الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإعلام.. آثار سلبية أيضا

الإعلام.. آثار سلبية أيضا

الإعلام.. آثار سلبية أيضا

عندما نشاهد مراهقي أي مجتمع وشبابه يحاول اتباع موضة المشاهير وأبطال الأفلام والمسلسلات والشخصيات العامة.
وعندما نرى أبناءنا وهم يقليدون قصة شعر لاعب كرة أو ممثل أو شخصية شهيرة ومفضلة إعلاميا.
وعندما تقوم الفتيات والمراهقات بتقليد مشية عارضة أزياء أو فنانة مشهورة، أو اختيار موضة الفستان أو الثياب التي كانت ترتدى في مسلسل معين.
وعندما ينتشر بين أبناء أي بلدة أو أمة مقولات قيلت في مواقف تمثيلية أو مسرحية بحيث تتلقفها الشفاة وتلوكها الألسنة.
عندما تتكرر المواقف التمثيلية في المواقف الحياتية وتمارس على أنها شيء طبيعي وتنتقل من مجرد شاشة إلى واقع حياة.

عندما يحدث هذا أو أكثره، فهذا عين ما نعنيه تماما بأثر الإعلام على حياة المشاهد، وهذا ما يقصده المحللون والمتخصصون عند الكلام على آثار الإعلام السلبية والإيجابية على المجتمع ودوره في تغيير أنماط الفكر والسلوك.

ونحن عندما قلنا: "آثار سلبية أو إيجابية"، فإننا نقول هذا على سبيل التصنيف الطبيعي، ووجود الأثرين بالفعل، فهناك تأثير إيجابي فعلا، ولكنه في الحقيقة يكاد يكون متلاشيا بجانب الآثار السلبية للإعلام ـ خصوصا على أمة تقدم إعلاما مشوها أو موجها، وعلى مشاهدين يشاهدون بلا وعي، ويتابعون بلا اختيار، ويتقبلون بدون أي انتقائية.
وأمثال هذا الإعلام يكون سلبيا في مجمله، وضارا في غالبه، وذا أثر غير محمود على متابعيه، وبالتالي على البلدان التي يعيشون فيها، فهي تقاسي مرارات عواقب هذا الإعلام على الفرد وعلى أمته.

وعندما اخترنا الحديث عن الأثار السلبية للإعلام فإننا أيضا أردنا التنيه على شيء موجود بكثرة، ويتعرض له فئات متفاوته من المتابعين.. ونحن هنا لا نحصر جميع الآثار ولكننا ننتقي بعضا منها.. فمن هذه الآثار السلبية:

تغيير المفاهيم الاجتماعية:
لا شك أن للإعلام تأثيرا على فكر الإنسان وعلى أفعاله وتصرفاته، فوسائل الإعلام "تمتلك بموادها ومضامينها وأساليبها قدرة هائلة على التأثير في الناس، وتغيير نظرتهم إلى أنفسهم وإلى العالم من حولهم، وتعديل اتجاهاتهم واستبدال قيمهم أيضاً، وتكوين صور ذهنية أو نمطية حول موضوعات شتى.

وهذه القدرة التأثيرية التي يُراد بها البناء والإصلاح، تكون مدمرة أحياناً كثيرة، خاصة حين تحدث الخلل في منظومة قيم الشعوب والمجتمعات"(مجلة القافلة)، وأكثر ما يتم ذلك عندما يقوم الإعلام باختيار النماذج التي يريد أن يجعلها قدوات يحتذى حذوها، ويقتدى بها ويتبع أثرها.. وإنما يقدمها لتكون أنموذجا للشباب المتابع لهذا الإعلام.

ولا شك أيضا أن كثيرا من المشاهدين يقع بالفعل في هذا الفخ المنصوب ـ إن صح التعبير ـ فيتقمص دور الأبطال في الأفلام والمسلسلات،، وكثير من الفتيات تعيش في ثوب الممثلة والبطلة، أو المانيكان التي تراها، وكثير من هؤلاء ـ المراهقون وفئة الشباب خاصة ـ يقلدون تقليدا أعمى دون التمييز بين الصحيح والخطأ وبين المقبول والمرفوض دينيا أو مجتمعيا، فهو تقليد لمجرد التقليد.

إن الإعلام يصنع القدوات بطريقة مريعة، فهو يحول مشاهير الفن والرياضة وفئات معينة إلى شخصيات عامة وقدوات وأبطال في عقول الشباب، وتتحول سلوكيات هؤلاء إلى نموذج يحتذى من الشباب حتى وإن كانت سلوكياتهم خاطئة ـ وهي كذلك في غالبها ـ فيقتدي بهم المشاهدون بوعي أو بغير وعي. وهذا من أهم الآثار السلبية التي يؤثر بها الإعلام على المجتمع؛ لأن هذه السلوكيات تصبح بعد ذلك مقبولة ومنتشرة، بعد أن كانت مرفوضة وغير مقبولة في المجتمع، وهذا من أكبر وسائل وأسباب التغيير الفكري وتغيير أنماط المبادئ والأصول والقواعد في أي مجتمع كان.

العنف والجريمة
من أكثر المجالات التي تركز عليها الدراسات في مجال تأثير وسائل الإعلام في النشء، هو موضوع العنف والجريمة.. وقد أثبتت الدراسات وأكدت هذه الصلة الوطيدة بين ما يقدمه الإعلام في هذا الجانب وتأثيره على المشاهدين.. وقد أكدت أيضا على أن "المحتوى الذي تبثة من أخبار الحروب والقتال، وأخبار الحوادث والانتحار، وأفلام الرعب والجريمة، تساعد في ترسيخ المشاعر السلبية داخل المشاهد، وكذلك أفلام الأكشن التي تدرور أحداثها على المحاربة بين الأبطال لعبت دورا أساسيا في التشيع على العنف والجريمة، وللأسف حتى برامج الكرتون الخاصة بالأطفال أصبحت تشجع على ذلك، ولم يعد هدفها التوعية والتعليم كما كان يرجى منها" ، وكان من نتائج الدراسات:

أن التعرض لما تقدمه وسائل الإعلام من العنف يؤدي إلى انتقال هذا العنف إلى المشاهد من خلال الملاحظة والمتابعة؛ إذ إن المشاهدين يتعلَّمون ويقلِّدون العنف الواقعي، وليس الخيالي.. أي ذلك النوع من العنف الذي يمكن محاكاته، وتطبيقه في الحياة اليومية.
ثم إن تكرار التعرُّض لهذه المشاهد يؤدي إلى تبلُّد الإحساس تجاه هذه الممارسات العنيفة، والسلوك الإجرامي بشكل عام.. فلا يصبح هناك أي رد فعل لرد هذا العنف ومقاومته.

وأما بالنسبة للجريمة فإن وسائل الإعلام تعلِّم الجريمة من خلال عرض الدراما، التي تتضمَّن أشكالاً من الجريمة المنظمة، وما تبثه من مشاهد لتجارة المخدرات مثلا وكيفية الحصول عليها ووسائل تصريفها وترويجها. وقد قام بعض الناس بعمليات سرقة طبقوا فيها ما رأوه من خلال أفلام عرض فيها هذه الخطط، والإحصائيات تقول: إن كثيرا من الجرائم قام بها أصحابها بمحاكاة ما رأوه في الإعلام.

وهناك مشكلة أخرى في استمرار التعرض لتلك البرامج الإعلامية التي تشتمل على مشاهد عنف وجرائم.. فهي تؤدي إلى الميل لقبولها كأمر واقع، والتسامح معها؛ أو ما يسمى بالتطبيع فيتماهى معها المشاهد ولا يرى خللا في وجودها.

الانحلال الأخلاقي:
وهذا من أعظم مفرزات الإعلام الجديد ونتائجة الخبيثة وآثاره السلبية، فهناك مئات الآلاف من المواقع الإلكترونية والمحطات التلفيزيونية، والمجلات والكتب التي تنشر محتويات إباحية مجانية، وسهلة الوصول إليها، وهو ما تسبب في انتشار الانحلال الأخلاقي بين الكبار والصغار، وانتشار حالات الخيانات الزوجية وارتفاع نسب الطلاق، وزيادة حالات الاغتصاب والتحرش والقتل في المجتمعات.

كما أن الإنترنت أتاحت لصغار السن من الأطفال الانفتاح على مثل هذه الموضوعات غير المناسبة لسنهم، وأخذت بهم إلى طريق الرذيلة في أوقات مبكرة جدا.

إننا يمكن أن ندرك هذا الأثر القميئ والقبيح على الأسر وعلى الناشئة وعلى البيوت من خلال الشكاوى التي تقدم لمواقع الفتاوى أو الاستشارات لنعرف مدى ما وصل إليه الحال من تحلل وتفلت عادت بأثرها على البيوت النظيفة أو التي كانت طيبة من جراء هذا البلاء المستطير، سواء من ناحية الرجال أو النساء، أو الشباب والبنات، والمراهقين والمراهقات، بل وحتى الأطفال الصغار.

ضياع الوقت والعمر:
وبعد هذا يمكننا النظر إلى بعض الآفات الأخرى والآثار السلبية للإعلام على مشاهديه كضياع الوقت والعمر فيما لا يفيد، وإهدار أثمن وأعز ما يملك وهو الوقت والعمر في تفاهات لا تعود بخير ولا بمعرفة ولا بشيء نافع، بل في الحقيقة تجعل الإنسان يعيش في عالم الخيال بعيدا عن عالم الواقع.

أمراض صحية ونفسية:
ثم إن كثرة الجلوس أمام الشاشات له أضراره الصحية والنفسية:
فمن الآثار الصحية: الإصابة باضطرابات الطعام نتيجة لطريقة الغذاء المتوافقة مع إدمان الشاشة، مما يؤدي إلى السمنة المفرطة، أو أمراض ناتجة عن أسلوب غذائي مضطرب وغير متوازن.

ومن الأمراض النفسية: الاكتئاب الناتج عن الانفراد، وعدم التواصل المجتمعي والبقاء أمام الشاشات لأطول وقت ممكن، وكذلك من ممارسة ألعاب معينة تؤدي في النهاية إلى الانعزالية وتفضيل الوحدة والانفراد، مما يؤثر على الحياة الاجتماعية والنفسية لأصحابه.

إن التأثير السلبي للإعلام على المجتمع كبير، فالإعلام يؤثر على الصحة الجسدية والنفسية والمعنوية لمشاهديه، وكل تأثير سلبي يؤدي إلى نتيجة سلبية أخرى، وهكذا حلقة من التأثيرات وسلسلة قد تدمر علاقات الأفراد بأسرهم ومجتمعاتهم، وربما دمرت الأسر والمجتمعات ذاتها.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة