الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لفظ (الصلاة) في القرآن

لفظ (الصلاة) في القرآن

لفظ (الصلاة) في القرآن

الصلاة من العبادات التي أقرتها جميع الشرائع السماوية، وإن اختلفت صور أدائها من شريعة إلى أخرى. قال القرطبي نقلاً عن القشيري: "إن الله تعالى لم يُخلِ زماناً من شرع، ولم يَخلُ شرع من صلاة". وفي السطور التالية نحاول أن نتبين دلالة لفظ (الصلاة) لغة، والمعاني التي ورد عليها في القرآن الكريم.

يدل لفظ (الصلاة) لغة على معنيين:

أحدهما: النار وما أشبهها من الحمى؛ تقول: صَلَيْتُ العود بالنار. واصطليتُ بالنَّار. و(الصلى): صَلَى النار. و(الصلاء): ما يُصطلى بِه، وما يُذكى به النار ويوقد.

ثانيهما: جنس من العبادة، وهي الدعاء؛ قال الأعشى:

تقول بِنْتي وقد قرَّبتُ مُرْتَحَلاً: يا رب جنِّبْ أبي الأوصاب والوجعا

عليكِ مثلُ الذي صَلَّيتِ فاغتمضي نوماً فإن لجنب المرء مضطجعا

وقد قال قوم: إن الصلاة الشرعية إنما سميت صلاة لما فيها من الدعاء. وقال آخرون: سميت صلاة لما فيها من الركوع والسجود الذي يكون برفع الصلا.

ولفظ (الصلاة) ورد في القرآن الكريم في نحو مائة موضع؛ فجاء اسماً في نحو خمسة وثمانين موضعاً، كقوله سبحانه: {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة} (البقرة:3)، وجاء فعلاً في نحو خمسة عشر موضعاً، كقوله تعالى: {فلا صدق ولا صلى} (القيامة:31).

ولفظ (الصلاة) ورد في القرآن الكريم على عدة معان، منها:

- الصلاة بمعنى (الصلاة المفروضة)، ومنه قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة} (البقرة:43)، أي: الصلوات المفروضة. وأغلب ما ورد لفظ (الصلاة) في القرآن الكريم على هذا المعنى، مقروناً بلفظ (الزكاة).

- الصلاة بمعنى (الثناء على العبد)، ومنه قوله تعالى: {هو الذي يصلي عليكم} (الأحزاب:43)، وقوله أيضاً: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} (الأحزاب:56)، فالصلاة من الله ثناؤه على العبد عند الملائكة، حكاه البخاري عن أبي العالية. وتفسير الآية بحسب هذا المعنى هو ما ذهب إليه ابن كثير. وقال كثير من المفسرين: الصلاة من الله: الرحمة. ورُد بقوله تعالى: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة} (البقرة:157)، قال ابن كثير: "وقد يقال: لا منافاة بين القولين".

- الصلاة بمعنى (الدعاء والاستغفار)، ومنه قوله تعالى: {وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} (التوبة:103). أي: ادع لهم واستغفر لهم، كما روي عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أُتي بصدقة قوم صَلَّى عليهم، فأتاه أبي بصدقته فقال: (اللهم صلِّ على آل أبي أوفى)، رواه مسلم. وعلى هذا المعنى قوله سبحانه: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم} (غافر:7)، وقوله: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته}. قال القرطبي: "وصلاة الملائكة: دعاؤهم للمؤمنين، واستغفارهم لهم".

- الصلاة بمعنى (قراءة القرآن)، ومنه قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك} (الإسراء:110)، أي: بقراءتك، على ما رجحه الطبري، وذهب إليه ابن كثير. ولم يرد لفظ (الصلاة) بمعنى (قراءة القرآن) في غير هذا الموضع، إلا ما روي عن الأعمش في قوله تعالى: {قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك} (هود:87)، قال: قراءتك. ووردت (قراءة القرآن) بمعنى (الصلاة) في قوله سبحانه: {فاقرؤوا ما تيسر من القرآن} (المزمل:20)، قال ابن كثير: "عبر عن الصلاة بالقراءة". والمعنى: صلوا بالليل ما تيسر لكم.

- الصلاة بمعنى (صلاة الخوف)، وذلك قوله سبحانه: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} (النساء:102)، فالمقصود بالصلاة هنا صلاة الخوف أثناء الالتحام في المعركة. ولم يرد لفظ (الصلاة) على هذا المعنى في غير هذا الموضع من القرآن.

- الصلاة بمعنى (صلاة الجنازة)، ومنه قوله تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} (التوبة:84)، فالمقصود بـ (الصلاة) هنا صلاة الجنازة، حيث مُنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على المنافقين. ولم يرد لفظ (الصلاة) على هذا المعنى في غير هذا الموضع من القرآن.

- الصلاة بمعنى (صلاة الجمعة)، ومنه قوله تعالى: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} (الجمعة:9). قال القرطبي: "قال بعض العلماء: كون (الصلاة) الجمعة ها هنا معلوم بالإجماع، لا من نفس اللفظ. قال ابن العربي: وعندي أنه معلوم من نفس اللفظ بنكتة، وهي قوله: {من يوم الجمعة}، وذلك يفيده؛ لأن النداء الذي يختص بذلك اليوم هو نداء تلك الصلاة. فأما غيرها فهو عام في سائر الأيام. ولو لم يكن المراد به نداء الجمعة لما كان لتخصيصه بها وإضافته إليها معنى ولا فائدة". ولم ترد الصلاة على هذا المعنى في غير هذه الآية.

- الصلاة بمعنى (صلاة الجماعة)، ومنه قوله سبحانه: {وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا} (المائدة:85)، روى البيهقي في "الدلائل" عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نادى بالصلاة، فقام المسلمون إلى الصلاة، قالت اليهود والنصارى: قد قاموا لا قاموا، فإذا رأوهم ركعوا وسجدوا، استهزءوا بهم، وضحكوا منهم. وعلى هذا المعنى يمكن أن يُحْمَل قوله تعالى: {شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة} (المائدة:106)، قال ابن كثير: المقصود: أن يقام هذان الشاهدان بعد صلاة اجتمع الناس فيها بحضرتهم.

- الصلاة بمعنى (مكان العبادة)، ومنه قوله تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا} (الحج:40)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الصلوات: الكنائس. وكذا قال عكرمة، والضحاك، وقتادة: إنها كنائس اليهود. وعن مجاهد: الصلوات: مساجد لأهل الكتاب، ولأهل الإسلام بالطرق. وأما المساجد فهي للمسلمين.

أخيراً، فإن لفظ (الصلاة) في القرآن ورد إما بشارة للمؤمنين لقيامهم بها، كقوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين} (يونس87)؛ وإما نذارة للكافرين للإعراض عنها، كقوله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا} (مريم:59). وكل موضع مدح الله تعالى بفعل الصلاة، أَو حث عليها، ذُكر بلفظ (الإقامة)، كقوله تعالى: {والمقيمين الصلاة} (النساء:162)، وقوله سبحانه: {وأقاموا الصلاة} (البقرة:277)، وقوله عز وجل: {وأقيموا الصلاة} (البقرة:43)، ولم يخرج عن هذا العموم إلا قوله تعالى: {وإذا مسه الخير منوعا * إلا المصلين} (المعارج:21-22)، وما عدا ما تقدم فلم يأت لفظ (المصلين) إلا في المنافقين، كقوله تعالى: {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى} (التوبة:54)، وقوله سبحانه: {فويل للمصلين} (الماعون:4). وإنما خص لفظ (الإقامة)؛ تنبيهاً على أَن المقصود من فعلها توفية حقوقها وشرائطها، لا الإتيان بصورها وهيآتها فحسب. ولهذا روي أن المصلين كثير، والمقيمين لها قليل.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة