الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لنكن واقعيين

لنكن واقعيين

لنكن واقعيين

ما أجمل أن نكون واقعيين في حياتنا وتفكيرنا، وما أشد ما نجنيه حين نفرط في المثالية ونغرق فيها.

حين يفكر الإنسان ويخطط لعمل أو مشروع، فإنه يتطلع نحو تحقيق أهدافه، ويبحث عما يعينه على تحقيقها، فيغفل عن افتراض العقبات والصعوبات، ويتخيل العلاقة بين كثير من المتغيرات علاقة محكومة بقانون مطرد لا يتخلف، وأن كل العوامل التي تحكمها تسير في الاتجاه الذي يظن، أو ربما يريد. لكنه يفاجأ حين ينزل إلى أرض الواقع فتكون الأمور على خلاف ما يظن.

وحين يرسم المربي أهدافاً يريد أن يوصل أبناءه إليها، فربما اختلطت طموحاته وأمنياته بأهدافه الواقعية، فخرج بتصور مثالي لا يعايش الواقع؛ فيكتشف حينها ضعف الناس أو ضعف قدرته، وهو اكتشاف ربما كان خاطئاً.

وحين يتحدث واعظ، أو يخطب خطيب، فإنه قد يخاطب الناس على أنهم ملائكة أطهار، فمن عرف الله فكيف يعصيه، ومن راقبه لا يمكن أن يواقع خطيئة، وينسى المتحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخاطب الناس بغير ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم](رواه مسلم).

وعن أبي صرمة عن أبي أيوب أنه قال حين حضرته الوفاة: (كنت كتمت عنكم شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون يغفر لهم])(رواه مسلم)، وأنه كان يقول: [والذي نفسي بيده؛ إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة، ثلاث مرات](رواه مسلم).
وربما اكتشف صاحبنا هذا ـ فيما بعد ـ أنه أول من يخالف الناس فيما يدعوهم إليه.

وحين يتصدى شخص لتقويم عمل أو مسلك فربما خرج عن الاعتدال، وطرح انتقاداً لا يبقي على أخضر ولا يابس - وكثيراً ما يكون ذلك عند الأذكياء والمفكرين – لكنه حين يطالب ببرنامج عملي، أو حين يحال الأمر إليه للتنفيذ فقد لا يجيد تحقيق ما يصبو إليه، وأسوأ من ذلك أن يتمنى أن تعود الأمور إلى الحال التي كان ينتقدها.

إنها مواقف تحصل في أحوال ليست بالقليلة في حياتنا، ويجمعها قاسم مشترك ألا وهو المثالية، وتجاهل الواقع وعدم التعامل معه بصورة صحيحة.

ومن أهم ما يعين على تجاوز هذه المشكلة:
- الفهم الدقيق للواقع الذي يعيشه المرء، وتقييمه بشكل أدق.

- والواقعية في تصور المتغيرات التي تؤثر في ظاهرة من الظواهر، وأين اتجاه التغيير؟ وما نسبته؟ وما نسبة احتمال سيرها في الاتجاه الذي نتوقع؟.

- كما يمثل الاعتدال في التفكير، والاتزان في الطرح ونقاش الأمور جانباً مهماً من جوانب العلاج.

وما لم نعتد الاتزان والاعتدال في تفكيرنا وتناولنا لمشكلاتنا فلن يجدي حديثنا النظري في نقلنا خطوة لتجاوز مشكلاتنا.

لا إفراط ولا تفريط
لكن رفض المثالية يجب أن يحاط هو الآخر بسياج من الاعتدال يجنب المتحدث من تجاوز الحد الشرعي؛ فالإفراط في الرجاء أمن من مكر الله، ولا يجوز أن يعالج به القنوط من رحمته.
والإفراط في الواقعية ربما يولد نفساً دنية الهمة، ضعيفة العزيمة، تستلم للأمر الواقع، وترفع شعار: (أن الواقع شيء والمفترض شيء آخر) في وجه كل من يدعوها لترتفع عن واقعها غير المرضي.

إنها سنة الله في الحياة الوسطية والاعتدال، فسبحان من جعل لكل شيء قدراً، وسبحان من أحسن كل شيء خلقه، وجعل كل شيء بميزان {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}. [الرحمن:5]، {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}[الحجر:21].

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة