الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مساهمة الهنديات في الدراسات العربية

مساهمة الهنديات في الدراسات العربية

مساهمة الهنديات في الدراسات العربية

ساهمت الهند مساهمة فعالة في الدراسات العربية عن طريق تشجيع علماء العربية وآدابها بالجوائز والأوسمة، والدعم المادي للتأليف والترجمة والتحقيق في هذه اللغة، وقد أثرى العلماء المكتبة العربية بكثير من المؤلفات العلمية والأدبية والفنية، ومجرد ذكر أسماء هذه الكتب يحتاج إلى مؤلفات عديدة.
ومن بين هؤلاء المساهمين أسماء عديد من النساء اللاتي إما شجعن العربية أو قمن بتأليف الكتب فيها أو ترجمن ما كان جيدًا من كتب العرب ومؤلفاتهم. وتبدأ هذه السلسلة من العهود الوسطى حيث كانت العربية تنمو وتنتشر في ظل الحكم الإسلامي، ثم عصر الاحتلال الإنجليزي ومن ثم عصر ما بعد الاستقلال أي العصر الحديث. وفيما يلي ذكر لجهود النساء الهنديات من العصور المختلفة في الدراسات العربية. ونذكر هنا أيضا أن من بين هؤلاء النسوة من كانت لهن صلة غير مباشرة بالعربية ونشرها وتعليمها في الهند، بينما هناك أخريات ساهمن مباشرة في نشر التراث العربي الإسلامي من خلال كتاباتهن ومقالاتهن.

جهان آرا:
وهي ابنة الإمبراطور المغولي شاهجهان، ولدت عام 1611م في عهد جدها الإمبراطور جهانكير، واعتبرت ولادتها علامة الحظ السعيد بسبب الانتصارات التي حظي بها والدها على أعدائه وقت ولادتها. عين لها والدها السيدة ستي النساء وهي حافظة للقرآن وعالمة بعلم القراءات والتجويد والأدب والطب معلمة تعلمها هذه العلوم. درست الأميرة بعد ذلك العربية وأصبحت ماهرة فيها إضافة إلى الفارسية والعلوم الأخرى المتداولة في ذلك العصر. وعلى حسب قول السيد دبلوبيل فإن الأميرة جهان آرا سيدة لا نظير لها من حيث عفتها وحيائها وأخلاقها وجمالها، وهي التي سوف يضرب بها المثل في طاعة الوالدين وأداء المسؤوليات إلى يوم القيامة، وسوف يظل اسمها نيرًا في صفحات التاريخ دائمًا.
وإضافة إلى الصفات المذكورة كانت الأميرة شاعرة وكاتبة، وقد قالت أشعارًا بالعربية والفارسية، وهي التي ألفت كتابين مهمين هما: "مؤنس الأرواح" و"صاحبية". ولو أن الكتابين باللغة الفارسية التي كانت رائجة في تلك الفترة إلا أنهما يعتبران مساهمة من الأميرة للدراسات الإسلامية. توفيت الأميرة بعد ان تركت أثرًا بارزًا على الحياة السياسية والاجتماعية لسلطنة المغول عام 1681م ودفنت في مقبرة نظام الدين اولياء في قبر أمرت بإعداده في حياتها.

زيب النساء بيغم:
ولدت زيب النساء في شوال عام 1048ه-، وهي الابنة الأولى للإمبراطور المغولي أورنغ زيب، وقد عين لها أورنغ زيب أستاذة ماهرة لتعليمها، وهي الحافظة مريم التي درستها القرآن الكريم في البداية حسب عادة ذلك العصر، وعندما أتمت زيب النساء حفظ القرآن الكريم منحها والدها ثلاثين ألفًا من العملات الذهبية جائزة على حفظها. وقد ذكرت كتب التاريخ أن زيب النساء درست العربية والفارسية وكانت خطاطة ماهرة، وكان العلماء يحضرون مجلسها، ولا يمكن إنكار كونها شاعرة ومؤلفة، ولكننا لا نجد شيئا من مؤلفاتها بين أيدينا الآن. وقد أنشأت مكتبة كبيرة جمعت فيها كثيرًا من الكتب المتعلقة بالعلوم والآداب المختلفة، وكانت تمضي معظم أوقاتها في هذه المكتبة.
وبغض النظر عن تأليف زيب النساء للكتب أو عدمه، فقد شجعت الأميرة كثيرًا من أصحاب العلم على الكتابة والتصنيف، فكان بلاطها دارًا للعلم، وكان العلماء يشتغلون بالتأليف والتحقيق، ولذلك كان الجزء الأول من الكتب كلمة "زيب" وهذا ما جعل بعض المؤرخين ينسبون هذه الكتب إلى الأميرة خطئا، مثل "زيب التفاسير" الذي هو ترجمة للتفسير الكبير للإمام الرازي، قام به ملا صفي الدين الأردبيلي في كشمير بأمر من الأميرة. وهكذا شجعت هذه الأميرة الشاعرة من أميرات الهند كثيرًا من العلماء على التأليف والترجمة. توفيت الأميرة عام 1710 ودفنت في دلهي.

شاهجهان بيغم:
وهي ابنة الحاكمة البهوبالية سكندرجهان بيغم، وكانت زوجة النواب باقي محمد خان، وبعد وفاته تزوجت النواب صديق حسن خان. تولت الحكم بعد وفاة والدتها وحذت حذوها في ترقية العلم والعلماء، فقد حضر العلماء إلى إمارة بهوبال من كل منطقة وخاصة لكناؤ وما جاورها، وفتحت المدارس والمطابع وشيدت مباني علمية. يتميز عهدها الممتد على 33 سنة من عام 1868م إلى 1901م بالتطور العلمي والأدبي من الناحية التاريخية. فقد كانت الحاكمة سيدة طيبة القلب عادلة رحيمة بالفقراء، تساعد النساء كثيرًا وتؤيد تعليمهن بشدة. إضافة إلى ذلك كانت تهتم بنشر الكتب وقد أنشأت لذلك ثماني مطابع تنشر الكتب التي كان يؤلفها العلماء وكانت توزع مجانًا. وكانت تمنح على كل كتاب جائزة مالية، كانت كذلك تشجع الشعراء وتعقد المحافل الشعرية في قصرها وتمنح الجوائز والأموال للشعراء.
وهي بنفسها مؤلفة لعدة كتب وصاحبة ديوانين باللغة الأردية وهما "ديوان شيرين" و"تاج الكلام"، أما الكتب فهي "تاج الإقبال تاريخ بهوبال" و"تهذيب النسوان وتربية الإنسان" ومعجم باسم "خزانة اللغات"، ويحتوي هذا المعجم على 5500 كلمة، وما يميز هذا المعجم أن المؤلفة ذكرت فيه معاني الكلمات الأردية بست لغات وهي: الأردية نفسها مع العربية والفارسية والتركية والإنجليزية والسنسكرتية، إضافة إلى كتابة كل كلمة بالخط الذي يستعمل في تلك اللغات. والمعجم فعلًا خزانة للذين يريدون ترجمة شيء من الأردية إلى إحدى هذه اللغات.

قامت السيدة كذلك بإنشاء المدارس، فقد ألحقت المدرسة السليمانية التي أنشأتها والدتها بجامعة كولكاتا، وأسست "جهانكيري سكول" لتعليم الإنجليزية خاصة، واحتفاء بذكرى والدها أسست "المدرسة الجهانكيرية" وطبعت من مطبعة شاهجهان كتاب "موضح القرآن" والتي وزعت مجانًا. أسست كذلك دارًا للأيتام سميت "دار الشفقة" وكان الأولاد والبنات يسكنون في هذا الدار في أقسام خاصة لكل منهما، وكانت لهم مدرسة خاصة وهي "المدرسة البلقيسية" يتدرب فيها الطلاب غلى الصناعات والحرف إضافة إلى الدراسة وحفظ القرآن وتعلمه، وتعليم الطلاب الحفاظ على الصلاة والتراويح. وخلاصة القول أن بهوبال كانت حافلة بالعلم والعلماء وكانت تسمى "بغداد الهند". وهكذا ساهمت السيدة بشكل رئيسي في نشر العلم وتشجيع العلماء والطلاب توفيت السيدة في عام 1901م.

سلطان جهان بيغم:
ولدت الأميرة عام 1858م وهي ابنة الحاكمة السابقة شاه جهان بيغم. تولت الحكم من عام 1901م إلى 1926م وقامت بنظم أمور الدولة بكل مهارة وبراعة. وقد قامت بتطوير ومواصلة الجهود التي بدأتها والدتها في مجال التعليم العام والتعليم النسائي، ويعتبر عهدها عهدًا حديثًا من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية، وقد قامت بتشجيع المؤلفين داخل الولاية وخارجها، وطبعت كتب عديدة على نفقتها الخاصة، نذكر منها كتابًا مهمًا هو "سيرة النبي" للعلامة شبلي النعماني الذي قدمت له الأميرة كل مساعدة مالية كان المؤلف بحاجة إليها. وألفت الأميرة 42 كتابًا في مختلف المواضيع، ونذكر هنا أسماء هذه الكتب، مع ملاحظة أن هذه الكتب ولو كانت باللغة الأردية لكنها تعتبر مساهمة جيدة في الدراسات الإسلامية، وكثير من مواضيعها تتعلق أيضًا بمواضيع تعود أصولها بالعربية. وبعض هذه الكتب هي: مذهب، سبيل الحنان، عفت المسلمات، سيرة مصطفى، مدارج الفرقان، نصائح، مقالات سلطاني، سفرنامه حرمين شريفين وغيرها.
شجعت الأميرة كذلك تعليم البنات، فإضافة إلى المدرسة البلقيسية والفكتورية أقامت المدرسة السلطانية وألحقتها بإدارة التعليم في إله آباد، وقد مدحت السيدة ادواير وأعجبت بها أثناء زيارتها.
وأصبحت الأميرة أول مديرة للجامعة الإسلامية بعليكرة، وبذلت الجهود والأموال للرقي بالمستوى العلمي والأدبي لهذه الجامعة الفتية آنذاك، رأست أول حفل للتخرج أقيم للجامعة عام 1922م وألقت فيه خطابًا قيمًا جمعت فيه نقاطًا أساسية لقيام مجتمع إسلامي مثقف يساير تغييرات العهد الجديد. توفيت الأميرة في 12 مايو عام 1930م بعد أن تركت آثارا رائعة لا تزال تذكرنا بعهدها الزاهر.

خير النساء بهتر:
هي والدة الداعية الكبير السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي، ولدت عام 1878م، سماها والدها خير النساء وكان يفضلها على إخوتها ويمنحها الكتب التي كانت تأتيه لقراءتها. وبذلك أحبت القراءة ومن الكتب التي طالعتها "الداء والدواء" للنواب صديق حسن خان، و"تعبير الرؤيا" وهي التعابير المنقولة عن ابن سيرين، وأصبحت ماهرة في ذلك حتى أن الأشخاص من العائلة كانوا يأتون إليها لتعبير الرؤى. حفظت القرآن على يد أخيها السيد عبيد الله، وحفظت معها القرآن فتيات أخريات من العائلة، وقد أكملت الحفظ في ثلاث سنوات.
نسطيع أن نستنتج مدى تفهمها وحرصها على تربية ابنها تربية صالحة من مقولة يرويها الشيخ أبو الحسن الندوي: "عندما أصبحت قادرًا بعض الشيء على القراءة والكتابة قالت لي أمي: عندما تبدأ الكتابة فاكتب هذه العبارة بعد بسم الله: اللهم آتني بفضلك أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين"
إضافة إلى تربية ابنها تربية صالحة جعلته من علماء الإسلام الأجلاء قامت السيدة بتعليم وتربية كثير من بنات ونساء المسلمين في بيتها وعلمتهن محاسن الأخلاق. قامت كذلك بتأليف عدة كتب ومنها:

1- كليد باب رحمت: وهي مجموعة أشعار باللغة الأردية وتختص بالدعاء ومناجاة الرب.
2- حسن معاشرت: يختص هذا الكتاب ببيان طرق صحيحة وإرشادات للفتيات والنساء في التربية والأخلاق والعناية بالأطفال وعلاج بعض الأمراض.
3- رسائل للشيخ أبي الحسن الندوي: وهي الرسائل التي كانت تكتبها السيدة لابنها الشيخ أبي الحسن عندما كان مقيمًا في لكناو. ونجد في هذه الرسائل نصيحتها لابنها بتحصيل العلم العربي ودراسة الكتب الدينية واختيار طريقة السلف الصالح.
وقد تاثر الشيخ بهذه الرسائل كثيرًا، وكفى والدته شرفا أن تكون أمًا لشخصية مثل أبي الحسن الندوي. توفيت السيدة عام 1968م.

الدكتورة فرحانة صديقي:
وُلدت في أسرة مثقّفة في 1 يناير عام 1958م، أكملت دراساتِها الثانوية في مدرسة الجامعة الملّية الإسلامية، كما واصلت دراساتها العليا أيضًاً في الجامعة الملّية الإسلامية، وحصلت على ميدالية شاه ولي الله الذهبية في البكالوريوس وعلى ميدالية شاه فيصل الذهبية في الماجستير على حصولها على المركز الأول في سنوات الدراسة. ثم التحقت بالمعهد المركزي للغة الإنكليزية واللغات الأجنبية بحيدرآباد، والذي تُعرف الآن بجامعة اللغة الإنكليزية واللغات الأجنبية، وحصلت على شهادة الدبلوم فوق الجامعي في تدريس اللغة العربية في عام 1981م، وعلى الماجستير في الآداب، في عام 1984م، ثم بعد عشر سنوات تقريبًاً أكملت شهادة الدكتوراه من الجامعة الملّية الإسلامية، بعنوان: نازك الملائكة: ناقدة وشاعرة ورائدة الشعر الحر، تحت إشراف البروفيسور زبير أحمد الفاروقي في عام 1995م، وأكملت بعض البرامج التعليمية مثل "مهارات الكتابة باللغة الإنكليزية"، و"تاريخ الأبجديات" من جامعة ماري لاند الأمريكية (UMCP) في عام 1997م.

باشرت الدكتورة فرحانة صديقي العمل محاضرةً للغة العربية في مدرسة اللغات الأجنبية التابعة لوزارة الدفاع، حكومة الهند، في أغسطس عام 1983م، ثم بعد حوالي سنةٍ في سبتمبر عام 1984م، اُختيرت محاضرةً للغة العربية وآدابها في الجامعة الملّية الإسلامية التي استمرت في خدمتها حتي وفاتها، وأصبحت بروفيسورةً في شهر أكتوبر من عام 2002م، ثم تولّت مسؤولية رئاسة القسم في عام 2008م، وأكملتها بنجاحٍ باهر،ٍ أجرت خلالها تحسينات إدارية وأكاديمية عديدة، ونظّمت ثلاث ندوات علمية، شارك فيها عدد وجيه من الأساتذة من مختلف الجامعات الهندية. ساهمت في إثراء اللغة العربية في الهند، من تدريسها لمادة اللغة العربية، وإشرافها على البحوث العلمية التي استطاعت أن تنجز الإشراف على أربعةٍ منها، وبقيت الأربعة الأخرى قيد الإنجاز. درست الترجمة من العربية إلى الإنكليزية وبالعكس، والقصة القصيرة، وتاريخ الأدب العربي، وقواعد اللغة العربية، والشعر القديم وعلم اللغة وغير ذلك من المواد. لقد كانت الدكتورة فرحانة صديقي مدرِّسةً ناجحةً، لأنّها كانت تملك الرغبة الصادقة للعطاء، والإخلاص في العمل والالتزام بالوقت والتعاطف الكبير مع الطلبة والتعبير القوي باللغتين العربية والإنكليزية، وهذه هي المقوّمات التي أكسبتها شعبيةً كبيرةً بين طلاّبها.

لقد أسهمت الدكتورة في إثراء اللغة العربية عن طريق مشاركتها في الندوات العلمية، وإلقاء المحاضرات وإعطاء الدروس وتأليف الكتب وكتابة المقالات وترجمة الوفود وما إلى ذلك. إنها كانت تُولي اهتمامًا كبيرًا بالترجمة، وقامت بعمل الترجمة التحريرية معنا في عدد من المؤتمرات الوطنية والدولية المنعقدة في دلهي منها مؤتمر دول عدم الانحياز، والمؤتمر الدولي للشباب، المؤتمر الدولي للمرأة، ومؤتمر القمة لمجموعة خمسة عشر، ومؤتمر وزراء العمل لدول عدم الانحياز وغيرها من المؤتمرات التي قدمت فيها أبحاثها وأوراق عملها.

ونستنتج من السطور السابقة أن النساء يعملن جنبا إلى جنب مع الرجال في خدمة هذه اللغة ويبذلن جهودا مضنية في سبيل نشر العربية في ربوع الهند. إن ذكر هؤلاء النسوة لا يعني اقتصار الجهود النسائية في تطوير العربية عليهن، فهذا ليس إلا نذر يسير من الجهود التي تبذل لخدمة هذه اللغة. وقد بدأت الفتيات الآن في التوجه إلى تعلم العربية أكثر من قبل لما لهذه اللغة من أهمية في تعلم العلوم الدينية ومكانة علمية وأدبية مرموقة.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة