الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تطاول الدانمارك وأوربا على خير البرية

تطاول الدانمارك وأوربا على خير البرية

تطاول الدانمارك وأوربا على خير البرية

إن النبي صلى الله عليه وسلم هو سيد الأولين والآخرين، صاحب لواء الحمد، آدم فمن بعده تحت لوائه صلى الله عليه وسلم، وهو أول شافع وأول مشفع، صاحب الحوض المورود والمقام المحمود، أول من يدخل الجنة فيقول خازنها من؟ فيقول: "محمد"، فيقول خازن الجنة: بك أُمرتُ ألا أفتح لأحدٍ قبلك. زكّى الله سبحانه بصره فقال: {ما زاغ البصر وما طغى}، وزكّى فؤاده فقال: {ما ضل صاحبكم وما غوى} وزكّى معلمه فقال: {علمه شديدُ القوى} وزكّى لسانه فقال: {وما ينطق عن الهوى}، وزكاه كله فقال: {وإنك لعلى خلقٍ عظيم} أوجب سبحانه على الخلق طاعته فقال:{قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول}، وأقسم قسماً علم مضمونه أولوا الأحلام والنهى فقال:{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} وجعل سبحانه كل الطرق مسدودة إلا من طريقه، وهذا معنى الشهادة التي ندخل بها في دين الله تعالى: «لا إله إلا الله ، محمد رسول الله» فالتوحيد توحيدان، توحيد المرسِل وتوحيد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما من نبيٍ إلا وبَشّر به صلى الله عليه وسلم، بل إن نحواً من مائة وخمسين بشارة موجودة في التوراة والإنجيل تتعلق بهيئته ودعوته ومبعثه .. فلا يسمع به أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي أُرسل به إلا كان من أصحاب النار، ولا تثبت نبوة نبي إلا من طريقه صلوات الله وسلامه عليه، فمن كان يؤمن بالتوراة والإنجيل ويزعم متابعة موسى وعيسى فعليه أن يُسلم وجهه لله ويتابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان موسى حياً زمن بعثته صلى الله عليه وسلم لكان لزاماً عليه متابعته، وقد أنزل سبحانه سورة الحجرات فيها مكارم الأخلاق ورعاية حدود الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أكرم وأشرف مخلوق، حذرنا جل وعلا من الابتداع ومخالفة طريقته فقال: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}، وقال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} فالاستقامة على هديه الشريف هو الطريق الموصل إلى الله وإلى جنات النعيم، أمرنا بالصلاة عليه ولم لا وقد قال سبحانه: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً} وأوجب اللعنة على من آذاه فقال: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة} وبيّن أنه أغنى نبيه عن نصرة الخلق له ولكن ليبلوا بعضكم ببعض {وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب} وقال: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} فهو سبحانه الذي نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، لهذا وغيره كانت انتفاضة الأمة وقومتها لما حدث من سب لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الدانمارك ثم في النرويج ثم في ست دول أوربية، لقد طلب منهم الاعتذار فرفضوا بزعم أنهم دول ديمقراطية لا يستطيعون الحجر على الآراء ولا على حرية التعبير، وهم الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها لما هدمت طالبان صنم بوذا معتبرين الصنم رمزاً إنسانياً لا يجوز المساس به!!! بل ولم يجترئوا على تناول المحرقة اليهودية (الهولوكست) رغم أنها من الأحداث التاريخية، واستطاع اليهود استصدار قرار من الأمم المتحدة بعقوبة من يطعن في هذا الحدث!! فكيف بمن طعن في سيد الأولين والآخرين، والمبعوث رحمة للعالمين؟!

عداوتهم ظاهرة

لقد ظهرت عداوة هؤلاء لدين الله ولنبي الله صلى الله عليه وسلم للقاصي والداني، حتى صار مفهوم الولاء والبراء الذي حاول البعض طمسه ما يكاد يخفى على المسلم، وانتهى التزييف والتدليس ووصف هؤلاء بالأحباب والأصدقاء، خذ وصفهم من خالقهم ولا ينبئك مثل خبير, قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض} وقال: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} وقال: {لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر} وقال {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} أعلنت أوربا أنها ستعاقب العالم الإسلامي إذا قاطع الدانمارك!! تحالف كفري يظهر في ثوب جديد، فقد تنادوا يوماً في مواجهة الحق وقالوا: {أجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفاً وقد أفلح اليوم من استعلى} تواطؤ ينذر بدمارهم ولا يقتصر على من سب، قال تعالى: {فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها} رغم أن الذي عقر ناقة صالح كان هو قدار بن سالف، ولكن فعل ذلك برضى القوم وموافقتهم ولذلك شملهم الخطاب والعذاب، وقال عمر رضي الله عنه عن رجل قُتل: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به. لقد قرب هذا الحدث من الأذهان قتال الروم الذي يحدث في آخر الزمان كما أوضح مدى خطورة المناداة بالديمقراطية ؛ فالديمقراطية دين عند أهلها ووثن يُعبد من دون الله، لا يليق بمن كرمهم سبحانه بالإسلام ورضيه لهم ديناً أن يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.

رب ضارة نافعة

ورب ضارة نافعة، فهذا السبُّ كان سبباً في يقظة الأمة وعودة قطاعات عريضة للالتزام بدين الله وتخطى ذلك إلى الفنانين والرياضيين.وتنوعت ردود الأفعال، فهذا يطالب بالمقاطعة والثاني باغلاق السفارات وطرد سفراء هذه الدول، والثالث يشجب ويستنكر ويصدر بياناً والرابع يكتب فداك أبي وأمي يا رسول الله والخامس يدعو عليهم ويوضح عداوتهم للمسلمين والسادس ينقل الإجماع على قتل من سب رسول الله صلي الله عليه وسلم سواء كان مسلماً أو كافراً، فإذا كان مسلماً ارتد ومن شك في كفره وعذابه كفر، وإن كان ذمياً فما على هذا عاهدناهم كما قال الإمام أحمد ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول الكثير من الأدلة على ذلك كفعل الأعمى مع المرأة التى سبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حالة غليان تمر بها الأمة تبشر بالخير وبأن المستقبل للإسلام، وهي أشبه بألم المخاضة الذي يعقبه الفرحة بالمولود: {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.

تدبيرهم تدميرهم

فتدبير هؤلاء الكفرة تدميرهم وكيدهم دائماً يرتد إلى نحورهم، ولتعلمن نبأه بعد حين. لقد واجه البعض هذه الإساءة بما لا يليق كقول البعض: إن النبي صلى الله عليه وسلم ميت لا يستطيع الدفاع عن نفسه!! وقول الثاني: {فاصفح الصفح الجميل}!! وقول الثالث: لا نقبل الإساءة للرموز الدينية ولا الاستهانة بالمقدسات!! وأبى فريق إلا أن يرفع غصن الزيتون ويلوح بسماحة الإسلام كما نفعل في مواجهة الدبابات وانتهاك الأعراض!! ولهولاء نقول: لا داعي للميوعة والخنوع في مواجهة أعداء الإسلام والمسلمين فترك جهادهم مذلة ومهانة : {ومن يهن الله فما له من مكرم} إن القول يحسن في مواجهة القول والفعل يحسن في مواجهة الفعل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أن يعفو عن حقه وليس لأمته ذلك، فالاستدلال بالآية {فاصفح الصفح الجميل} مع من سب ليس في موضعه بل هو من جملة الحق الذي يُراد به الباطل، ولا يمكن تسوية الإسلام بغيره، ولا مساواة النبي صلى الله عليه وسلم ببوذا: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون}.

الخير باق في الأمة

مازالت النماذج الفذة الغيورة على المحارم تتجدد في هذه الأمة، فالمعتصم عندما سمع باستصراخ امرأة مسلمة هتك يهودي سترها، ما كان منه إلا أن ركب فرسه وتبعه الجيش حتى فتح عمورية وبعدما فتحها قال: أين التي تستصرخ؟ ولما علم هارون الرشيد أن نقفور ملك الروم يستذل المسلمين عنده بعث إليه يقول: أما بعد فمن هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم فإن الأمر ما تري لا ما تسمع...، وبعد انتصار صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين ما قعد حتى أتى بالأمير الذي سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطع رقبته، إنها النخوة والعزة الإيمانية، وقبل ذلك رسم لنا الصحابة الكرام رضي الله عنهم - طريق النصرة لدين الله والوفاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: أينقص الإسلام وأنا حي، وقال: لو جرت الكلاب بأرجل أمهات المؤمنين ما حللت لواءً عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لعمر: الزم غرزه فإنه على الحق، وقال أنس بن النضر يوم أُحد: علام الحياة بعده قوموا فموتوا على ما مثل ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال مصعب بن عمير وهو يجود بأنفاسه الأخيرة: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين} ولما أرادوا قتل خبيب بن عدي قال: اللهم إني لا أرى إلا وجه عدو ولا أرى وجه أحد يقرئ رسولك مني السلام فاقرئه مني السلام. وسأل أبو سفيان (وكان على الكفر يومئذ) زيد بن الدثنة عندما خرجوا به إلى التنعيم لقتله، يا زيد: أتحب أنك في أهلك وولدك ومحمد هنا تضرب رقبته؟ فقال له زيد: والله ما أحب أني في أهلي وولدي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المكان الذي هو فيه يُشاك بشوكة، فقال أبو سفيان: ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمدا صلى الله عليه وسلم، هكذا كانت محبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونخشى أن يُزاد بنا عن حوضه الشريف، إن نحن غيرنا وبدلنا ورجعنا على عقبنا القهقري أمام هؤلاء الأعداء، نخشى من الخذلان في موطن نطلب فيه النصرة وقد خذلنا نبينا صلوات الله وسلامه عليه، عندما انتهكت حرمته، والخوف من أن نستبدل بسبب اضاعتنا لحقه صلى الله عليه وسلم: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم} ، {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة

لا يوجد مواد ذات صلة