الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جنين .. مجزرة شاركت فيها الأمم المتحدة مرتين !

جنين .. مجزرة شاركت فيها الأمم المتحدة مرتين !

 جنين .. مجزرة شاركت فيها الأمم المتحدة مرتين !

منذ أن أقرت الأمم المتحدة القرار (1373) العام الفائت، والذي سُمح بموجبه للولايات المتحدة بـ"الرد" على الإرهاب الذي تعرضت له، وضربه في أي مكان من العالم، بدا أن الأمم المتحدة ماضية في دخول نفق جديد من القرارات والمواقف إزاء القضايا الدولية. وبالرغم من أننا ما عدنا ـ منذ زمن طويل ـ بحاجة إلى تأكيدات جديدة بأن الأمم المتحدة منحازة بشكل فاضح ضد القضايا العربية والقضية الفلسطينية خصوصاً، إلا أن الانحراف الجديد والخطير الذي دخلته بمنزلة "تحول تاريخي" بكل المقاييس، فابتداءاً من القرار المذكور ـ الذي وصفه المفكر السياسي الأمريكي اليهودي "نعوم تشومسكي" بأنه الأكثر إجراماً في تاريخ العالم ـ بدأت الأمم المتحدة فعلياً تشرِّع التغول الكولنيالي (الاستعماري) للولايات المتحدة بأقنعة جديدة، وهي سابقة شديدة الخطورة انتقلت بموجبها الأمم المتحدة إلى "ملحق" للإدارة الأمريكية ومشروعاتها الطموحة في العالم!

في الأيام العصيبة التي كانت فيها القوات الإسرائيلية تدير مجزرتها الرهيبة في مخيم جنين بإشراف المجرم شارون وقائد أركانه موفاز، وفي الوقت الذي كادت الأصوات الجماهيرية تُبح في أرجاء العالم، وخصوصاً العالم الإسلامي والعربي، وهي تنادي القادة والحكام في العالم لوقف المجزرة الآثمة ، لم يقدم المجتمع الدولي ما يستحق أدنى تقدير في مجزرة تتم على مرأى عينيه ومسمع أذنيه!!

وقف المجتمع الدولي وكأنه عاجز (وهو ليس كذلك) عن فعل شيء، والولايات المتحدة "المتعصبة" لقضايا حقوق الإنسان والحريات حاولت إعطاء شارون الفرصة لإتمام مشروعه الاستئصالي في جنين عبر تحركات توهم السعي لوقف ما أسمته بـ "العنف المشترك" بين الفلسطينيين والإسرائيليين ! وكلنا يذكر جولة وزير الخارجية الأمريكي "كولن باول" بين الدول العربية والأوربية متلكئأً في زيارة الأراضي الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية خلال أسبوع كامل بحجة "استطلاع الآراء" للإيهام بمساع أمريكية جدية، ولكن الزيارة كانت مفضوحة تماماً ولا تحتاج لتأويل.
والقرارات المخيبة للآمال التي صدرت عن وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الطارئ، والتي تضمنت رفع "القضية إلى الأمم المتحدة" أتاحت الفرصة لشارون لإنهاء مهمته ؛ ما أدى إلى تحليلات تقول بوجود ضغوط أمريكية وراء قرارات الاجتماع الطارئ الباهتة .

أما الأمم المتحدة فاكتفت بإبداء القلق "تجاه ما يتردد من أنباء عن استخدام مفرط للقوة الإسرائيلية في جنين" داعيةً الطرفين إلى "وقف العنف"، ولم يعد مستغرباً أن تتوقف عند هذا الحد فقد توفي ضميرها منذ زمن، ما دام الموضوع (المجزرة) ليست في دولة غربية أو أمريكا، فكيف والحال هنا أنه يخص حليف أمريكا المدلل (وبالتالي أمريكا نفسها) إسرائيل؟

في موقف ـ يفترض أنه واجب "طبيعي" ـ قررت الأمم المتحدة (وبعد انتهاء المجزرة طبعاً)، أن ترسل "لجنة لتقصي الحقائق" إلى مخيم جنين، وبالرغم من أن هذا أقل ما يجب فعله بعد وقوع مئات الجثث تحت الأنقاض ، إلا أنها اصطدمت برغبة أمريكية بحلها (استجابة لرغبة إسرائيلية)، وبرفض إسرائيلي طبيعي ومتوقع من مرتكب مجزرة، فقررت الأمم المتحدة ببساطة بالغة ـ غير عابئة بالشعوب المسلمة (وغير المسلمة) التي كانت تراقب كل يوم مشاهد الموت الفظيعة على شاشات التلفزة بعد دخول الصحافة إلى المخيم، التي كانت تسمعها قبل ذلك بكثير من الأسى ـ حل اللجنة !..
لقد كان هذا القرار بمنزلة مساعدة لإسرائيل على تغطية المجزرة، إنه قرار يعني اشتراكاً سلبياً (بالامتناع) في الجريمة المروعة في جنين.

والآن بعد ثلاثة شهور من تاريخ القرار أصدرت الأمم المتحدة تقريرها "المنتظر" عن "أحداث جنين"، وكان من المتوقع أن يدين التقرير، ولو صورياً، الممارسات الإسرائيلية الإجرامية في المخيم، ويكشف - على الأقل - عن الضحايا الذين ذهبوا تحت آلة الحرب الإسرائيلية، ولكن التقرير "المنتظر" ـ الذي قيل إن كوفي عنان هو الذي صاغه ـ فاجأ الجميع بصيغته ولهجته ومحتواه، مئات المدنيين الذين قتلوا أصبحوا بقدرة قادر (52 شخصاً)! نصفهم فقط من المدنيين ! لم يتوقف التقرير عند هذا الحد ، بل وضع مقابل ذلك أن (23 جندياً إسرائيلياً) قتلوا أيضاً، ما يعني أن التقرير يحاول أن يوجد "مكافأة" في عدد القتلى، بل الأنكى والأدهى من ذلك أن يحمل التقرير ـ بشكل أو بآخر ـ المقاومة الفلسطينية وِزر "استخدام إسرائيل الأسلحة الثقيلة في هجومها على المخيم المزدحم بالسكان" ، فحسب التقرير : "المقاتلون حولوه أيضاً إلى قاعدة لهم" !!
إذًا لم يعد خافياً البتة أن التقرير يتجاوز حتى خط "المساواة بين الجلاد والضحية" ـ على حد تعبير الصحف العربية في تعليقها على التقرير ـ ليحمل الضحية وزر الجريمة، فهي التي جعلت الجلاد يرتكب المجزرة في حقها !!

بل أكثر من ذلك فإن التقرير في الواقع يطابق الموقف الإسرائيلي، وقد أشادت به الخارجية الإسرائيلية بطبيعة الحال، ما يجعلنا نتأكد من أنه كتب بأيد إسرائيلية ... وبطبيعة الحال فإن هذا التقرير بمنزلة مشاركة ثانية للأمم المتحدة في مجزرة جنين المروعة، إذ إنه يمنح الجريمة فرصة أسطورية للفرار من العقاب، بتزوير متعمد لحقائقها !

لقد أثبت التقرير مسار الانحراف الذي دخلته الأمم المتحدة بعد أحداث 11 أيلول، حتى أصبحت - بكل تأكيد - مؤسسة ملحقة بالإدارة الأمريكية، وحلفيتها العزيزة إسرائيل.. فقد كانت المجازر ترتكب "في غفلة عن الإنسانية" ، أما اليوم فإنها في المسار الجديد للأمم المتحدة ترتكب تحت "أغطية" الشرعية، بمسميات "محاربة الإرهاب"، و"الدفاع عن النفس" شأن العبارات الكثيرة التي أصبحت تتردد بكثرة في الخطابين السياسيين الأمريكي والإسرائيلي.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة