الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لفظ (خشع) في القرآن الكريم

لفظ (خشع) في القرآن الكريم

لفظ (خشع) في القرآن الكريم

تذكر معاجم اللغة أن مادة (خشع) تفيد معنى الضراعة، وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح. والضراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب، وقد قيل: إذا ضرع القلب خشعت الجوارح. وذكر ابن فارس أن مادة (خشع) تدل على التطامن (الخضوع)، يقال: خشع، إذا تطامن وطأطأ رأسه، يخشع خشوعاً، وهو قريب المعنى من الخضوع، إلا أن الخضوع في البدن والإقرار بالاستخذاء (الانقياد والاستسلام)، والخشوع في الصوت والبصر". ويقال: مكان خاشع: لا يُهتدى له. وخشعت الأصوات: سكنت. وبلدة خاشعة: مغبرة لا منزل بها. و(الخشوع) كما قال القرطبي: "هيئة في النفس يظهر منها في الجوارح سكون وتواضع".

ولفظ (خشع) ورد في القرآن سبع عشرة مرة، جاء في خمسة عشر موضعاً بصيغة الاسم، من ذلك قوله عز من قائل: {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون} (المؤمنون:2) وجاء في موضعين بصيغة الفعل، الأول: قوله عز وجل: {وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا} (طه:108) الثاني: قوله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} (الحديد:16).

ولفظ (خشع) ورد في القرآن على أربعة معان:

الأول: بمعنى التصديق والتسليم، ومنه قوله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} (البقرة:25) قال الطبري: "يعني بقوله: {إلا على الخاشعين} أي: إلا على الخاضعين لطاعته، الخائفين سطواته، المصدقين بوعده ووعيده".

الثاني: التواضع والخضوع، ومنه قوله سبحانه: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} (الأنبياء:90) أي: متواضعين خاضعين. ومنه أيضاً قوله تعالى: {خاشعة أبصارهم} (القلم:43) أي: خاضعة أبصارهم للذي هم فيه من الخزي والهوان.

الثالث: بمعنى التذلل، ومنه قوله عز وجل: {الذين هم في صلاتهم خاشعون} (المؤمنون:2) قال الطبري: "خشوعهم فيها تذللهم لله فيها بطاعته، وقيامهم فيها بما أمرهم بالقيام به فيها". وبحسب هذا المعنى أيضاً قوله تعالى: {وجوه يومئذ خاشعة} (الغاشية:2) أي: ذليلة. ومن هذا القبيل كذلك قوله عز من قائل: {خشعا أبصارهم} (القمر:7) يقول: ذليلة أبصارهم خاشعة.

الرابع: بمعنى سكون الجوارح، ومنه قوله عز وجل: {وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا} (طه:108) أي: سكنت أصوات الخلائق للرحمن. روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله: {وخشعت الأصوات للرحمن} يقول: سكنت.

أما قوله تعالى: {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة} (فصلت:39) أي: دارسة غبراء، لا نبات بها، ولا زرع. قال قتادة: "غبراء متهشمة".

وقوله عز وجل: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} (الحديد:16) أي: ألم يجئ الوقت الذي تلين به قلوبهم، وتخشع لذكر الله، الذي هو القرآن، وتنقاد لأوامره وزواجره.

قال حذيفة رضي الله عنه: أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، ويوشك أن تدخل مسجد الجماعة، فلا ترى فيهم خاشعاً. وقال سهل: من خشع قلبه لم يقرب منه الشيطان.

وحاصل القول: إن لفظ (خشع) ورد في القرآن الكريم على معان أربعة: الأول: بمعنى الانقياد والتسليم. الثاني: بمعنى التواضع والخضوع. الثالث: بمعنى التذلل. الرابع: بمعنى سكون الجوارح.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة