الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من ثمرات الصبر

من ثمرات الصبر

من ثمرات الصبر

اعلم أيها الحبيب الكريم رحمني الله وإياك أن الصبر جواد لا يكبو، وصارم لا ينبو، وجند لا يهزم، وحصن حصين لا يهدم، وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد، ومحله من الظفر محل الرأس من الجسد. وللصبر عواقب جميلة وثمار يانعة، منها:
* أنه قد ضمن الوفي الصادق لأهله في محكم الكتاب، أنه يوفيهم أجرهم بغير حساب: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)}(الزمر).
* وأخبرهم أنه معهم بهدايته ونصره العزيز وفتحه المبين، فقال تعالى: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)}(الأنفال: 46)، فظفر الصابرون بهذه المعية بخير الدنيا والآخرة، وفازوا بها بنعمه الباطنة والظاهرة.
* وجعل سبحانه الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين، فقال تعالى وبقوله اهتدى المهتدون: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة: 24) .
* وأخبر أن الصبر خير لأهله مؤكداً باليمين، فقال تعالى:{وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ} ( النحل: 126) .
* وأخبر أن مع الصبر والتقوى لا يضر كيد العدو ولو كان ذا تسليط فقال تعالى: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط }(آل عمران: 120).

* وأخبر عن نبيه يوسف الصديق أن صبره وتقواه وصّلاه إلى محل العز والتمكين فقال: {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين }(يوسف: 90) .
* وعلّق الفلاح بالصبر والتقوى، فعقل ذلك منه المؤمنون، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}(آل عمران: 200) .
* وأخبر عن محبته لأهله، وفي ذلك أعظم ترغيب للراغبين فقال تعالى: {والله يحب الصابرين }(آل عمران: 146).
* ولقد بشر الصابرين بثلاثٍ كل منها خير مما عليه أهل الدنيا يتحاسدون فقال تعالى: {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}(البقرة: 155، 156) .
* وأوصى عباده بالاستعانة بالصبر والصلاة على نوائب الدنيا والدين فقال تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}(البقرة: 45) .
* وجعل الفوز بالجنة لا يحظى به إلا الصابرون فقال تعالى: {إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون} (المؤمنون: 111) .

* وأخبر أن الرغبة في ثوابه والإعراض عن الدنيا وزينتها لا ينالها إلا أولو الصبر المؤمنون فقال تعالى: {وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون} (القصص: 80) .
* وأخبر أن دفع السيئة بالتي هي أحسن تجعل المسيء كأنه ولي حميم، وأن هذه الخصلة لا يُلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم.
* وأخبر سبحانه خبراً مؤكداً بالقسم: {إن الإنسان في خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}) العصر: 2، 3( .
* وقسّم خلقه قسمين أصحاب ميمنة وأصحاب مشأمة، وخص أهل الميمنة أهل التواصي بالصبر والمرحمة.
* وخص بالانتفاع بآياته أهل الصبر وأهل الشكر تمييزا لهم بهذا الحظ الموفور.فقال في أربع من آياته: {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} .

* وعلق المغفرة والأجر بالعمل الصالح والصبر، وذلك على من يسّره عليه يسير فقال: { إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}(هود:11).
* وأخبر أن الصبر والمغفرة من العزائم التي تجارة أربابها لا تبور، فقال: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور)[الشورى: 43) .
* وأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالصبر والحكمة، وأخبر أن صبره إنما هو لربه وبذلك جميع المصائب تهون.
فقال: {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا } (الطور: 48).
وقال: {واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون } (النحل: 127).

والصبر هو العروة التي يجول المؤمن ثم يرجع إليها، وساق إيمانه الذي لا اعتماد له إلا عليها.
قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها" (مسلم وغيره).
* وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما رزق عبد خيراً له ولا أوسع من الصبر" (الحاكم وصححه).
* قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أفضل عيش أدركناه بالصبر)
وقال عليّ بن أبي طالب: (الصبر مطية لا تكبو). وقال الحسن :(الصبر كنز من كنوز الجنة لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده). وقال عمر بن عبد العزيز: (ما أنعم الله على عبده نعمة فانتزعها منه فعاضه مكانها الصبر إلا كان ما عَوّضه خيرا مما انتزعه).
لابد من الصبر:
الصبر على فتنة الأهل والأحباء الذين يخشى عليهم أن يصيبهم الأذى بسببه وهو لا يملك عنهم دفعا. والصبر على فتنة إقبال الدنيا على المبطلين تصاغ لهم الأمجاد الكاذبة، والصبر على الغربة في البيئة والاستيحاش بالعقيدة حين ينظر المؤمن فيرى كثيرا ممن حوله غارقاً في تيار الضلالة وهو -من قلة قليلة- غريب طريد.

والنفس بالصبر تصهرها الشدائد فتنفي عنها الخبث، وتستجيش كامن قواها المذخورة فتستيقظ وتتجمع ويشتد غورها ويصلب، فإذا طال الأمد، وأبطأ نصر الله، لا يثبت إلا من يؤتمن على تلك الأمانة الكبرى، أمانة السماء في الأرض، وأمانة الله في ضمير المؤمن. إن الصابرين ليتسلمون الأمانة وهي عزيزة على نفوسهم بما أدوا لها من غالي الثمن، وبما صبروا لها من الصبر على المحن.

والذي يصبر على الأذى والحرمان يشعر ولا شك بقيمة الأمانة التي بذل فيها ما بذل فلا يسلمها رخيصة بعد كل هذه التضحيات.
قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" . (رواه أحمد، وصححه الألباني).
لا بد من صبر على طاعة الله والاستقامة على دربه وبذل النفس في مرضاة الله. وهنا لابد من نصح للحركة الإسلامية بعدم العجلة، والحماس الفائر، ولنا في قصة بني إسرائيل العبر: {ألم تر إلى الملاء من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي هم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا ومالنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين} (البقرة: 246).
(فالتفلت من الطاعة والنكوص عن التكليف سمة كل حركة لا تنضج تربيتها الإيمانية، فهي سمة بشرية عامة لا تغير منها إلا التربية العالية الطويلة الأمد العميقة التأثير).

قال الله تعالى: {وقال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين * قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون } (الأعراف: 128-129).
إنه ليس لأصحاب الدعوة إلى رب العالمين إلا ملاذ واحد، وهو الملاذ الحصين الأمين والأولى، واحد وهو الولي القوي المتين، وعليهم أن يصبروا حتى يأذن الولي بالنصرة في الوقت الذي يقدره بحكمته وعلمه، وألا يعجلوا، فهم لا يطلعون على الغيب، ولا يعلمون الخير.
على الناس ألا يتبرموا من طول الطريق فالعاقبة للصابرين طال الزمن أم قصر، فلا يخالج قلوب الداعين إلى رب العالمين قلق على المصير، ولا يخايل لهم تقلب الذين كفروا في البلاد، فيحسبونهم باقين.
لابد للدعاة أن يصبروا على الالتواءات والانحرافات، وثقل الطبائع وتفاهة الاهتمامات بالصبر على الطاعة.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة