قال المصنف رحمه الله تعالى ( لقوله صلى الله عليه وسلم { ومن شرط الطواف الطهارة بالبيت صلاة إلا أن الله تعالى أباح فيه الكلام } ومن شرطه ستر العورة ، لما روي { الطواف أبا بكر رضي الله عنه إلى مكة فنادى ألا لا يطوفن بالبيت مشرك ولا عريان } وهل يفتقر إلى النية ؟ فيه وجهان : ( أحدهما ) يفتقر إلى النية لأنها عبادة تفتقر إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث البيت فافتقرت إلى النية كركعتي المقام .
( والثاني ) لا يفتقر ; لأن نية الحج تأتي على ذلك كما تأتي على الوقوف ) .
التالي
السابق
( الشرح ) أما الحديث الأول فمروي من رواية مرفوعا بإسناد ضعيف ( والصحيح ) أنه موقوف على ابن عباس ، كذا ذكره ابن عباس وغيره من الحفاظ ، ويغني عنه ما سنذكره من الأحاديث الصحيحة في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى . وأما حديث " بعث البيهقي أبي بكر رضي الله عنه " فهو في صحيح البخاري ، لكن غير المصنف لفظه ، وإنما لفظ روايتهما عن ومسلم { أبي هريرة رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذن في الناس يوم النحر ، أن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف أبا بكر الصديق بالبيت عريان } هذا لفظ رواية أن البخاري ، وينكر على ومسلم المصنف قوله في هذا الحديث روي ، فأتى به بصيغة تمريض مع أنه في الصحيحين ، وقال في الحديث الأول لقوله صلى الله عليه وسلم . فأتى به بصيغة الجزم ، مع أنه حديث ضعيف ( والصواب ) العكس فيهما . [ ص: 20 ] وقوله " عبادة تفتقر إلى البيت " احتراز من الوقوف والسعي والرمي والحلق وأما قوله " فافتقرت إلى النية كركعتي المقام " فيوهم أن ركعتي الطواف تختصان بالمقام وتفتقران إلى فعلهما عند البيت ، ولا خلاف أنهما تصحان في غير مكة بين أقطار الأرض كما سنوضحه قريبا في موضعه إن شاء الله تعالى ، ولكن مراد المصنف بافتقارهما إلى البيت أنه لا تصح صلاتهما إلا إلى البيت حيث كان المصلى .
( أما الأحكام ) ففي الفصل ثلاث مسائل : ( إحداها ) يشترط لصحة الطواف الطهارة من الحدث والنجس ، في الثوب والبدن والمكان الذي يطؤه في طوافه ، فإن كان محدثا أو مباشرا لنجاسة غير معفو عنها لم يصح طوافه . قالالرافعي : والمراد للأئمة تشبيه مكان الطواف بالطريق في حق المتنفل . وهو تشبيه لا بأس به . هذا كلامه .
( قلت ) والذي أطلقه الأصحاب أنه لو لم يصح طوافه . ومما عمت به البلوى غلبة النجاسة في موضع الطواف من جهة الطير وغيره ، وقد اختار جماعة من أصحابنا المتأخرين المحققين المطلعين العفو عنها . وينبغي أن يقال : يعفى عما يشق الاحتراز عنه من ذلك ، كما عفي عن دم القمل والبراغيث والبق وونيم الذباب ، وهو روثه ، وكما عفي عن أثر استنجاء بالأحجار ، وكما عفي عن القليل من طين الشوارع الذي تيقنا نجاسته ، وكما عفي عن النجاسة التي لا يدركها الطرف في الماء والثوب على الأصح ونظائر ما ذكرته كثيرة مشهورة ، وقد سبق بيانها واضحة في مواضعها . لاقى النجاسة ببدنه أو ثوبه ، أو مشى عليها عمدا أو سهوا
وقد سئل الشيخ أبو زيد المروزي عن مسألة من نحو هذا فقال بالعفو ، ثم قال : الأمر إذا ضاق اتسع ، كأنه يستمد من قول الله تعالى [ ص: 21 ] { وما جعل عليكم في الدين من حرج } ولأن محل الطواف في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن بعدهم من سلف الأمة وخلفها لم يزل على هذا الحال ، ولم يمتنع أحد من المطاف لذلك ، ولا ألزم النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد بعده ممن يقتدى به بتطهير الطواف عن ذلك ولا ألزموا إعادة الطواف بسبب ذلك . والله تعالى أعلم .
ومما تعم به البلوى في الطواف ملامسة النساء للزحمة ، فينبغي للرجل أن لا يزاحمهن وينبغي لهن أن لا يزاحمن ، بل يطفن من وراء الرجال ، فإن حصل لمس ، فقد سبق تفصيله في بابه ، والله أعلم
( أما الأحكام ) ففي الفصل ثلاث مسائل : ( إحداها ) يشترط لصحة الطواف الطهارة من الحدث والنجس ، في الثوب والبدن والمكان الذي يطؤه في طوافه ، فإن كان محدثا أو مباشرا لنجاسة غير معفو عنها لم يصح طوافه . قالالرافعي : والمراد للأئمة تشبيه مكان الطواف بالطريق في حق المتنفل . وهو تشبيه لا بأس به . هذا كلامه .
( قلت ) والذي أطلقه الأصحاب أنه لو لم يصح طوافه . ومما عمت به البلوى غلبة النجاسة في موضع الطواف من جهة الطير وغيره ، وقد اختار جماعة من أصحابنا المتأخرين المحققين المطلعين العفو عنها . وينبغي أن يقال : يعفى عما يشق الاحتراز عنه من ذلك ، كما عفي عن دم القمل والبراغيث والبق وونيم الذباب ، وهو روثه ، وكما عفي عن أثر استنجاء بالأحجار ، وكما عفي عن القليل من طين الشوارع الذي تيقنا نجاسته ، وكما عفي عن النجاسة التي لا يدركها الطرف في الماء والثوب على الأصح ونظائر ما ذكرته كثيرة مشهورة ، وقد سبق بيانها واضحة في مواضعها . لاقى النجاسة ببدنه أو ثوبه ، أو مشى عليها عمدا أو سهوا
وقد سئل الشيخ أبو زيد المروزي عن مسألة من نحو هذا فقال بالعفو ، ثم قال : الأمر إذا ضاق اتسع ، كأنه يستمد من قول الله تعالى [ ص: 21 ] { وما جعل عليكم في الدين من حرج } ولأن محل الطواف في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن بعدهم من سلف الأمة وخلفها لم يزل على هذا الحال ، ولم يمتنع أحد من المطاف لذلك ، ولا ألزم النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد بعده ممن يقتدى به بتطهير الطواف عن ذلك ولا ألزموا إعادة الطواف بسبب ذلك . والله تعالى أعلم .
ومما تعم به البلوى في الطواف ملامسة النساء للزحمة ، فينبغي للرجل أن لا يزاحمهن وينبغي لهن أن لا يزاحمن ، بل يطفن من وراء الرجال ، فإن حصل لمس ، فقد سبق تفصيله في بابه ، والله أعلم
( المسألة الثانية ) ، وقد سبق بيان عورة الرجل والمرأة في بابه ، فمتى انكشف جزء من عورة أحدهما بتفريطه بطل ما يأتي بعد ذلك من الطواف . وأما ما سبق منه فحكمه في البناء حكم من أحدث في أثناء طوافه ، وسنوضحه في آخر أحكام الطواف ، حيث ذكره ستر العورة شرط لصحة الطواف المصنف إن شاء الله تعالى ، والمذهب أنه يبني وإن انكشف بلا تفريط وستر في الحال لم يبطل طوافه كما لا تبطل صلاته .
( المسألة الثالثة في ) قال أصحابنا : إن كان الطواف في غير حج ولا عمرة لم يصح بغير نية بلا خلاف ، كسائر العبادات من الصلاة والصوم ونحوهما ، وإن كان في حج أو عمرة فينبغي أن ينوي الطواف ، فإن طاف بلا نية فوجهان مشهوران ذكرهما نية الطواف المصنف بدليلهما ( أصحهما ) صحته ، وبه قطع جماعة منهم إمام الحرمين ( والثاني ) بطلانه ، فإن قلنا بالصحة فهل يشترط أن لا يصرفه إلى غرض آخر من طلب غريم ونحوه ؟ فيه وجهان مشهوران في كتب الخراسانيين ( أصحهما ) يشترط . قال إمام الحرمين : وربما كان شيخي يقطع به ، وبهذا قطع الدارمي ، فإن صرفه لم يصح طوافه ولا يعد طائفا .
( والثاني ) لا يشترط ، ولو صرفه صح طوافه ، كما لو كان عليه [ ص: 22 ] حجة الإسلام فنوى غيرها ، فإنه يقطع عنها ، فحصل في المسألة ثلاثة أوجه ( أحدها ) لا يصح طوافه لا بنية ( والثاني ) يصح بلا نية ولا يضر صرفه إلى غيره ( وأصحها ) يصح بلا نية ، بشرط أن لا يصرفه إلى غيره . ولو قال نام في الطواف أو بعضه على هيئة لا تنقض الوضوء إمام الحرمين : هذا يقرب من صرف النية إلى طلب الغريم ، قال : ونحوه أن يقطع بصحة الطواف لأنه لم يصرف الطواف إلى غير النسك ، فلا يضر كونه غير ذاكر . هذا كلام إمام الحرمين . ذكره في مسائل الوقوف بعرفات ( والأصح ) صحة طوافه في هذه الصورة ، والله أعلم . ولو ، أجزأه عن الحج كما لو كان المحرم بالحج معتقدا أنه محرم بعمرة ، ذكره طاف عن غيره وعليه طواف عن نفسه الروياني وغيره .
( فرع ) قال القاضي في تعليقه في أعمال يوم النحر في مسائل طواف الإفاضة : أفعال الحج كالوقوف أبو الطيب بعرفات وبمزدلفة والطواف والسعي والرمي ، هل يفتقر كل فعل منها إلى نية ؟ فيه ثلاثة أوجه .
( أحدها ) لا يفتقر شيء منها إلى نية ; لأن نية الحج تشملها كلها ، كما أن نية الصلاة تشمل جميع أفعالها ، ولا يحتاج إلى النية في ركوع ولا غيره ، ولأنه لو وقف بعرفة ناسيا أجزأه بالإجماع .
( والوجه الثاني ) وهو قول لا يفتقر شيء منها إلى النية إلا الطواف لأنه صلاة ، والصلاة تفتقر إلى نية . أبي إسحاق المروزي
( والثالث ) وهو قول ، ما كان منها مختصا بفعل كالطواف والسعي والرمي افتقر ، وما لا يختص وإنما هو لبث مجرد ، كالوقوف أبي علي بن أبي هريرة بعرفات وبمزدلفة والمبيت لا يفتقر ، هذا كلام ( والصحيح ) من هذه الأوجه هو الأول ، ولم يذكر الجمهور غيره ، إلا الوجه الضعيف في إيجاب نية الطواف ، والصحيح أيضا عنده ذكر الخلاف فيها أنها لا تجب كما سبق ، والله تعالى أعلم . القاضي
[ ص: 23 ] فرع ) قد ذكرنا أنه لا يصح الطواف إلا بطهارة ، سواء فيه جميع أنواع الطواف ، هكذا جزم به والأصحاب في جميع الطرق ، ولا خلاف فيه إلا وجها ضعيفا باطلا حكاه الشافعي إمام الحرمين وغيره عن أبي يعقوب الأبيوردي من أصحابنا أنه يصح طواف الوداع بلا طهارة ، وتجبر الطهارة بالدم ، قال الإمام : هذا غلط ; لأن الدم إنما وجب جبرا للطواف لا للطهارة .
( والثاني ) لا يشترط ، ولو صرفه صح طوافه ، كما لو كان عليه [ ص: 22 ] حجة الإسلام فنوى غيرها ، فإنه يقطع عنها ، فحصل في المسألة ثلاثة أوجه ( أحدها ) لا يصح طوافه لا بنية ( والثاني ) يصح بلا نية ولا يضر صرفه إلى غيره ( وأصحها ) يصح بلا نية ، بشرط أن لا يصرفه إلى غيره . ولو قال نام في الطواف أو بعضه على هيئة لا تنقض الوضوء إمام الحرمين : هذا يقرب من صرف النية إلى طلب الغريم ، قال : ونحوه أن يقطع بصحة الطواف لأنه لم يصرف الطواف إلى غير النسك ، فلا يضر كونه غير ذاكر . هذا كلام إمام الحرمين . ذكره في مسائل الوقوف بعرفات ( والأصح ) صحة طوافه في هذه الصورة ، والله أعلم . ولو ، أجزأه عن الحج كما لو كان المحرم بالحج معتقدا أنه محرم بعمرة ، ذكره طاف عن غيره وعليه طواف عن نفسه الروياني وغيره .
( فرع ) قال القاضي في تعليقه في أعمال يوم النحر في مسائل طواف الإفاضة : أفعال الحج كالوقوف أبو الطيب بعرفات وبمزدلفة والطواف والسعي والرمي ، هل يفتقر كل فعل منها إلى نية ؟ فيه ثلاثة أوجه .
( أحدها ) لا يفتقر شيء منها إلى نية ; لأن نية الحج تشملها كلها ، كما أن نية الصلاة تشمل جميع أفعالها ، ولا يحتاج إلى النية في ركوع ولا غيره ، ولأنه لو وقف بعرفة ناسيا أجزأه بالإجماع .
( والوجه الثاني ) وهو قول لا يفتقر شيء منها إلى النية إلا الطواف لأنه صلاة ، والصلاة تفتقر إلى نية . أبي إسحاق المروزي
( والثالث ) وهو قول ، ما كان منها مختصا بفعل كالطواف والسعي والرمي افتقر ، وما لا يختص وإنما هو لبث مجرد ، كالوقوف أبي علي بن أبي هريرة بعرفات وبمزدلفة والمبيت لا يفتقر ، هذا كلام ( والصحيح ) من هذه الأوجه هو الأول ، ولم يذكر الجمهور غيره ، إلا الوجه الضعيف في إيجاب نية الطواف ، والصحيح أيضا عنده ذكر الخلاف فيها أنها لا تجب كما سبق ، والله تعالى أعلم . القاضي
[ ص: 23 ] فرع ) قد ذكرنا أنه لا يصح الطواف إلا بطهارة ، سواء فيه جميع أنواع الطواف ، هكذا جزم به والأصحاب في جميع الطرق ، ولا خلاف فيه إلا وجها ضعيفا باطلا حكاه الشافعي إمام الحرمين وغيره عن أبي يعقوب الأبيوردي من أصحابنا أنه يصح طواف الوداع بلا طهارة ، وتجبر الطهارة بالدم ، قال الإمام : هذا غلط ; لأن الدم إنما وجب جبرا للطواف لا للطهارة .
( فرع ) ( في ) . قد ذكرنا أن مذهبنا اشتراط الطهارة عن الحدث والنجس ، وبه قال مذاهب العلماء في الطهارة في الطواف ، وحكاه مالك الماوردي عن جمهور العلماء . وحكاه في طهارة الحدث عن عامة العلماء ، وانفرد ابن المنذر فقال : الطهارة من الحدث والنجس ليست بشرط للطواف ، فلو طاف وعليه نجاسة أو محدثا أو جنبا صح طوافه ، واختلف أصحابه في كون الطهارة واجبة مع اتفاقهما على أنها ليست بشرط ، فمن أوجبها منهم قال : إن طاف محدثا لزمه شاة ، وإن طاف جنبا لزمه بدنة . قالوا : ويعيده ما دام أبو حنيفة بمكة . وعن روايتان ( إحداهما ) كمذهبنا ( والثانية ) إن أقام أحمد بمكة أعاده وإن رجع إلى بلده جبره بدم . وقال : الطهارة للطواف واجبة ، فإن طاف محدثا أجزأه إلا الحائض . وقال داود المنصوري من أصحاب : الطهارة شرط كمذهبنا واحتج داود وموافقوه بعموم قوله تعالى { أبو حنيفة وليطوفوا بالبيت } وهذا يتناول الطواف بلا طهارة قياسا على الوقوف وسائر أركان الحج .
واحتج أصحابنا بحديث { عائشة مكة أن توضأ ثم طاف بالبيت } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأ به حين قدم البخاري ، وثبت في صحيح ومسلم من رواية مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في آخر حجته { جابر } . [ ص: 24 ] قال أصحابنا : ففي الحديث دليلان ( أحدهما ) أن طوافه صلى الله عليه وسلم بيان للطواف المجمل في القرآن ( والثاني ) قوله صلى الله عليه وسلم { لتأخذوا عني مناسككم } يقتضي وجوب كل ما فعله ، إلا ما قام دليل على عدم وجوبه . وعن لتأخذوا عني مناسككم أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها حين حاضت وهي محرمة { عائشة بالبيت حتى تغتسلي } رواه اصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي البخاري بهذا اللفظ ، وفيه تصريح باشتراط الطهارة ; لأنه صلى الله عليه وسلم نهاها عن الطواف حتى تغتسل ، والنهي يقتضي الفساد في العبادات . ومسلم
( فإن قيل ) إنما نهاها لأن الحائض لا تدخل المسجد ( قلنا ) هذا فاسد لأنه صلى الله عليه وسلم قال " حتى تغتسلي " ولم يقل حتى ينقطع دمك . وبحديث السابق { ابن عباس بالبيت صلاة } وقد سبق أن الصحيح أنه موقوف على الطواف ، وتحصل منه الدلالة أيضا لأنه قول صحابي اشتهر ، ولم يخالفه أحد من الصحابة ، فكان حجة كما سبق بيانه في مقدمة هذا الشرح ، وقول الصحابي حجة أيضا عند ابن عباس . وأجاب أصحابنا عن عموم الآية التي احتج بها أبي حنيفة بجوابين ( أحدهما ) أنها عامة فيجب تخصيصها بما ذكرناه ( والثاني ) أن الطواف بغير طهارة مكروه عند أبو حنيفة ، ولا يجوز حمل الآية على طواف مكروه ، لأن الله تعالى لا يأمر بالمكروه ( والجواب ) عن قياسهم على الوقوف وغيره أن الطهارة ليست واجبة في غير الطواف من أركان الحج فلم تكن شرطا ، بخلاف الطواف فإنهم سلموا وجوبها فيه على الراجح عندهم ، والله أعلم . أبي حنيفة
واحتج أصحابنا بحديث { عائشة مكة أن توضأ ثم طاف بالبيت } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأ به حين قدم البخاري ، وثبت في صحيح ومسلم من رواية مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في آخر حجته { جابر } . [ ص: 24 ] قال أصحابنا : ففي الحديث دليلان ( أحدهما ) أن طوافه صلى الله عليه وسلم بيان للطواف المجمل في القرآن ( والثاني ) قوله صلى الله عليه وسلم { لتأخذوا عني مناسككم } يقتضي وجوب كل ما فعله ، إلا ما قام دليل على عدم وجوبه . وعن لتأخذوا عني مناسككم أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها حين حاضت وهي محرمة { عائشة بالبيت حتى تغتسلي } رواه اصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي البخاري بهذا اللفظ ، وفيه تصريح باشتراط الطهارة ; لأنه صلى الله عليه وسلم نهاها عن الطواف حتى تغتسل ، والنهي يقتضي الفساد في العبادات . ومسلم
( فإن قيل ) إنما نهاها لأن الحائض لا تدخل المسجد ( قلنا ) هذا فاسد لأنه صلى الله عليه وسلم قال " حتى تغتسلي " ولم يقل حتى ينقطع دمك . وبحديث السابق { ابن عباس بالبيت صلاة } وقد سبق أن الصحيح أنه موقوف على الطواف ، وتحصل منه الدلالة أيضا لأنه قول صحابي اشتهر ، ولم يخالفه أحد من الصحابة ، فكان حجة كما سبق بيانه في مقدمة هذا الشرح ، وقول الصحابي حجة أيضا عند ابن عباس . وأجاب أصحابنا عن عموم الآية التي احتج بها أبي حنيفة بجوابين ( أحدهما ) أنها عامة فيجب تخصيصها بما ذكرناه ( والثاني ) أن الطواف بغير طهارة مكروه عند أبو حنيفة ، ولا يجوز حمل الآية على طواف مكروه ، لأن الله تعالى لا يأمر بالمكروه ( والجواب ) عن قياسهم على الوقوف وغيره أن الطهارة ليست واجبة في غير الطواف من أركان الحج فلم تكن شرطا ، بخلاف الطواف فإنهم سلموا وجوبها فيه على الراجح عندهم ، والله أعلم . أبي حنيفة
( فرع ) في مذاهبهم في . قد ذكرنا أن الأصح عندنا أنها لا تشترط ، وبه قال النية في طواف الحج أو العمرة [ ص: 25 ] الثوري . وقال وأبو حنيفة أحمد وإسحاق وأبو ثور وابن القاسم المالكي : لا يصح إلا بالنية ودليل المذهبين في الكتاب . وابن المنذر
( فرع ) عندنا وعند ستر العورة شرط لصحة الطواف مالك والجمهور . وقال وأحمد : ليس بشرط . دليلنا الحديث الذي ذكره أبو حنيفة المصنف { بالبيت عريان } وهو في الصحيحين كما سبق . وعن لا يطوف قال " كانت المرأة تطوف ابن عباس بالبيت وهي عريانة وتقول :
اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه فلا أحله
فنزلت { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } رواه مسلم
( فرع ) في مذاهبهم في . قد ذكرنا أنه سنة عندنا ، لو تركه لم يأثم ولم يلزمه دم ، وبه قال حكم طواف القدوم أبو حنيفة ، وقال وابن المنذر عليه دم . وعن أبو ثور رواية كمذهبنا ، ورواية أنه إن كان مضايقا للوقوف فلا دم في تركه وإلا فعليه دم . مالك