![]() ![]() بين الدين والإلحاد (2)2017-11-19 16:44:49| الشبكة الإسلاميةنسترجع ما كنا قد أسسناه في المقال السابق من أن الدين يوسع نطاق الوجود الإنساني، فلا يختزله بمادية لا تاريخ لها، ولا يسجنه في المعمل كما يسجن الحجر والبكتيريا تحت مقصلة العلم التجريبي، وقلنا أن أول المصادر التي يستند إليها الدين هي مصدر الفطرة ؛ الفطرة في إمكانية المعرفة، الفطرة في معرفة الأخلاق "فلقد دخل الإنسان التاريخ برأس مالٍ أخلاقي مبدئي هائل، لم يرثه من آبائه المزعومين من الحيوانات"(1). الدين وأهميته في تأسيس المعنى للوجود على المستوى التاريخي. وكمثال على هذا الانتظام يطرح عالم الأنثروبولوجي لويس مورجان وصف عجيب للعشائر القديمة فقد كانوا: - يحرمون العلاقات الجنسية خارج نطاق الزواج. وفي هذا المثال وفي غيره الكثير تتضح الجناية الأنثروبولوجية التي تنعت الإنسان الأول بأنه إنسان بدائي قريب للحيوانات من الناحية السلوكية، لا يعي وجوده ولا ينظم مملكته وفق معايير دينية وأخلاقية كبيرة، وطبعاً هذه العلاقات التي تبين الحق من الباطل في الزواج ومعاملة الأسرى تستند إلى أصل ديني ناظم لهذا الوجود. مثال تطبيقي على عدم إمكانية تأسيس المعنى للوجود بمعزل عن الدين (الفلاسفة الطبيعيون). الكثير من الدراسات بل وكتب التأريخ لحقبة فلاسفة الطبيعة يجزمون بأن طاليس وإنكسيمندريس وإنكسيمانس أسسوا فلسفتهم بناءً على نظرة طبيعية مادية ليس لها علاقة بالدين ومن ضمن قال ذلك المؤرخ يوسف كرم في كتابه (تاريخ الفلسفة اليونانية) وكذا زكي نجيب محمود وأحمد أمين في كتابهما(قصة الفلسفة اليونانية) ومن الغربيين: هيجل وراسل وهايدغر وغيرهم ممن اعتقدوا أن العقل اليوناني أسس تفكيره دون سند مسبق من دين أو اتصال بحضارة أخرى.! ولتفنيد هذه النظرة التي تدعي إمكانية تأسيس رؤية للعالم دون سند ديني يطرح الدكتور الطيب بوعزة قراءة نقدية في غاية الأهمية فيها تأويل جديد بوصل هذه الفلسفة مع ما قبلها بحيث تنطلق فلسفته من المثيولوجيا الدينية، حيث قد لاحظ كثير من الباحثين القرابة بين المبدأ الطاليسي والفكر الديني اليوناني، فعند أيتيوس نجد توكيداً على القرابة بين التصور الطاليسي للماء و التصور الميثولوجي الأوقيانوس_والأقيانوس هو إشارة للمحيط وإشارة إلى إله يوناني وطبعا _.(4) وأما مفهوم الأبيرون عند إنكسمندريس حيث يقول عن هذا المبدأ: "إلى الأصل الذي ولدت منه تعود الأشياء, حسب الضرورة؛ لأنه يجب أن يعوض بعضها بعضاً عن ظلمه تبعاً لتعاقب الزمن. هذه المقولة تحمل مفاهيماً أخلاقية ودينية من أمثال (ظلم وتعويض) ومفهوم العودة كل هذه المفاهيم تؤكد الطبيعة الإلهية للأبيرون لأن الإله هو الذي يعوض ويُعيد."(5) أكتفي بهذا القدر، ومن خلال هذه الأطروحة التي قدمها الدكتور الطيب بوعزة يتضح لنا أن فلاسفة ما يسمى بالطبيعيين لم يستطيعوا التخلي عن الأصل الديني_ بغض النظر عن صحة هذا الدين من عدمه_ لتكوين نظرتهم للحياة والوجود؛ مما يعزز وجهة نظرنا في هذا المقام: أنه لا يمكن أن ينفك الإنسان عن البحث الديني مادام يبحث عن أصل وجوده ومعناه، وما دام يبحث عن سبب تميزه بين هذه الكائنات وعن غايته في هذا الكون الشاسع البديع. وأخيراً وبهذا يتجاوز الدين _والدين الإسلامي خصوصاً_ العقم الإلحادي الذي يحاول في البداية البحث عن المعنى ثم ينتهي بقتل مفهوم المعنى نفسه، ويكون أقدر على تأسيس رؤية متسقة بين الكون والوجود تنتظم فيها العلاقة بين كتاب الله الكوني وكتابه الشرعي. وفي المقال القادم سنتجه لفحص السؤال المنهجي الثاني الذي طرحته في المقال الأول: 1431 هـ©Islamweb.netجميع حقوق النشر محفوظة
|