الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بُعبُع الأدب الإسلامي

بُعبُع الأدب الإسلامي

بُعبُع الأدب الإسلامي

في البداية أودّ أن أخبركم أنّ أكثر أدبٍ جمعَ نظّامينَ في الأرض هو الأدب الإسلامي، لكن هل هذا يعني أن ننتقد الأدب الإسلامي أو الأولى بنا أن ننتقد "الشويعر" الإسلامي؟

غرّد أحدهم في تويتر قائلاً: لم يدمر هُوية الأدب ونفَسَه الفني إلا أصحاب الأدب الإسلامي، الذين علَّبوا الإبداع، وأخفوا -عمداً- قيم النص وانزياحاته، وانحازوا للنظم الرديء..

استوقفتني تغريدته هذه؛ فدخلتُ حسابه وعرفت أنه محاضرٌ في الأدب والنقد في إحدى الجامعات، وهذا ما جعلني أستغرب.. إنَّ انتفاخَ أدبٍ ما بنظّامينَ لا علاقةَ لهم بالأدب، لا يعني أن نلغي اعترافنا بنوع الأدب الذي كتبَ عنه وفيهِ فئةٌ غيرهم وأجادوا فيه.

النّظامونُ موجودونَ في كلّ الآداب، وعلينا كلّما وقعت أعيننا على أذاهم أنّ لا نغضّ الطرف أبداً، وخيرٌ لنا من ذمِّ اتجاهاتهم، ذمّهُم.

ثمّ كيفَ لنا تجاهلُ الأدب الإسلامي والتعميم أنّ أصحابه علّبوا الإبداع وأخفوا عمداً- كما يقول صاحبنا ـ قيم النص، وانحازوا للنظم الرديء، وهو الذي خرّجَ لنا الكثير الكثير ممن لا يُرى أمامهم أمثالُ القائلينَ بهذه التغريدة، كأمير الشعراء شوقي الذي سطّر أعظم المدائح النبوية، والرافعي الذي يصغرُ أمامَ أدبهِ كلّ ناقد، ومحمود غنيم الذي قال:
أنّى اتجهتَ إلى الإسلامِ في بلدٍ *** تجدهُ كالطير مقصوصاً جناحاهُ
ولهُ ملاحم أدبيّة حفظها لنا التاريخ.

ومعروفٌ لدى الجميع أن الأدب الرديء يموت قبل صاحبه. أو عمر أبو ريشة الذي قال أعظم أبيات العصر الحديث:
أمتي هل لكِ بينَ الأممِ *** منبرٌ للســيفِ.. أو للـقـلــمِ
أتلقّاكِ وطرفي مُطرقٌ *** خجلاً من أمسكِ المُنصرمِ

أو سيّد قطب الذي ملأ الأرضَ أدباً، وما زال أدبهُ حيٌّ بيننا كأنّهُ كُتب اليوم. أو حافظ إبراهيم، الذي كتب العمرية، وحكى من خلالها عن عدل الإسلام وسماحته وأحكامه.

قد يقول قائل: إنّ ما كتبه حافظ يدرج في المدح، وكذلك المدائح النبوية لشوقي وغيره. وأنا لا أتفق أبداً مع هذا القول، فكل قصيدة فيها مدح للنبي لابد بشكل أو بآخر من مدح الشاعر خلالها لدين هذا النبي. ومدح حافظ لعمر كان مليئاً بمدح دين عمر، وهذا ما يدرج هذه القصائد تحت الأدب الإسلامي.

لن أُكثرَ في طرح الأمثلة على عمالقة هذا الأدب على مرّ العصور.. ولكن أقول: نحنُ لا نستطيع تجاهل كلّ القصائد التي قيلت في ظلّ الإسلام، لأنّ طابعها إسلاميّ، أو إنكار أنها أخذت من أدب الإسلام وقامت عليه، فقط لأنّ النظّامينَ في الأدب الإسلاميّ كُثر. النظّامون الحداثيّونَ لا يقلّون أبداً عن نظرائهم من الإسلاميين وغيرهم، فلماذا لا يُنتقد الناظمُ لا الأدب الذي نظم به؟

إنّني ـ ومن خلال لقاءاتٍ كثيرة جمعتني بشعراءَ من شتّى الاتجاهات ـ لاحظتُ خوف كثيرين منهم من أن يقال عنهُ شاعرٌ إسلاميّ، أو كاتبٌ إسلاميّ، وفكرتُ مراراً وتكراراً في السبب الذي يدعو الشاعر أو الكاتب إلى الفرار من كتابة أيّ شيء يظهر عليه عاطفتهُ الإسلامية.
في المقابل وجدت أنهم يستعذبونَ التسميات الأخرى جداً، فهل أصبح انتسابُ الكتّاب والشعراء لهويّتهم الإسلامية يدعو للحرج؟ نعم! إنّه كذلك مع كثيريين منهم وبكلّ أسف، والذريعة سهلةٌ جداً: يجب أن يكون الأدب للأدب. شخصياً لا أفهم كيف يستطيع الشاعر أو الكاتب أن يفر من هويّتهِ أيّاً كانت، أو أن لا يظهر على كتاباته نَفَسٌ منها شاءَ أو أبى؟

أيها السادة القرّاء، إنّ عدم اعترافنا بالأدب الإسلامي يعني عدم اعترافنا بالأدب الجاهلي، والآداب الأخرى كذلك.

تفاجأت جداً عندما رأيت في حساب هذا الناقد أنّه كان أحد المُشاركين في مسابقة "كتارا" لشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ كيفَ للرجل أن ينكرَ نوعاً من الأدب بتعميمٍ مقيت على أصحابه ثم يكتب فيه!

وسبق أن قلت لكم: إن قصائد المدح النبوي لا تقتصر على مدحه شخص النبي عليه السلام، ولا بد من مدح دينه، وهذا ما يجعلها تابعةً للأدب الإسلامي.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

من ذاكرة التاريخ

الإمام محمد بن سيرين

ابن سيرين تابعي كبير وإمام قدير عرف بالزهد والورع، وكان إمام عصره ‏في علوم الدين، فقيهاً ومفسراً ومحدثاً وإماماً...المزيد