الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صيغة (أفعل) الفعلية في القرآن الكريم

صيغة (أفعل) الفعلية في القرآن الكريم

صيغة (أفعل) الفعلية في القرآن الكريم

من الصيغ الصرفية التي وردت بكثرة في القرآن الكريم صيغة (أفعل) الفعلية، وهي غير صيغة (أفعل) التفضيل، وإن كانا يشتركان في أن همزتهما همزة قطع، غير أن صيغة (أفعل) الفعلية صيغة فعلية، كقولك: أكرم فلاناً؛ أما صيغة (أفعل) التفضيل فهي صيغة اسمية، كقولك: فلان أجود من فلان.

وقد اختلفت أنظار علماء اللغة في أصل همزة القطع المتصدرة لصيغة (أفعل) الفعلية، والمتفق عليه بينهم أنها زيدت للدلالة على التعدية في الغالب، والجعل، والتعريض، والصيرورة، وغيرها من المعاني التي نقف عليها في هذا المقال.

استرعت صيغة (أفعل) الفعلية أنظار علماء اللغة والنحو والصرف منذ وقت مبكر، فأولوها عناية خاصة، وأهمية بالغة؛ فألف بعضهم فيها كتباً ورسائل تحت عنوان (فعلت وأفعلت) أو (فعل وأفعل) ومن أشهر من سلك هذا المسلك محمد بن المستنير، المشهور بـ قطرب، ويحيى بن زكريا الفراء، ومعمر بن المثنى أبو عبيدة. وأدرجها بعضهم ضمن كتب اللغة بموضوعاتها المختلفة الصرفية منها والنحوية واللغوية، ويأتي على رأس من نحى هذا المنحى إمام النحو سيبويه في كتابه المعنون بـ "الكتاب"، وابن قتيبة في كتابه "أدب الكاتب"، وابن جني في كتابه "الخصائص"، وغير هؤلاء كثير.

معاني صيغة (أفعل) الفعلية في القرآن الكريم

جاءت صيغة (أفعل) الفعلية في القرآن الكريم على ثلاثة معان رئيسة، هي: التعدية، و(أفعل) بمعنى (فعل)، والاستغناء، بالإضافة إلى هذه المعاني الثلاثة الرئيسة جاءت هذه الصيغة لتفيد معان أخر، وتالياً نقف مع كل معنى من هذه المعاني مع التمثيل له من الآيات القرآنية:

أولاً: التعدية

هذا المعنى من معاني صيغة (أفعل) الفعلية هو أبرز معانيها، ويمكن القول: هو أم الباب، قال سيبويه: "فأكثر ما يكون على (فعل) إذا أردت أن غيره أدخله في ذلك، يبنى الفعل منه على (أفعلت) مثال ذلك: فزع وأفزعته، وخاف وأخفته، وجال وأجلته، وجاء وأجأته".

وتعدية الفعل بالهمزة يزيد في الكلام مفعولاً؛ فإن كان الفعل غير متعد عداه، كقولك: ذهب زيد = أذهب زيداً. وإذا كان الفعل متعدياً إلى مفعول واحد، عداه إلى مفعولين، وذلك كقولك: قرأ زيد كتاباً، أقرأت زيداً كتاباً.

إن صيغة (أفعل) تكون متعدية وتكون غير متعدية، فالمتعدية كقولنا: (أكرم) وغير المتعدية كقولنا: (أخطأ).

على أن ثمة أفعالاً على صيغة (أفعل) وهي متعدية، بيد أن الهمزة فيها ليست للتعدية، كالفعل (أرسل) والضابط الذي يُعرف به متى تكون الهمزة في (أفعل) للتعدية، ومتى لا تكون كذلك، إنما يكون بأمرين:

الأول: أن تكون صيغة أفعل تفيد (التصيير) وهذا ما أشار إليه سيبويه بقوله: "تقول: دخل، وخرج، وجلس. فإذا أخبرت أن غيره صيره إلى شيء من هذا، قلت: أخرجه، وأدخله، وأجلسه".

الثاني: أن يوجد من مادة (أفعل) فعل ثلاثي في المعنى نفسه، ملفوظ، أو مقدر، فإذا أدخلنا عليه همزة التعدية صار ما كان فاعلاً للأصل الثلاثي مفعولاً لمعنى التصيير، وإن كان باقياً فاعلاً في المعنى للأصل الثلاثي.

ويمكن صياغة هذين الضابطين بالمعادلتين التاليتين:

1- أفعله بمعنى صيره يفعل = أخرجه بمعنى صيره يخرج.

2- أفعله إياه بمعنى صيره يفعله = أسمعه الكلام بمعنى صيره يسمعه.

فأنت ترى كيف تحقق معنى التصيير مع وجود الأصل الثلاثي (يخرج) و(يسمع).

وصيغة (أفعل) الفعلية المتعدية تأتي متعدية لمفعول، وتأتي متعدية لمفعولين.

أمثلة من صيغة (أفعل) الفعلية المتعدية لمفعول واحد

*
(آذنه) بمعنى صيره يأذن، ومثاله قوله تعالى: {فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء} (الأنبياء:109) وقوله سبحانه: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} (البقرة:279) وقرأ في السبع (فآذنوا) أمراً من الفعل (آذن) الرباعي، بمعنى: آذنوا أنفسكم ومن حولكم بحرب من الله إن لم تنتهوا عن التعامل بالربا. وقال سبحانه: {قالوا آذناك ما منا من شهيد} (فصلت:47).

* آسفه بمعنى صيره يأسف، يقال: أسف عليه: غضب. وآسفه: أغضبه. ومثاله قوله تعالى: {فلما آسفونا انتقمنا منهم} (الزخرف:55) أي: فلما أغضبونا.

* آمنه بمعنى صيره يأمن، قال في اللسان: "آمنته المتعدي ضد أخفته"، ومثاله قول الباري تعالى: {وآمنهم من خوف} (قريش:4).

* آواه بمعنى صيره يأوي، يقال: أويت منزلي، وإلى منزلي، قال أبو عبيد: يقال: أويته -بالقصر- على فعلته، وآويته -بالمد- على أفعلته، بمعنى واحد. قال سبحانه: {فآواكم وأيدكم بنصره} (الأنفال:26) وقال عز من قائل: {آوى إليه أخاه} (يوسف:69).

* أبقاه بمعنى صيره يبقى، قال تعالى: {وثمود فما أبقى} (النجم:51) أي: دمرهم، فلم يبق منهم أحداً.

* أبكاه بمعنى صيره يبكي، قال سبحانه: {وأنه هو أضحك وأبكى} (النجم:43) أي: هو سبحانه يصير عباده يبكون أو يضحكون.

* أتمه بمعنى صيره يتم، يقال: تم الشيء: إذا كَمَلَت أجزاؤه، ويتعدى بالهمزة، فيقال: أتمه غيره. قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} (المائدة:3) وقال سبحانه: {ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل} (يوسف:6).

أمثلة صيغة (أفعل) الفعلية المتعدية لمفعولين

* أبلغه إياه بمعنى صيره يبلغه، من ذلك قوله عز وجل: {لقد أبلغتكم رسالة ربي} (الأعراف:179). وقوله عز من قائل: {أبلغتكم ما أرسلت به إليكم} (هود:57).

* أحله المكان بمعنى صيره يَحُله، من ذلك قوله تعالى: {وأحلوا قومهم دار البوار} (إبراهيم:28). وقوله سبحانه: {الذي أحلنا دار المقامة من فضله} (فاطر:35).

* أذاقه الشيء بمعنى جعله يذوقه، من ذلك قوله تبارك وتعالى: {فأذاقها الله لباس الجوع والخوف} (النحل:112).

* أشربه الشيء بمعنى صيره يشربه، من ذلك قول الحق تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم} (البقرة:93).

ثانياً: (أفعل) بمعنى (فعل)

جاءت صيغة (أفعل) الفعلية بمعنى (فعل) في العديد من الكلمات القرآنية، نذكر من ذلك أمثلة:

* آزر بمعنى أزر، يقال: أزره وآزره: أعانه وأسعده، ومنه قوله سبحانه: {ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره} (الفتح:29) قرأ ابن عامر من رواية ابن ذكوان {فأذره} ثلاثياً، وقرأ باقي السبعة {فآزره} بالمد، والقراءتان بمعنى واحد.

* أجمع بمعنى جمع، جاء في "اللسان" جمع الشيء، وأجمعه، وجَمَّع أمره وأجمعه، وأجمع عليه: عزم عليه. قال سبحانه: {فأجمعوا أمركم وشركاءكم} (يونس:71). وقوله عز وجل: {فأجمعوا كيدكم} (طه:64) قرأ جمهور القراء {فأجمعوا} بقطع الهمزة في الموضعين، وهو من (أجمع). وروي عن نافع أنه قرأ {فأجمعوا أمركم} بوصل الهمزة (فاجمعوا أمركم) وهو من (جمع). وكذلك قرأ أبو عمرو (فاجمعوا كيدكم) بوصل الهمزة.

* أحزن بمعنى حزن، قال أبو عبيدة: "حزنته وأحزنته، لغتان، وهو محزون، وحزنت أنا لغة واحدة". وقال اليزيدي: (حزنه) لغة قريش، و(أحزنه) لغة تميم، وقد قُرأ بهما، قال تعالى: {ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} (آل عمران:176)، وقال سبحانه: {قال إني ليحزنني أن تذهبوا به} (يوسف:13) قرأ نافع {يحزنك} و{ليحزنني} بضم الياء، وكسر الزاي فيهما من (أحزن) وكذا قرأ في جميع مواضع القرآن التي جاء فيها هذا الفعل متعدياً في القرآن، سوى قوله تعالى: {لا يحزنهم الفزع الأكبر} (الأنبياء:103) فقد قرأه من (حزن) كقراءة باقي القراء في جميع القرآن، وحتى هذه الآية قرأها أبو جعفر وابن محيص (يُحزِنهم) بضم الياء، وكسر النون من (أحزن). وبذلك تكون جميع الآيات التي قرئت بـ (حزنه) قُرأت أيضاً بـ (أحزنه) وهذا يؤكد ما ذهب إليه أهل اللغة بأن (أحزن) و(حزن) بمعنى واحد.

* أحلَّ بمعنى حلَّ، يقال: حلَّ المحرم وأحلَّ بالألف مثله، قال تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا} (المائدة:2) قرئ (أحللتم) وهي لغة في حلَّ، يقال: حلَّ من إحرامه وأحلَّ.

* أدبر بمعنى دبر، يقال: دبر النهار وأدبر بالألف مثله، قال الفراء: "يقال: دبر النهار والشتاء والصيف وأدبر. وكذلك: قبل وأقبل، فإذا قالوا: أقبل الراكب وأدبر، لم يقولوه إلا بألف، وإنهما في المعنى عندي لواحد، لا أُبعد أن يأتي في الرجل ما أتى في الأزمنة"، قال تعالى: {والليل إذ أدبر} (المدثر:33) قرأها نافع وحمزة وجعفر ويعقوب وخلف {إذ أدبر} بسكون ذال {إذ} وبفتح همزة {أدبر} وإسكان داله. وقرأها ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم، والكسائي، وأبو جعفر (إذا دبر) بفتح الذال من (إذا) بعدها ألف، وبفتح الذال من (دبر) والقراءتان بمعنى واحد.

* أسرى بمعنى سرى، قال أهل اللغة: سريت بالليل وأسريت بمعنى واحد. وعُزيت لغة (أسرى) بالألف إلى الحجاز. و(سرى) إلى غيرهم، وباللغتين نزل القرآن، مثاله قوله تعالى: {فأسر بأهلك} (هود:81) قرأه نافع وابن كثير بوصل الألف من (سرى) وذلك حيث وقع في القرآن الكريم. وقرأ الباقون بالهمزة من (أسرى). فهما لغتان مشهورتان.
ثالثاً: الاستغناء

من معاني صيغة (أفعل) الفعلية (الاستغناء)، والمراد به: الاكتفاء بوزن صرفي عن آخر دون موجب صرفي لذلك. فكل فعل ورد في كلام العرب على صيغة (أفعل) ولم يستعملوا له ثلاثياً من مادته بمعناه، ووُجِد ثلاثي من غير مادته يناسبه، بأن يكون مماثلاً له في التعدي واللزوم، ومشاركاً له في الدلالة على المعنى، أو مقابلاً له، نقول عن هذا الفعل: إنه أغنى عن الثلاثي الذي أُهمل وأُميت.

وفيما يلي بعض الأمثلة القرآنية لهذا المعنى:

* قوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} (البقرة:226) قوله: {يؤلون} من الرباعي (آلى) وهو فعل لازم، بُني على (أفعل) وليس له ثلاثي من معناه، وهو بمعنى (حلف) وكان يمكن أن يؤدى هذا المعنى بالثلاثي (أمن)، كما أدوه بـ (حلف) ولكنهم أهملوه، واستغنوا عنه بـ (آلى) الرباعي.

* قوله سبحانه: {وأبصرهم فسوف يبصرون} (الصافات:175) وقوله تعالى: {وأبصر فسوف يبصرون} (الصافات:179) لم يستعمل العرب (بصره) الثلاثي بمعنى رآه ونظر إليه، وإنما استعملوا (بصر) به إذا علمه، فهو بصير به. وأبصره: إذا رآه، ونظر إليه. وكان يمكن أن يستعملوا (بصره) ثلاثياً متعدياً في معنى (أبصره)، كما استعملوا (رأى) و(نظر) لكنهم أهملوه، واستغنوا عنه بـ (أبصر) الرباعي.

* قوله عز وجل: {فأثابكم غما بغم} (آل عمران:153) وقوله سبحانه: {وأثابهم فتحا قريبا} (الفتح:18) الفعل (أثاب) مما بُني على صيغة (أفعل) وهو بمعنى (جزى). ولم يستعمل العرب له ثلاثياً من معناه مع أنه كان يمكن تأدية هذا المعنى بالثلاثي، كما وقع في (جزى) مرادفه الذي يتعدى إلى مفعولين مثله، غير أن العرب أهملوا هذا الثلاثي مستغنين عنه بـ (أثاب) الرباعي.

* قوله عز وجل: {ماذا أجبتم المرسلين} (القصص:65) الإجابة: رَجْعُ الكلام ورديده. وأجاب الله دعاءه بمعنى قبله. وقد جاء الفعل (أجاب) على صيغة (أفعل) الرباعية مغنياً عن (جاب) الثلاثي، الذي لم يُسمع في كلام العرب. فيكون (أجاب) مما اُستغني به عن ثلاثيه. وكان يمكن أن يستعملوا هذا الثلاثي؛ حملاً على النظير، كما قالوا: رد الكلام ورجعه، أو حملاً على النقيض، كما قالوا: سأل ودعا، وكلها ثلاثيات، والشيء يُحمل على نظيره، كما يُحمل على ضده، إلا أنهم أهملوه، واستعملوا (أجاب) الرباعي.

* قول الحق تعالى: {وأخبتوا إلى ربهم} (هود:23) الفعل (أخبت) مما بُني على (أفعل) ومعناه التواضع والخضوع والتذلل، ولم يُسمع لهذا الفعل ثلاثي من معناه، إلا ما سُمع من قولهم: خبت ذكره: إذا خمد، وهو وإن كان قريباً في المعنى من (أخبت) إلا أنه لا يبلغ حد مرادفته، لكن وجود خضع، ووضع، وذل، ثلاثيات بمعنى (أخبت) يدل على أنه لا مانع عقلاً من استعمال (خبت) الثلاثي في هذا المعنى، إلا أن العرب أهملوه، واستغنوا عنه بـ (أخبت) الرباعي.

معان أُخر لصيغة (أفعل) الفعلية

لصيغة أفعل التفضيلية غير ما تقدم معان أُخر، جاءت في القرآن الكريم، نذكر منها:

* الدخول: المراد دخول الفاعل فيما اشتق منه الفعل، من أمثلته قوله تعالى: {ويوم لا يسبتون لا تأتيهم} (الأعراف:163) أي: يدخلون في السبت، كما يقال: أجمعنا، وأظهرنا، وأشهرنا، أي دخلنا في الجمعة، والظهر، والشهر.

* الصيرورة: المراد صيرورة الفاعل صاحب ما اشتق منه الفعل، مثاله قوله سبحانه: {أسمع بهم وأبصر} (مريم:38) وقوله تعالى: {أبصر به وأسمع} (الكهف:26).

* الجعل: المراد منه جعل المفعول صاحب ما اشتق منه الفعل، مثاله قوله عز وجل: {فأغشيناهم فهم لا يبصرون} (يس:9).

* الوجدان: وجود المفعول على صفة ما اشتق منه الفعل، مثاله: أكبره وجده كبيراً، ومنه قوله سبحانه: {فلما رأينه أكبرنه} (يوسف:31) قال الزمخشري: {أكبرنه} أعظمنه. وقال ابن عاشور: "الهمزة فيه للعدِّ، أي: عددته كبيراً".

* النسبة: المراد نسبة المفعول إلى ما أُشتق منه الفعل، مثاله قوله سبحانه: {وما كان لنبي أن يغل} (آل عمران:161) أي: ما كان لنبي أن يُنسب إلى الغلول.

* الإزالة: تكون على نوعين: إما إزالة ما اشتق منه الفعل عن المفعول، مثاله قوله تعالى: {إن الساعة آتية أكاد أخفيها} (طه:15) (أخفاها) بمعنى أزال عنها خِفاءها، أي غطاءها، وأصل الخِفاء -بالكسر والمد- الكساء الذي يُغطى بها السقاء.

وإما إزالة ما اشتق منه الفعل من الفاعل، مثاله تبارك وتعالى: {فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا} (الحجرات:9) (أقسط) بمعنى أزال القَسْطَ -بفتح القاف- أي الجَوْر.

* التعريض: المراد تعريض المفعول لما اشتق مه الفعل، مثاله: {ألا إنهم يثنون صدورهم} (هود:5) (أثناه) بمعنى عرضه للثني، قال العكبري: "ولا يُعرف في اللغة إلا أن يقال: معناه عرضوها للإثناء، كما يقال: أبعت الفرس إذا عرضته للبيع".

* الكثرة: المراد كثرة ما اشتق منه الفعل عند الفاعل، مثاله قوله تعالى: {ذلك أدنى ألا تعولوا} (النساء:3) قرأ بالشواذ (ألا تُعِيلوا) بضم التاء، وكسر العين، من (أعال) الرجل: إذا كثر عياله. أما على القراءة المتواترة فلا شاهد في الآية؛ لأن الفعل من عال، يقال: عال الرجل يعول: إذا جار ومال عن الحق.

* الإتيان: إتيان الفاعل ما اشتق منه الفعل، مثاله قول الحق تعالى: {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} (البقرة:267) (أغمض) بمعنى أتى غامضاً، قال ابن جني: "ووجهها: أن تأتوا غامضاً من الأمر؛ لتطلبوا بذلك التأول على أخذه".

حاصل ما تقدم، أن صيغة (أفعل) الفعلية جاءت في القرآن الكريم تفيد ثلاثة معان رئيسة: الأول: التعدية، وهي المعنى الرئيس لها. الثاني: (أفعل) بمعنى (فعل). الثالث: الاستغناء. وجاءت أيضاً على معان أُخر، لكن بدرجة أقل، كمعنى الدخول في الفعل، والجعل، والوجدان، والنسبة، والإزالة، والتعريض، والكثرة، والإتيان.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة