْطَعُ وَتِينُهَا .
وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يُكَنُّونَ عَنِ الْإِهْلَاكِ بِقَطْعِ الْوَتِينِ ، فَهَذَا مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ .
وَ ( مِنْهُ ) صِفَةٌ لِلْوَتِينِ ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِ ( قَطَعْنَا ) أَيْ أَزَلْنَاهُ مِنْهُ .
وَبَيْنَ ( مِنْهُ ) الْأُولَى وَ ( مِنْهُ ) الثَّانِيَةِ مُحَسِّنُ الْجِنَاسِ .
[ ص: 147 ] وَأَمَّا مَوْقِعُ تَفْرِيعِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=47فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ فَهُوَ شَدِيدُ الْاتِّصَالِ بِمَا اسْتَتْبَعَهُ فَرْضُ التَّقَوُّلِ مِنْ تَأْيِيسِهِمْ مِنْ أَنْ يَتَقَوَّلَ عَلَى اللَّهِ كَلَامًا لَا يَسُوءُهُمْ ، فَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ أَحْوَالِ التَّقَوُّلِ لَوْ أَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ فَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ، لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ أَنْ يَحْجِزَ عَنْهُ ذَلِكَ الْعِقَابَ ، وَبِدُونِ هَذَا الْاتِّصَالِ لَا يَظْهَرُ مَعْنَى تَعْجِيزِهِمْ عَنْ نَصْرِهِ ؛ إِذْ لَيْسُوا مِنَ الْوَلَاءِ لَهُ بِمَظِنَّةِ نَصْرِهِ ، فَمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ يَحُومُ حَوْلَ مَعْنَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=73وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذَنْ لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=74وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=75إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا .
وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ مِنْكُمْ لِلْمُشْرِكِينَ .
وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ أَحَدٍ وَهُوَ مُفْرَدٌ بِ ( حَاجِزِينَ ) جَمْعًا لِأَنَّ ( أَحَدٍ ) هُنَا وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ مُفْرَدًا فَهُوَ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ ؛ لِأَنَّ ( أَحَدٍ ) إِذَا كَانَ بِمَعْنَى ذَاتٍ أَوْ شَخْصٍ لَا يَقَعُ إِلَّا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ مِثْلُ عَرِيبٍ ، وَدَيَّارٍ وَنَحْوِهِمَا مِنَ النَّكِرَاتِ الَّتِي لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا مَنْفِيَّةً فَيُفِيدُ الْعُمُومَ ، أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجْزَ عَنْهُ وَيَسْتَوِي فِي لَفْظِهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=32لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ . وَالْمَعْنَى : مَا مِنْكُمْ أُنَاسٌ يَسْتَطِيعُونَ الْحَجْزَ عَنْهُ .
وَالْحَجْزُ : الدَّفْعُ وَالْحَيْلُولَةُ ، أَيْ لَا أَحَدَ مِنْكُمْ يَحْجِزُنَا عَنْهُ . وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى ( رَسُولٍ كَرِيمٍ ) .
وَ ( مِنْ ) فِي قَوْلِهِ مِنْ أَحَدٍ مَزِيدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ وَلِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْعُمُومِ .
وَذُكْرُ ( مِنْكُمْ ) مَعَ ( عَنْهُ ) تَجْنِيسٌ مُحَرَّفٌ .
وَهَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=23639اللَّهَ تَعَالَى لَا يُبْقِي أَحَدًا يَدَّعِي أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ كَلَامًا يُبَلِّغُهُ إِلَى النَّاسِ ، وَأَنَّهُ يُعَجِّلُ بِهَلَاكِهِ .
فَأَمَّا مَنْ يَدَّعِيِ النُّبُوَّةَ دُونَ ادِّعَاءِ قَوْلٍ أُوحِيَ إِلَيْهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ يُهْلِكُهُ بَعْدَ حِينٍ كَمَا كَانَ فِي أَمْرِ
الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ
بِالْيَمَنِ ، وَمُسَيْلَمَةَ الْحَنَفِيِّ الَّذِي
[ ص: 148 ] ادَّعَى النُّبُوَّةَ فِي
الْيَمَامَةِ ، فَإِنَّهُمَا لَمْ يَأْتِيَا بِكَلَامٍ يَنْسُبَانِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَكَانَ إِهْلَاكُهُمَا بَعْدَ مُدَّةِ ، وَمَثَلِهِمَا مَنِ ادَّعَوُا النُّبُوءَةَ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلِ (
بَابَكَ وَمَازِّيَارَ ) .
وَقَالَ
الْفَخْرُ : قِيلَ : الْيَمِينُ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ ، وَالْمَعْنَى : لَأَخَذْنَا مِنْهُ الْيَمِينَ ، أَيْ سَلَبْنَا عَنْهُ الْقُوَّةَ ، وَالْبَاءُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ صِلَةٌ زَائِدَةٌ . وَاعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ هَذَا أَنَّهُ لَوْ نَسَبَ إِلَيْنَا قَوْلًا لَمْ نَقُلْهُ لَمَنَعْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ : إِمَّا بِوَاسِطَةِ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ فَإِنَّا نُقَيِّضُ لَهُ مَنْ يُعَارِضُهُ فِيهِ وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ لِلنَّاسِ كَذِبُهُ فِيهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ إِبْطَالًا لِدَعْوَاهُ وَهَدْمًا لِكَلَامِهِ ، وَإِمَّا بِأَنْ نَسْلُبَ عَنْهُ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِذَلِكَ الْقَوْلِ ، وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِئَلَّا يُشْتَبَهَ الصَّادِقُ بِالْكَاذِبِ اهـ . فَرَكَّبَ مِنْ تَفْسِيرِ الْيَمِينِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ ، أَنَّ الْمُرَادَ قُوَّةُ الْمُتَقَوِّلِ لَا قُوَّةُ اللَّهِ وَانْتَزَعَ مِنْ ذَلِكَ تَأْوِيلَ الْبَاءِ عَلَى مَعْنَى الزِّيَادَةِ وَلَمْ يَسْبِقْهُ بِهَذَا التَّأْوِيلِ أَحَدٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَلَا تَبِعَهُ فِيهِ مَنْ بَعْدِهِ فِيمَا رَأَيْنَا . وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَقَدْ تَبَيَّنَ بِمَا فَسَّرْنَا بِهِ الْآيَةَ عَدَمُ الْاحْتِجَاجِ إِلَى تَأْوِيلِ الْفَخْرِ .